أسعار النفط ترتفع مجددا بدعم من قرارات أوبك+ والتوترات الجيوسياسية

تواصل أسعار النفط تسجيل ارتفاعات ملحوظة في الأسواق العالمية، مدعومة بمجموعة من العوامل التي تشير إلى استمرار التوتر بين العرض والطلب. يأتي هذا الارتفاع في ظل قرار منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها (أوبك+) بزيادة متواضعة في الإنتاج، إلى جانب مخاوف جيوسياسية وتوقعات بزيادة الطلب من الصين. ويؤكد هذا المشهد المعقد أن الأسواق لم تعد تتأثر بعامل واحد فقط، بل بتضافر مجموعة من القوى الاقتصادية والسياسية التي تشكل مستقبل الطاقة العالمية.
قرار “أوبك+” المتواضع يدعم ارتفاع أسعار النفط
في خطوة لم تكن مفاجئة تمامًا، وافقت ثمانية من أعضاء تحالف “أوبك+” يوم الأحد على زيادة الإنتاج بمقدار 137 ألف برميل يوميًا بدءًا من أكتوبر. هذا الرقم يُعد أقل بكثير من الزيادات التي شهدها التحالف في شهري أغسطس وسبتمبر، والتي كانت تقارب 550 ألف برميل يوميًا. وتُفسر هذه الزيادة المحدودة بأنها نهج حذر من قبل المنتجين، يهدف إلى تجنب إغراق السوق بالمعروض في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين.
ويعتبر هذا القرار بمثابة رسالة واضحة من التحالف بأنهم يتوخون الحذر في ضخ المزيد من المعروض في السوق، خاصة في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي. وقد أشار محللون مثل أولي هانسن من ساكسو بنك إلى أن “الأسعار تستقر وسط تكهنات بأن الإنتاج لن يرتفع بالقدر الذي سمح به الأعضاء الثمانية لأنفسهم، ناهيك عن حقيقة أن الصين، وفقًا للبيانات، تشتري حوالي نصف مليون برميل يوميًا لتخزينه”. هذا الحذر في العرض يتوافق مع استراتيجية الحفاظ على استقرار الأسعار ودعمها بدلاً من دفعها نحو الهبوط.
مخاوف العقوبات على روسيا تزيد من التوتر
تُعد التوترات الجيوسياسية أحد المحركات الرئيسية لارتفاع أسعار النفط. وبعد الهجوم الجوي الروسي الأكبر على أوكرانيا، والذي أدى إلى إشعال النيران في مبنى حكومي في كييف، تصاعدت التكهنات بفرض المزيد من العقوبات على روسيا. وقد صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باستعداده للمضي قدمًا في “المرحلة الثانية من القيود”.
إن أي عقوبات إضافية على روسيا ستؤدي حتمًا إلى تقليص إمدادات النفط الروسية إلى الأسواق العالمية، وهو ما يدعم بطبيعة الحال ارتفاع أسعار النفط. وتكمن خطورة هذه العقوبات في أنها قد لا تؤثر فقط على حجم الإنتاج الروسي، بل على قدرة روسيا على تصدير نفطها عبر الموانئ والممرات البحرية الرئيسية، مما يخلق اضطراباً في سلاسل الإمداد العالمية. هذا الانكماش المحتمل في المعروض العالمي يثير قلق المستثمرين ويدفع الأسعار نحو الارتفاع.
توقعات الطلب الصيني وتأثيرها على أسعار النفط
تلعب الصين، بصفتها أحد أكبر مستوردي النفط في العالم، دورًا حيويًا في تحديد اتجاهات أسعار النفط. ووفقًا لبيانات حديثة، من المرجح أن تواصل الصين تخزين النفط بمعدل مماثل لما شهدته هذا العام، وهو ما أكده كبير الاستراتيجيين في شركة “جونفور” لتجارة السلع الأساسية. وقد ساعدت عمليات التخزين الصينية على امتصاص الإنتاج الزائد هذا العام، ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه في عام 2026، مما يوفر دعمًا أساسيًا للأسعار.
بالإضافة إلى ذلك، يرى جيوفاني ستانوفو من بنك UBS أن تراجع الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لدى تحالف “أوبك+” يدعم أسعار النفط. إن انخفاض هذه القدرة، التي تُعرف بأنها كمية النفط التي يمكن للمنتجين ضخها في السوق بسرعة في حالات الطوارئ، يحد من قدرة التحالف على تعويض صدمات الإمدادات المفاجئة، مما يميل إلى دعم الأسعار. هذا النقص في “وسادة الأمان” يترك السوق أكثر عرضة للصدمات ويجعل المستثمرين أكثر حساسية لأي أخبار قد تؤثر على العرض.
دور البنوك المركزية في المشهد الاقتصادي
في سياق آخر، تترقب الأسواق العالمية اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المقرر الأسبوع المقبل، حيث من المتوقع أن يخفض أسعار الفائدة. وتؤدي أسعار الفائدة المنخفضة إلى تقليل تكاليف الاقتراض للمستهلكين والشركات، مما يعزز النمو الاقتصادي وبالتالي يزيد من الطلب على النفط. هذا التوقع يضيف بدوره عاملاً آخر يدعم ارتفاع أسعار النفط. فالتيسير النقدي يُحفز الاستثمار والإنفاق، مما يؤدي إلى زيادة النشاط الصناعي والتجاري، وهو ما يترجم مباشرة إلى زيادة في استهلاك الوقود والمشتقات النفطية.
باختصار، تتشابك عدة عوامل لتدعم الاتجاه الصعودي لأسعار النفط، من بينها قرارات “أوبك+” الحذرة، ومخاوف العقوبات على روسيا، والطلب القوي على التخزين من الصين، بالإضافة إلى السياسات النقدية المرتقبة في الولايات المتحدة. كل هذه العناصر مجتمعة تخلق بيئة مواتية لارتفاع الأسعار وتُظهر مدى تعقيد العوامل التي تحرك سوق النفط العالمي.
اقرأ أيضا…



