Uncategorized

الدولار الأمريكي يعزز مكاسبه مع ترقب الأسواق لخطاب باول

شهد الدولار الأمريكي ارتفاعاً ملحوظاً، ليحوم بالقرب من أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل اليورو والجنيه الإسترليني. يأتي هذا الارتفاع مع قيام المتداولين بتقليص رهاناتهم على خفض أسعار الفائدة، وذلك قبيل الخطاب المرتقب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في ندوة جاكسون هول الاقتصادية. هذا التحرك يعكس حالة من الحذر والترقب تسود الأسواق المالية، حيث يتطلع الجميع إلى أي إشارات قد تكشف عن المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأمريكية، خاصة وأن هذا المؤتمر السنوي له تاريخ طويل في كونه منصة لإطلاق التوجهات الجديدة للسياسة النقدية.

تراجع التوقعات بشأن خفض الفائدة

في الفترة الماضية، عززت مؤشرات ضعف سوق العمل الأمريكية آمال خفض تكاليف الاقتراض الشهر المقبل. إلا أن هذه التوقعات تراجعت مؤخراً بسبب بيانات اقتصادية تومض بمخاطر تضخمية، إضافة إلى تعليقات حذرة من صانعي السياسة في البنك الاحتياطي الفيدرالي. ففي الوقت الذي أظهرت فيه بعض البيانات تباطؤاً في أعداد الوظائف الجديدة، مما كان يفسر على أنه دافع للفيدرالي لخفض الفائدة، فاجأت أرقام التضخم الأخيرة المحللين بارتفاعها، مما وضع صناع القرار في مأزق حقيقي. وتشير أداة FedWatch التابعة لـ CME إلى أن المتداولين أصبحوا الآن يسعرون فرصة خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر بنسبة 73% فقط، مقارنة بنسبة 85.4% قبل أسبوع واحد، وهو ما يظهر تحولاً سريعاً في المعنويات تجاه الدولار الأمريكي.

وصرحت جين فولي، رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في رابوبنك: “لقد عكس الدولار الأمريكي المخاطر المحتملة، فقد يلتزم باول بموقفه الحذر ويصبح أكثر تحفظاً”. هذا التصريح يؤكد أن الأسواق أصبحت تستوعب احتمال أن يفضل الفيدرالي إعطاء الأولوية لمكافحة التضخم على حساب دعم النمو الاقتصادي، على الأقل في الوقت الراهن، خاصة بعد تعليقات بعض المسؤولين التي بدت أكثر تشدداً من التوقعات.

مؤشر الدولار الأمريكي في صعود: قراءة في الأرقام

ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس قيمة العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية أخرى، بنسبة 0.1% ليصل إلى 98.71، وفي طريقه لتحقيق ارتفاع أسبوعي بنسبة 0.9%، ليوقف بذلك سلسلة خسائره التي استمرت لأسبوعين. هذا الارتفاع ليس مجرد حركة عابرة، بل هو انعكاس لعدة عوامل. فإلى جانب ترقب خطاب باول، ساهمت جاذبية عوائد سندات الخزانة الأمريكية المرتفعة في دعم العملة. لقد ارتفع عائد سندات الخزانة لأجل 30 عاماً إلى 4.9285%، بينما استقر عائد السندات لأجل عامين عند 3.79%، بعد ارتفاعه بخمس نقاط أساس في الجلسة السابقة. إن جاذبية عوائد السندات المرتفعة تدفع المستثمرين الأجانب إلى شراء هذه السندات، وهو ما يزيد الطلب على الدولار الأمريكي لتمويل هذه المشتريات، مما يجعل الأصول المقومة بالدولار أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد.

ويبدو أن المسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي غير متحمسين لفكرة خفض سعر الفائدة الشهر المقبل، وهو ما يمهد لمرحلة هامة لخطاب باول، المقرر في الساعة 10 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة (14:00 بتوقيت جرينتش)، خلال المؤتمر السنوي في جاكسون هول. فقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، أوستان جولسبي، إلى أن الاجتماع القادم “حي” وقد يحمل تغييراً في سياسة أسعار الفائدة، لكنه أقر أيضاً بأن البيانات الاقتصادية المتباينة وأرقام التضخم المرتفعة الأخيرة تجعله يتردد في التيسير الوشيك.

