الدولار الأمريكي يتراجع مع تباطؤ إنفاق المستهلكين وانخفاض أسعار المنتجين

شهد الدولار الأمريكي انخفاضًا مقابل معظم العملات الرئيسية خلال تداولات يوم الخميس، وذلك في أعقاب صدور مجموعة من البيانات الاقتصادية الأمريكية التي جاءت أضعف من المتوقع، وعلى رأسها تباطؤ نمو مبيعات التجزئة وانخفاض مفاجئ في أسعار المنتجين لشهر أبريل. هذه الأرقام أثارت قلق المستثمرين بشأن قوة إنفاق المستهلكين والزخم الاقتصادي العام، مما طغى على التفاؤل الذي ساد الأسواق في وقت سابق من الأسبوع بفضل الهدنة التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ويأتي هذا التراجع في أداء الدولار الأمريكي في وقت يترقب فيه المستثمرون أي إشارات جديدة حول استمرار تهدئة التوترات التجارية العالمية وتوجهات السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
بيانات اقتصادية أمريكية ضعيفة تضغط على الدولار الأمريكي
كانت البيانات الاقتصادية الصادرة يوم الخميس هي المحرك الرئيسي لضعف الدولار الأمريكي:
-
تباطؤ ملحوظ في مبيعات التجزئة لشهر أبريل: أعلنت وزارة التجارة الأمريكية أن مبيعات التجزئة ارتفعت بالكاد بنسبة 0.1% الشهر الماضي، وذلك بعد تعديل مكاسب شهر مارس بالزيادة إلى 1.7%. وجاءت قراءة أبريل أقل من بعض التوقعات، حيث كان استطلاع أجرته رويترز يشير إلى استقرار المبيعات بعد القفزة التي سجلتها في مارس (والتي كانت قد أُعلنت سابقا بنسبة 1.5%). وأوضحت البيانات أن الارتفاع القوي في مارس كان مدفوعا جزئيا بتقديم المستهلكين لمشترياتهم، مثل السيارات، تحسبا لإعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تعريفات جمركية جديدة في 2 أبريل. هذا يشير إلى أن المستهلك قد يكون قد بدأ في تقليص إنفاقه بعد موجة الشراء الاستباقية.
-
انخفاض مفاجئ في أسعار المنتجين لشهر أبريل: في تقرير منفصل، أفادت وزارة العمل بأن مؤشر أسعار المنتجين (PPI) للطلب النهائي انخفض بنسبة 0.5% الشهر الماضي، وذلك بعد قراءة معدلة بالزيادة أظهرت استقرار المؤشر في مارس. ويُعزى هذا الانخفاض بشكل كبير إلى تراجع الطلب على السفر الجوي والإقامة الفندقية. وأشارت التقارير إلى أن السياسة التجارية الحمائية التي يتبعها الرئيس ترامب، وتشديد إجراءات الهجرة، بالإضافة إلى تصريحات محددة (مثل الإشارة إلى كندا كولاية رقم 51 والرغبة في شراء جرينلاند) قد ساهمت في انخفاض حاد في السفر السياحي، مما أثر على أسعار الخدمات.
-
سوق العمل: استقرار في إعانات البطالة مع محدودية فرص العمل الجديدة: أظهرت بيانات أخرى من وزارة العمل أن طلبات إعانة البطالة الأولية الأسبوعية استقرت عند 229,000 طلب، وهو ما يتماشى مع توقعات الاقتصاديين. ومع ذلك، أشارت البيانات إلى أن فرص العمل المتاحة أصبحت أكثر محدودية، مما يضيف بعدا آخر لتقييم صحة سوق العمل.
هل هو مجرد تأثير للتعريفات أم ضعف كامن في المستهلك الأمريكي؟
أثارت هذه البيانات تساؤلات بين المحللين حول الأسباب الحقيقية وراء هذا التباطؤ. وفي هذا السياق، قال تييري ويزمان، استراتيجي العملات الأجنبية وأسعار الفائدة العالمي في ماكواري بنيويورك: “لدي شك في أن الأمر لا يتعلق فقط بالتعريفات الجمركية، لدي شك في أن هناك نبرة ضعف أساسية لدى المستهلك الأمريكي”.
وأضاف: “إنها التعريفات، ولكنها أيضًا الضعف الأساسي بين المستهلكين الأمريكيين في هذه المرحلة، وسيكون الربع الثاني ربعًا ضعيفًا للنمو، نظرًا لأننا دخلناه بمعنويات ضعيفة والكثير من عدم اليقين بشأن السياسة. ولم يتم حل هذا الأمر بالكامل بعد، على الرغم مما فعلناه مع الصين في نهاية الأسبوع الماضي”. هذا التحليل يشير إلى أن المشكلات قد تكون أعمق من مجرد رد فعل مؤقت على السياسات التجارية، وهو ما قد يكون له تداعيات أطول أمدا على الدولار الأمريكي.
أداء الدولار الأمريكي في أسواق العملات يوم الخميس
انعكس تأثير هذه البيانات الضعيفة بشكل واضح على أداء الدولار الأمريكي في أسواق العملات العالمية:
- مؤشر الدولار (DXY): انخفض المؤشر، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.25% ليصل إلى 100.75.
- مقابل اليورو: ارتفع اليورو بنسبة 0.27% ليصل إلى 1.1204 دولار، مستفيدا من تراجع الدولار الأمريكي.
- مقابل الين الياباني: ضعف الدولار الأمريكي بنسبة 0.67% ليتداول عند 145.77 ين، حيث لجأ المستثمرون إلى الين كملاذ آمن نسبي.
- مقابل الجنيه الإسترليني: تعزز الجنيه الإسترليني بنسبة 0.28% ليصل إلى 1.3296 دولار. وجاء هذا الارتفاع مدعومًا أيضًا ببيانات أظهرت نمو الاقتصاد البريطاني بوتيرة أقوى من المتوقع في أوائل عام 2025.
الهدنة التجارية وتأثيرها المتغير على توقعات الدولار الأمريكي
كان الدولار الأمريكي قد بدأ الأسبوع بقوة، حيث قفز مؤشره بأكثر من 1% يوم الاثنين بعد أن أعلنت الولايات المتحدة والصين عن هدنة لمدة 90 يومًا بشأن معظم التعريفات المفروضة على سلع بعضهما البعض منذ أوائل أبريل، مما أدى إلى تهدئة المخاوف من ركود عالمي.
وفي ضوء هذه التهدئة في التوترات التجارية، قلصت الأسواق توقعاتها بشأن قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة هذا العام. وتشير بيانات مجموعة بورصات لندن (LSEG) إلى أن الأسواق تسعر الآن احتمالًا بنسبة 75.4% للخفض الأول بمقدار 25 نقطة أساس على الأقل في اجتماع سبتمبر للبنك المركزي، مقارنة بتوقعات سابقة كانت تشير إلى خفض مرجح في يوليو. كما قامت كبرى شركات الوساطة المالية، بما في ذلك “جولدمان ساكس” و”جيه بي مورجان” و”باركليز”، هذا الأسبوع بتقليص توقعاتها بحدوث ركود في الولايات المتحدة ومراجعة نظرتها بشأن تيسير سياسة الفيدرالي. هذا التحول في توقعات الفائدة كان في البداية داعما للدولار الأمريكي.
تعليقات مسؤولي الفيدرالي: حذر مستمر وتفكير في إعادة تقييم النهج
أشارت التعليقات الأخيرة الصادرة عن مسؤولي مجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى أن البنك المركزي لا يزال بحاجة إلى مزيد من البيانات لتحديد تأثير إعلانات التعريفات الجمركية على الأسعار والاقتصاد قبل تعديل السياسة النقدية.
وفي تصريحات له يوم الخميس، لم يركز رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، على السياسة النقدية أو التوقعات الاقتصادية بشكل مباشر، لكنه قال إن مسؤولي البنك المركزي يشعرون بأنهم بحاجة إلى إعادة النظر في العناصر الرئيسية المتعلقة بالوظائف والتضخم في نهجهم للسياسة النقدية، وذلك بالنظر إلى تجربة التضخم في السنوات القليلة الماضية. هذه التصريحات، وإن كانت عامة، تشير إلى أن الفيدرالي قد يكون في مرحلة إعادة تفكير وتقييم لنهجه المستقبلي، وهو ما يضيف طبقة من عدم اليقين للدولار الأمريكي.
اقرأ أيضا…
3 تعليقات