الأسهم الأمريكية تقفز بفضل سهم آبل والتفاؤل السياسي

شهدت الأسهم الأمريكية مؤخراً بداية قوية للأسبوع، حيث ارتفعت المؤشرات الرئيسية بشكل ملحوظ، مدفوعة بجرعة من التفاؤل السياسي ودفعة قوية من عملاق التكنولوجيا، شركة آبل (Apple). هذا الارتفاع يمثل تحولاً إيجابياً بعد أسبوع من التقلبات، ويشير إلى أن المستثمرين بدأوا يركزون على الأساسيات القوية للشركات وتقارير الأرباح، بدلاً من التوترات الجيوسياسية ومخاطر الإغلاق الحكومي. لقد أغلق مؤشر داو جونز الصناعي مرتفعاً بأكثر من 500 نقطة، مسجلاً مكاسب فاقت 1.12%، وهو ما يعكس تحسناً نفسياً كبيراً في وول ستريت. في حين صعد مؤشر S&P 500 بنسبة 1.07%، وتقدم مؤشر ناسداك المركب 1.37%. فما هي المحركات التي قادت هذا الصعود، وكيف يمكن قراءة توجهات الأسهم الأمريكية في المرحلة المقبلة؟
سهم آبل يسجل ارتفاعاً قياسياً ويدعم الأسهم الأمريكية
كان المحرك الأبرز للارتفاع الأخير هو الأداء الاستثنائي لـ سهم آبل، والذي قفز بما يقرب من 4% ليغلق عند مستوى قياسي جديد. جاء هذا الزخم بعد أن قامت شركة “لوب كابيتال” (Loop Capital) بترقية توصيتها للسهم من “احتفاظ” إلى “شراء”، وهو ما يشير إلى ثقة متزايدة في مسار نمو الشركة.
يشير المحللون إلى أن السبب الرئيسي وراء هذه الترقية هو تحسن الطلب على هواتف “آيفون”، مع توقعات بأن الشركة تدخل الآن “الدورة المرتقبة لتبني هواتف آبل” (Adoption Cycle)، والتي تشير إلى توسع مستمر في شحنات “آيفون” حتى عام 2027. هذه الدورة الجديدة ليست مجرد زيادة في مبيعات الوحدات، بل هي ركيزة لتنمية قاعدة المستخدمين النشطين (Installed Base)، والتي بدورها تغذي نمو قطاع الخدمات عالي الهامش في “آبل” مثل متجر التطبيقات والاشتراكات السحابية (iCloud). بالنسبة للمستثمرين في الأسهم الأمريكية، يُنظر إلى “آبل” كقوة استقرار وعملاق سوق يمتلك القدرة على تحريك مؤشر S&P 500 بالكامل، نظراً لوزنها السوقي الهائل وتأثيرها المباشر على معنويات السوق في وول ستريت.
يؤكد هذا الأداء أن أسهم التكنولوجيا لا تزال هي العمود الفقري لنمو سوق وول ستريت، خاصة تلك الشركات التي تظهر أساسيات قوية وتوقعات مبيعات مستقبلية واعدة، بعيداً عن تقلبات السوق العامة والتخوفات من ارتفاع أسعار الفائدة.
التفاؤل السياسي يقهر الإغلاق الحكومي وتأثيره المحدود
بالإضافة إلى الدعم القوي من التكنولوجيا، جاء التفاؤل من واشنطن ليدعم مزاج المستثمرين. ففي الوقت الذي كان فيه الإغلاق الحكومي الأمريكي مستمراً لليوم العشرين، أشار مدير المجلس الاقتصادي الوطني، كيفن هاسيت، إلى أن الإغلاق “من المرجح أن ينتهي هذا الأسبوع”.
على الرغم من أن الإغلاقات الحكومية عادة ما تولد حالة من عدم اليقين في الأسهم الأمريكية، إلا أن السوق غالباً ما يُظهر مرونة وتفاؤلاً بقرب التوصل إلى اتفاق سياسي. المستثمرون يميلون إلى تهميش المخاطر السياسية قصيرة المدى، حيث ترى وول ستريت أن التأثير الاقتصادي لإغلاق حكومي مؤقت على القطاع الخاص محدود ومؤقت، ويركزون بدلاً من ذلك على العوامل الاقتصادية الأساسية الأطول أمداً، مثل أرباح الشركات والسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي. هذا التركيز على الأفق الزمني الأبعد هو ما يفسر عدم تأثر المؤشرات الرئيسية بالضجيج السياسي اليومي.
نتائج الأرباح كمحرك رئيسي للسوق وتفوق الشركات
يعتبر موسم إعلانات الأرباح الجاري حالياً دافعاً أساسياً للتحسن في معنويات السوق. حتى الآن، تجاوزت 76% من شركات مؤشر S&P 500 التي أعلنت نتائجها توقعات الأرباح، وهي نسبة تفوق المتوسط المعتاد في الأسبوع الأول من موسم الإفصاح. يشير هذا التفوق إلى أن القطاعات الرئيسية، خاصة قطاع الرعاية الصحية والقطاع الصناعي، أظهرت مرونة غير متوقعة في مواجهة تحديات الاقتصاد الكلي.
هذه القوة في أرباح الشركات تشير إلى أن الاقتصاد يظل قوياً على مستوى الشركات، وهو ما يبعث برسالة طمأنة للمستثمرين الذين كانوا قلقين بشأن التضخم أو التباطؤ الاقتصادي. إن الأرباح القوية تدعم التقييمات وتبرر أسعار الأسهم المرتفعة. ومن المتوقع أن يستمر هذا التركيز مع إعلان نتائج شركات كبرى هذا الأسبوع، بما في ذلك “نتفليكس”، و”كوكا كولا”، و”تيسلا”، و”إنتل”. الأداء القوي لهذه الشركات يمكن أن يطغى على أي تحديات في المشهد الاقتصادي الكلي، معززاً بذلك ارتفاع مؤشر داو جونز.
تراجع المخاوف التجارية والقروض المصرفية
استفادت الأسهم الأمريكية أيضاً من تراجع حدة التوترات التي سيطرت على الأسبوع الماضي، بما في ذلك:
- الخلافات التجارية: عبّر الرئيس الأمريكي عن تفاؤله بالتوصل إلى “صفقة عادلة” مع الصين، وتوقع لقاءً قريباً بين مسؤولي البلدين. هذا يشير إلى احتمال تراجع التهديدات بفرض رسوم جمركية إضافية، خاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية، وهو ما يزيل ضغطاً كبيراً عن الأسواق العالمية والشركات التي تعتمد على سلاسل الإمداد الآسيوية.
- مخاطر الائتمان المصرفي: استعاد المستثمرون ثقتهم بعد أن تسببت مخاوف القروض المتعثرة في بنوك إقليمية مثل “زيونز بانكوربوريشن” و”ويسترن ألاينس” في موجة بيع يوم الخميس الماضي. ارتفاع أسهم هذه البنوك في الجلسة الأخيرة بنسبة 4% لكل منهما، يدل على أن السوق قد تجاوز هذه المخاوف الائتمانية. استقرار القطاع المصرفي ضروري لضمان استمرار تدفق الائتمان للشركات والمستهلكين، وهو أساس النمو الاقتصادي.
نظرة مستقبلية للأسهم الأمريكية
في ضوء التطورات الأخيرة، يبدو أن الأسهم الأمريكية تتجه نحو مرحلة من “اتساع نطاق السوق”، حيث تتوسع المكاسب لتشمل قطاعات أخرى بخلاف التكنولوجيا. هذا الاتجاه الإيجابي مدعوم بتحسن آفاق الأرباح، والتفاؤل بالسياسة النقدية (توقع خفض إضافي لربع نقطة مئوية من قبل الاحتياطي الفيدرالي في اجتماع أكتوبر)، وتخفيف الضغوط الجيوسياسية.
يقول الخبراء إن الأسواق بدأت تخرج من “حالة الركود” الناجمة عن التوترات التجارية والإغلاق، وأصبحت تركز على العوامل الأكثر تأثيراً وإيجابية: السياسة النقدية وأرباح الشركات. هذا التركيز يبرر النظرة الإيجابية على المدى المتوسط، خاصة وأن السوق يستعد لحركة اختراق صعودية محتملة مع اقتراب نهاية العام. يبقى سهم آبل نموذجاً للشركات التي تقود هذا التعافي، مؤكداً على أهمية الاستثمار في الأسماء الكبرى ذات الأساسيات القوية والاستراتيجيات الواضحة للنمو المستدام.
اقرأ أيضا…