أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تستقر وتتحدى التوترات الجيوسياسية

حافظت أسعار النفط على استقرارها النسبي يوم الخميس، حيث ركزت الأسواق على تداعيات الهجمات الأوكرانية المتكررة على الأصول النفطية الروسية. وفي الوقت نفسه، خففت محادثات السلام المتعثرة من التوقعات بشأن صفقة محتملة تعيد تدفقات النفط الروسي إلى السوق العالمية بشكل كامل.

سجل سعر خام برنت ارتفاعاً طفيفاً بواقع 24 سنتاً، أو 0.4%، ليصل إلى 62.91 دولاراً للبرميل. كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بواقع 33 سنتاً، أو 0.6%، ليصل إلى 59.28 دولاراً للبرميل. ويأتي هذا التداول الحذر نتيجة لتوازن دقيق بين المخاطر الجيوسياسية ومعطيات الأساسيات. ويعكس هذا التوازن حالة من عدم اليقين حيث تتبدد المخاوف اللحظية بشأن انقطاع الإمدادات بفعل التوقعات الاقتصادية الأوسع التي تشير إلى ضعف محتمل في الطلب العالمي أو استمرار وفرة المعروض، مما يضع سقفاً لأي مكاسب سعرية كبيرة.

تداعيات الهجمات الأوكرانية على البنية التحتية للطاقة الروسية

أكد مصدر في المخابرات العسكرية الأوكرانية يوم الأربعاء أن أوكرانيا استهدفت خط أنابيب دروجبا النفطي في منطقة تامبوف بوسط روسيا. ويُعد هذا خامس هجوم على هذا الخط الحيوي الذي يرسل النفط الروسي إلى المجر وسلوفاكيا. ورغم خطورة الاستهداف، أكد مشغل خط الأنابيب وشركة النفط والغاز المجرية لاحقاً أن الإمدادات استمرت بالتحرك عبر خط الأنابيب بشكل طبيعي، مما خفف من صدمة السوق الفورية.

إلا أن الحملة الأوكرانية بالمسيرات ضد البنية التحتية للتكرير الروسية تشير إلى تحولها إلى مرحلة “أكثر استدامة وتنسيقاً استراتيجياً”، وفقاً لتقرير صادر عن شركة كيبلر (Kpler) الاستشارية. وأشار التقرير إلى أن هذا التصعيد قد دفع إنتاج التكرير الروسي للانخفاض إلى نحو 5 ملايين برميل يومياً بين سبتمبر ونوفمبر، مسجلاً تراجعاً سنوياً قدره 335 ألف برميل يومياً، حيث كان البنزين الأكثر تضرراً تلاه إنتاج زيت الغاز. ويُعد هذا الانخفاض في منتجات التكرير عاملاً هاماً، لأنه لا يؤثر فقط على العائدات الروسية، بل يضيف ضغطاً صعودياً على أسواق المنتجات المكررة العالمية (كالديزل والبنزين)، مما يعكس تحول الحملة الأوكرانية من مجرد إثارة للمخاوف إلى إحداث تأثير فعلي على مخرجات الطاقة الروسية القابلة للتسويق. ويراقب المتعاملون هذا التطور عن كثب لتقييم مدى قدرة روسيا على التعافي السريع من هذه الضربات المتتالية.

محادثات السلام الأمريكية والمخزونات كعوامل ضغط معاكسة

في المقابل، شكلت التطورات السياسية والاقتصادية ضغوطاً موازنة على أسعار النفط. فقد دعم التصور بأن التقدم في خطة السلام الأوكرانية قد تعثر الأسعار صعوداً، بعد أن خرج ممثلو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من محادثات السلام مع الكرملين دون تحقيق أي اختراقات محددة لإنهاء الحرب.

في السابق، كانت التوقعات بانتهاء الصراع تضغط على الأسعار للانخفاض، حيث توقع التجار أن أي صفقة ستتضمن إنهاء العقوبات على روسيا والسماح بعودة كميات أكبر من النفط الروسي إلى السوق العالمية التي تعاني بالفعل من تخمة في المعروض. لذلك، فإن فشل الوفد في تحقيق “اختراقات محددة” قدم دعماً فورياً للأسعار، إذ أزال مؤقتاً شبح تدفق ملايين البراميل الإضافية إلى السوق، وهو ما كان يشكل تهديداً مباشراً لاستراتيجيات إدارة المعروض المتبعة من قبل منتجي “أوبك+.”

وفي سياق آخر، سجلت مخزونات الخام والوقود الأمريكية ارتفاعاً الأسبوع الماضي، بالتزامن مع تسارع نشاط التكرير، حسبما أعلنت إدارة معلومات الطاقة (EIA). وارتفعت مخزونات الخام بواقع 574 ألف برميل لتصل إلى 427.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 28 نوفمبر، في حين كانت توقعات المحللين تشير إلى سحب (انخفاض) قدره 821 ألف برميل. ويمثل هذا الارتفاع المفاجئ في المخزونات الأمريكية خروجاً عن الإجماع ويشير إلى إما ضعف في الطلب المحلي أكثر مما كان متوقعاً أو زيادة في واردات النفط الخام. ويؤكد هذا الاتجاه، المتمثل في تراكم المخزونات رغم زيادة نشاط التكرير، على التحديات التي تواجه السوق في امتصاص المعروض الحالي في ظل أجواء اقتصادية يسودها الترقب.

التوقعات المستقبلية في ظل وفرة المعروض

وفي إشارة إلى التوقعات طويلة الأمد، خفضت وكالة فيتش للتصنيفات الائتمانية (Fitch Ratings) يوم الخميس افتراضاتها لأسعار النفط للأعوام 2025-2027. ويعكس هذا التخفيض وفرة المعروض في السوق ونمو الإنتاج المتوقع أن يتجاوز نمو الطلب. وتعزو فيتش توقعاتها بشكل رئيسي إلى استمرار النمو القوي في إنتاج النفط خارج تحالف “أوبك+”، وتحديداً في الولايات المتحدة وكندا، مما يقلل من فعالية التخفيضات الطوعية التي تقوم بها الدول الأعضاء في المنظمة، ويؤدي إلى خلق فجوة سلبية بين العرض والطلب على المدى المتوسط ما لم يتم اتخاذ تدابير إضافية لضبط الإنتاج.

في الختام، تُظهر أسعار النفط مرونة في مواجهة التصعيد العسكري المحدود، لكنها تظل تحت تأثير عوامل الاقتصاد الكلي والسياسات الدولية. إن استمرار التوتر الجيوسياسي يعطي أرضية داعمة للأسعار، بينما يحد ارتفاع المخزونات وتوقعات فيتش بوفرة المعروض من أي مكاسب كبيرة، مما يبقي السوق في حالة ترقب وتوازن دقيق.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى