أسعار الذهب ترتفع قبيل بيانات التضخم الأمريكي وتراجع الدولار يمنحها الزخم

تشهد أسعار الذهب ارتفاعاً ملحوظاً في تداولات اليوم، الجمعة، مدعومة بشكل أساسي بتراجع مؤشر الدولار الأمريكي مقابل سلة العملات الرئيسية. يأتي هذا الارتفاع فيما يترقب المستثمرون ببالغ الحذر صدور بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) الأمريكية، وهي البيانات التي تُعدّ مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي. ومن المتوقع أن تلعب هذه البيانات دوراً حاسماً في تحديد مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي خلال اجتماعه المرتقب الأسبوع المقبل، حيث تُستخدم كمؤشر رئيسي لمدى الحاجة لتغيير معدلات الفائدة.
تحركات السوق والحذر يسيطر على تداولات الذهب
ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.5% ليصل إلى 4,227.35 دولار للأوقية (اعتباراً من الساعة 0717 بتوقيت جرينتش)، ولكنه ظل على مسار تسجيل انخفاض أسبوعي طفيف بنسبة 0.1%، مما يعكس حالة الترقب والتقلبات الحادة التي ميزت السوق هذا الأسبوع. كما سجلت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر ارتفاعاً بنسبة 0.4% إلى 4,257.90 دولار للأوقية.
ويأتي هذا الارتفاع الفصلي على الرغم من عدم قدرة المشترين على تجاوز قمة يوم الاثنين الرئيسية عند 4,264.29 دولار. هذه النقطة الفنية تُعتبر مستوى مقاومة حاسماً، ويشير عدم اختراقها إلى حالة من الحذر الشديد تسود السوق قبيل الإعلانات الاقتصادية الهامة. ووفقاً لكيلفن وونغ، كبير محللي السوق في OANDA، فإن هذا الترقب يعود بشكل مباشر إلى انتظار صدور بيانات نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) المؤجلة. وعلّق وونغ بالقول: “هذه البيانات الرئيسية تبقي المتداولين على المدى القصير أكثر تحفظاً بشأن إضافة المراكز الطويلة بشكل اندفاعي، حيث يفضلون انتظار إشارة واضحة من الفيدرالي، في حين أن ضعف الدولار يمثل حالياً الدعامة الأساسية لـ أسعار الذهب وارتفاعه.”
ضغوط الدولار وتأثيره المعقد على الأصول الآمنة
كان التراجع في قيمة الدولار الأمريكي هو الدافع الرئيسي لارتفاع المعدن الأصفر. فقد تراجع مؤشر الدولار واستقر بالقرب من أدنى مستوى له في خمسة أسابيع مقابل العملات الرئيسية. هذا التراجع له تأثير مزدوج؛ فهو من جهة يجعل الذهب، المقوم بالدولار، أرخص ثمناً لحاملي العملات الأخرى، وبالتالي يعزز من جاذبيته الاستثمارية كأصل ملاذ آمن، ومن جهة أخرى، يشير إلى تلاشي جاذبية الدولار كأصل يحمل عائداً مرتفعاً.
ويُعدّ ضعف الدولار مؤشراً قوياً على تزايد التوقعات بأن الفيدرالي الأمريكي سيتجه نحو تبني سياسة نقدية أقل تشدداً في المستقبل القريب، ربما بسبب تخفيف الضغوط التضخمية أو مخاوف بشأن النمو الاقتصادي، مما يقلل من العائد الحقيقي على السندات الحكومية ويزيد من الطلب على الذهب كأداة للتحوط ضد التدهور المحتمل في قيمة العملة.
البيانات الاقتصادية المتضاربة والمسار المتوقع للفيدرالي
تأتي حركة أسعار الذهب الأخيرة في ظل بيانات اقتصادية متضاربة ترسم صورة غير واضحة لسوق العمل الأمريكي. فمن ناحية، أظهرت بيانات يوم الخميس تراجعاً قوياً في مطالبات إعانة البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من ثلاث سنوات (191,000 مطالبة)، مما يشير إلى استمرار متانة سوق العمل. ومن ناحية أخرى، كشفت أرقام ADP الصادرة يوم الأربعاء عن تراجع حاد في الوظائف الخاصة بقطاع الشركات بمقدار 32,000 وظيفة في نوفمبر، وهو الانخفاض الأكبر منذ أكثر من عامين ونصف. هذه الإشارات المختلطة تزيد من تعقيد مهمة الفيدرالي في تحديد الخطوة التالية.
ومع ذلك، وعلى صعيد السياسة النقدية، تتوقع غالبية كبيرة من الاقتصاديين الذين شملهم استطلاع أجرته رويترز أن يُقدم الاحتياطي الفيدرالي على خفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه القادم في 9-10 ديسمبر. وفي هذا السياق، يجب التذكير بأن انخفاض أسعار الفائدة يخدم دائماً مصالح الأصول التي لا تدر عائداً مثل الذهب، حيث يقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ به، ويجعل العائد الحقيقي (سعر الفائدة مطروحاً منه التضخم) أكثر سلبية، مما يحفز المستثمرين على التحول إلى الأصول الثابتة.
المعادن النفيسة الأخرى: الفضة تبرز كأداء هيكلي
على صعيد المعادن الثمينة الأخرى، سجلت الفضة ارتفاعاً قوياً بنسبة 2% لتصل إلى 58.27 دولار للأوقية، وهي في طريقها لتحقيق مكاسب أسبوعية بعد أن لامست رقماً قياسياً عند 58.98 دولار يوم الأربعاء. ويُعزى الأداء القوي للفضة إلى عوامل هيكلية متعددة، أبرزها عجز العرض المتزايد في السوق والمخاوف المتعلقة بالسيولة، بالإضافة إلى إضافتها مؤخراً إلى قائمة المعادن الحيوية الأمريكية، مما يعزز الطلب الصناعي والاستراتيجي عليها. كما ارتفع البلاتين بنسبة 1.1% ليصل إلى 1,664.55 دولار، في حين صعد البلاديوم بنسبة 1.1% إلى 1,465.02 دولار للأوقية.
اقرأ أيضا…



