أسعار الذهب تتعافى من أدنى مستوياتها وترقب لبيانات التضخم الأمريكية

شهدت أسعار الذهب انتعاشا ملحوظا خلال تداولات يوم الثلاثاء، حيث دخل صائدو الصفقات إلى السوق لاقتناص الفرص بعد أن هوى المعدن الأصفر إلى أدنى مستوى له في أكثر من أسبوع خلال الجلسة السابقة. وكان هذا الانخفاض الحاد يوم الاثنين نتيجة مباشرة للاتفاق المفاجئ بين الولايات المتحدة والصين على هدنة في حربهما التجارية، مما أدى إلى ارتفاع شهية المخاطرة لدى المستثمرين وتقويض جاذبية الذهب كملاذ آمن تقليدي.
ففي تعاملات اليوم الثلاثاء،، ارتفع سعر الذهب في المعاملات الفورية بنسبة 0.6% ليصل إلى 3,254.39 دولار للأونصة، وذلك بعد أن كان قد سجل انخفاضا حادا بنسبة 2.7% في الجلسة السابقة. كما ارتفعت العقود الأمريكية الآجلة للذهب بنسبة 1% لتسجل 3,258.70 دولار للأونصة، مما يشير إلى عودة حذرة للاهتمام بالمعدن الثمين.
لفهم تحركات أسعار الذهب الحالية، لا بد من العودة إلى التطورات الرئيسية التي شهدتها الأسواق يوم الاثنين. فبعد يومين من المفاوضات المكثفة في جنيف، أعلنت الولايات المتحدة والصين عن اتفاق لخفض التعريفات الجمركية المتبادلة لمدة ثلاثة أشهر. وبموجب هذا الاتفاق، ستنخفض التعريفات الأمريكية على الواردات الصينية من 145% إلى 30%، بينما ستنخفض الرسوم الجمركية الصينية على الواردات الأمريكية من 125% إلى 10%. هذا الإعلان أدى إلى موجة من التفاؤل في الأسواق العالمية وارتفاع حاد في أسعار الأسهم، حيث قلت المخاوف من تصاعد الحرب التجارية التي كانت تهدد بجر الاقتصاد العالمي إلى ركود.
وبطبيعة الحال، كان لهذا التحول في معنويات المخاطرة تأثير سلبي مباشر على أسعار الذهب يوم الاثنين، حيث تراجعت جاذبيته كملاذ آمن. فالمستثمرون يميلون عادة إلى الذهب في أوقات عدم اليقين السياسي والاقتصادي، ومع ظهور بوادر انفراجة، تحول الاهتمام نحو الأصول ذات المخاطر الأعلى.
ومع ذلك، يرى تيم ووترر، كبير محللي الأسواق في “كيه سي إم تريد”، أن الانتعاش الطفيف في أسعار الذهب يوم الثلاثاء يعود إلى “بعض عمليات الشراء التي تستهدف القيمة عند المستويات الحالية، وهو ما يساعد على دعم السعر، على الرغم من النظرة العامة الأفضل للنمو العالمي مع تحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين”. وأضاف ووترر أن “حركة التماسك في الدولار سمحت لسعر الذهب بتحقيق دفعة طفيفة نحو الأعلى”، مشيرا إلى أن قوة الدولار التي شهدناها يوم الاثنين ربما تكون قد أخذت قسطا من الراحة، مما يوفر دعمًا إضافيا للمعدن الأصفر.
الدولار الأمريكي عوامل رئيسية مؤثرة في أسعار الذهب
على الرغم من الهدنة التجارية، لا تزال هناك عوامل أخرى تلعب دورًا هامًا في تحديد مسار أسعار الذهب، وفي مقدمتها سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) وقوة الدولار.
فقد صرحت محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي، أدريانا كوجلر، بأن الهدنة المؤقتة في فرض الرسوم الجمركية تقلل من احتمالات حاجة البنك المركزي الأمريكي لخفض أسعار الفائدة استجابة لتباطؤ اقتصادي. مثل هذه التصريحات عادة ما تكون سلبية لأسعار الذهب، حيث إن الذهب يميل إلى الازدهار في بيئة أسعار فائدة منخفضة، إذ تقل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الذي لا يدر عائدا.
وفي هذا السياق، يترقب المتداولون بفارغ الصبر تقرير مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة (بيانات التضخم)، المقرر صدوره في وقت لاحق من اليوم (الثلاثاء). سيوفر هذا التقرير إشارات جديدة حول مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. وتتوقع الأسواق حاليًا أن يقوم الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 55 نقطة أساس هذا العام، بدءًا من سبتمبر.
ويرى تيم ووترر أنه “إذا جاءت بيانات التضخم أقل من المتوقع، فقد يؤدي ذلك إلى إضعاف زخم الدولار الأمريكي، مما قد يمكن الذهب من تحقيق تقدم إضافي”. فالتضخم المنخفض قد يعزز توقعات خفض الفائدة، وهو ما يدعم عادة أسعار الذهب.
توقعات المحللين لأسعار الذهب على المدى القصير
في ضوء هذه التطورات المتداخلة، يتوقع المحللون فترة من الحذر والترقب لأسعار الذهب. فقد توقع بنك “سيتي” استمرار التماسك قصير الأجل للذهب في نطاق يتراوح بين 3,000 دولار و3,300 دولار للأونصة، وقام بتخفيض السعر المستهدف للمعدن الأصفر خلال فترة الأشهر الثلاثة المقبلة إلى 3,150 دولار.
ولم يقتصر الانتعاش يوم الثلاثاء على الذهب وحده، بل شمل أيضا المعادن النفيسة الأخرى التي كانت قد تراجعت في الجلسة السابقة:
- ارتفع سعر الفضة في المعاملات الفورية بنسبة 1.5% ليصل إلى 33.10 دولار للأونصة.
- صعد سعر البلاتين بنسبة 1.2% مسجلاً 987.85 دولار للأونصة.
- ارتفع سعر البلاديوم بنسبة 0.6% ليصل إلى 950.95 دولار للأونصة.
في المحصلة، وجدت أسعار الذهب بعض الدعم يوم الثلاثاء بفضل عمليات شراء انتهازية بعد موجة البيع التي أثارتها الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ومع ذلك، فإن النظرة المستقبلية لأسعار الذهب لا تزال محاطة بالكثير من العوامل المتضاربة. فمن ناحية، أدى تحسن شهية المخاطرة إلى تقليل جاذبية الذهب كملاذ آمن. ومن ناحية أخرى، فإن أي ضعف في الدولار أو إشارات من بيانات التضخم القادمة قد تدفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى تبني سياسة نقدية أكثر تساهلا مما هو متوقع حاليا، وهو ما يمكن أن يوفر دعما قويا لأسعار الذهب. سيظل المستثمرون يراقبون عن كثب تطورات المفاوضات التجارية، وتصريحات مسؤولي البنوك المركزية، والبيانات الاقتصادية الرئيسية، لتحديد الاتجاه المستقبلي للمعدن الثمين.
اقرأ أيضا…
2 تعليقات