مخاطر الركود التضخمي وتأثيرها على الدولار

يرى محللون في BofA Global Research إمكانية لارتفاع متواضع للدولار الأمريكي على المدى القريب، لكنهم يظلون على نظرة هبوطية شاملة على المدى الطويل وسط مخاوف من ركود تضخمي محتمل للاقتصاد الأمريكي. الركود التضخمي هو حالة نادرة وخطيرة تحدث عندما يتزامن التضخم المرتفع مع تباطؤ في النمو الاقتصادي وارتفاع في معدلات البطالة. وأشار المحللون في مذكرة إلى أن “بيئة الركود التضخمي، والتعريفات الجمركية، والمخاوف بشأن استقلالية الفيدرالي والمؤسسات الأمريكية يجب أن تدفع الدولار الأمريكي في نهاية المطاف إلى الهبوط”. هذا التقييم يعكس حقيقة أن النمو الاقتصادي القوي هو أحد أهم دعائم قوة أي عملة، وفي حال تآكل هذا الدعم، فإن قيمة العملة ستتأثر سلباً على المدى البعيد، على الرغم من المكاسب قصيرة الأجل الناتجة عن سياسات التشديد النقدي. إذا استمر التضخم في الارتفاع بينما يتباطأ النمو الاقتصادي، قد يجد البنك المركزي نفسه أمام خيارات صعبة: فالتشديد النقدي لمكافحة التضخم قد يؤدي إلى ركود أعمق، بينما التيسير النقدي لتحفيز النمو قد يفاقم مشكلة التضخم.

أداء العملات العالمية الأخرى: اليورو والين والعملات الاسكندنافية

من ناحية أخرى، تراجع الين الياباني إلى 148.56 مقابل الدولار الأمريكي، ليتجه نحو انخفاض أسبوعي بنسبة 0.9%. وجاء هذا التراجع على الرغم من تباطؤ التضخم الأساسي في اليابان للشهر الثاني على التوالي في يوليو، ولكنه ظل فوق هدف البنك المركزي البالغ 2%، مما يبقي على توقعات زيادة أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة. يظهر هذا التباين في السياسات النقدية بين الفيدرالي الأمريكي الأكثر تشدداً وبنك اليابان الذي يواصل سياسته النقدية فائقة التيسير، مما يجعله استثناءً بين البنوك المركزية الكبرى ويضغط على قيمة الين.

كما تراجع كل من الكرونا السويدية والكرونا النرويجية بنسبة 0.2% مقابل الدولار الأمريكي، بينما حافظ الفرنك السويسري على استقراره نسبياً عند 0.8093. هذه التحركات تعكس بشكل عام جاذبية الدولار الأمريكي في أوقات عدم اليقين، حيث يعتبر ملاذاً آمناً للمستثمرين مقارنة بالعديد من العملات الأخرى التي قد تتأثر بشكل مباشر بالتقلبات الاقتصادية المحلية.

مسار الدولار في ظل عدم اليقين

في الختام، يواجه الدولار الأمريكي مساراً معقداً ومتعدد الأبعاد. ففي الوقت الذي تدعمه فيه المكاسب قصيرة الأجل وتزايد التوقعات بصلابة الاحتياطي الفيدرالي، فإنه يواجه تحديات هيكلية على المدى الطويل، أبرزها مخاطر الركود التضخمي. سيكون خطاب جيروم باول في جاكسون هول بمثابة بوصلة للأسواق، سواء أكد على استمرار التشديد النقدي أو أشار إلى مرونة أكبر في التعامل مع البيانات الاقتصادية.

وفي كلتا الحالتين، سيبقى الدولار الأمريكي محور الاهتمام العالمي، مع استمرار تأثيره على حركة التجارة والأسواق المالية حول العالم. إن التوازن الدقيق بين محاربة التضخم والحفاظ على النمو الاقتصادي سيبقى هو التحدي الأكبر للسياسة النقدية الأمريكية، وسيكون له الأساس في تحديد مسار الدولار الأمريكي في الأشهر والسنوات القادمة.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى