أخبار الأسواقأخبار البيتكوينعملات رقمية

انهيار أسعار البيتكوين: انخفاض 30% من الذروة.. هل التاريخ يعيد نفسه؟

يُعد الانخفاض الحاد في أسعار البيتكوين، الذي تجاوز 30% من أعلى مستوى تاريخي سجله مؤخراً، دليلاً ملموساً على حالة التقلب الجوهرية التي لطالما ميّزت العملة المشفرة الأكبر عالمياً. قد تثير هذه التراجعات قلق المستثمرين الجدد الذين لم يعتادوا على ديناميكيات أسواق الأصول الرقمية، إلا أن التاريخ الاقتصادي للبيتكوين يظهر أن هذه التقلبات ليست مجرد أحداث عشوائية، بل هي جزء أصيل من نمط عملها الطبيعي. فبدلاً من أن تكون هذه التصحيحات إشارة إلى ضعف بنيوي، فإنها غالباً ما تعمل على “تنظيف” السوق من المضاربين ذوي الرافعة المالية العالية، ممهدة الطريق أمام مرحلة انتعاش صحية وقوية مدعومة بقاعدة استثمارية أكثر رسوخاً وطويلة الأجل.

دورات البيتكوين التاريخية: التقلب كقاعدة لا استثناء

شهدت أسعار البيتكوين تراجعاً إلى مستوى 80,000 دولار أواخر الشهر الماضي، بعد أن لامست ذروتها عند حوالي 126,000 دولار في وقت سابق من أكتوبر، ما يمثل انخفاضاً بنحو 36%. ورغم الارتداد الطفيف الذي شهدته لاحقاً، تظل حركة الأسعار ضمن نطاق التذبذب المعتاد الذي يجب على المستثمر طويل الأجل فهمه وتقبله.

يُشار إلى تحركات أسعار البيتكوين غالباً بمصطلح “الدورات”، والتي ترتبط عادةً بنمط مدته أربع سنوات يتمحور حول حدث رئيسي يعرف باسم “التنصيف” (Halving)، وهو تغيير مبرمج ومضمون في بروتوكول البيتكوين يعمل على خفض مكافآت تعدين العملة إلى النصف، مما يقلل بشكل مباشر من المعروض الجديد المتدفق إلى السوق. هذا الانخفاض الدوري والمفاجئ في العرض يخلق “صدمة إمداد” اقتصادية، تؤدي تاريخياً إلى زيادة هائلة في الطلب والسعر. وفي حين تظهر بعض المؤشرات على أن التوقيت والأنماط التقليدية لهذه الدورات قد تتغير جزئياً بسبب التدفق الهائل لرأس المال المؤسسي، يظل نطاق التقلبات السعرية بعد بلوغ القمم متسقاً بشكل لافت.

يؤكد المحللون أن تقلبات بهذا الحجم تتماشى تماماً مع الاتجاهات طويلة الأجل التي شهدتها الدورات السابقة. ففي الدورة الحالية، سجلت البيتكوين تراجعاً بنسبة 32.7% في الفترة من مارس إلى أغسطس 2024، و31.7% بين يناير وأبريل 2025. هذه التصحيحات تعمل كفلاتر ضرورية لاستمرار المسار الصعودي.

مقارنات تاريخية تؤكد النمط وأهمية المستويات التقنية

عند النظر إلى الدورات السابقة، نجد أن التراجعات الحادة كانت سمة متكررة وليست استثناءً:

  • دورة 2017: كانت فترة نمو استثنائية، لكنها لم تخلُ من الهزات. فقد حدث انخفاض بنحو 40% مرتين في العام نفسه، تلاه تراجع بنسبة 29% في نوفمبر قبل أن تصل العملة إلى مستوى قياسي جديد وتنهي العام بقوة. هذه التصحيحات العنيفة كانت تطهيراً للمضاربين قبل كل قفزة كبرى.
  • دورة 2021: سجلت أسعار البيتكوين تراجعات بلغت 31.2% في يناير و 26% في فبراير، وشهدت تصحيحاً تجاوز 55% بين أبريل ويونيو من العام ذاته (بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها المخاوف التنظيمية وحظر التعدين في الصين مما أدى إلى انخفاض حاد في الهاش ريت)، لكنها سرعان ما استعادت عافيتها وارتفعت لتسجل أعلى مستوى جديد في نوفمبر.

يشير الخبراء إلى أن “هذه التصحيحات التي تحدث في منتصف الدورة تكون دائماً ضمن هيكل صعودي أوسع، وغالباً ما تحافظ على مستويات تقنية رئيسية مثل المتوسط المتحرك لخمسين أسبوعاً (50W MA)”. هذا المتوسط يُعتبر خط الدفاع الأخير بين استمرار السوق الصاعد والدخول في سوق هابط طويل الأجل، وقدرة البيتكوين على الارتداد من هذا المستوى أو حتى بالقرب منه تعزز الثقة في الاتجاه الصعودي العام.

تصفية الرافعة المالية والخوف في السوق: السبب المباشر للتراجع

ما الذي دفع الأسواق إلى هذا التراجع الأخير بهذا العنف؟ كانت الشرارة هي حدث تصفية جماعية ضخم بدأ في 10 أكتوبر، حيث خسر أكثر من 1.6 مليون متداول حوالي 19.37 مليار دولار من المراكز الممولة بالرافعة المالية على مدى 24 ساعة. التصفية هي عملية إغلاق إجبارية لصفقات المتداولين الذين يستخدمون الاقتراض (الرافعة المالية)، عندما ينخفض سعر الأصل إلى نقطة لا يكفي فيها الهامش لتغطية الخسائر. أدت عمليات البيع القسري هذه إلى تأثير متسلسل (Cascade Effect) حيث أدى بيع مركز واحد إلى مزيد من الانخفاض، مما أدى بدوره إلى تصفية مراكز أخرى، متسبباً في تسارع حاد للبيع عبر الصناعة بأكملها.

لا يزال تأثير هذا الحدث، الذي يُوصف بأنه “أكبر حدث تصفية في تاريخ العملات المشفرة”، محسوساً، وفقاً لخبراء السوق. تزامن هذا مع حالة قلق متزايدة بأن السوق قد يكون “وصل إلى نهاية السوق الصاعدة”، مما زاد من مستويات الخوف بين المستثمرين وساهم في استمرار ضغط البيع.

وعلى الرغم من المخاوف، فإن “الشتاء المشفر” (Crypto Winter) التاريخي، والذي يُعرف بأنه سوق هابط طويل الأمد تشهد فيه أسعار البيتكوين انخفاضاً يتراوح بين 70% و 80% من الذروة ويستمر لأكثر من عام، لم يحدث بعد. هذا التباين في حجم التصحيح الحالي (30-40%) مقارنة بالانهيارات الكبرى السابقة (70-80%) هو ما يجعل المستثمرين أكثر حذراً، لكنه يؤكد أيضاً أن الهيكل الصعودي قد لا يزال قائماً، وأننا نشهد تصحيحاً صحياً وليس انهياراً بنيوياً. تبقى حقيقة أن التقلب سمة متأصلة في البيتكوين، ولكن فهم دوراتها التاريخية يمنح المستثمرين منظوراً تحليلياً أعمق بدلاً من الاستسلام للذعر.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى