هل هي فقاعة؟ انتقادات مايكل بيري اللاذعة لتقييم أسهم تسلا وممارسات التعويض في أسهم التكنولوجيا

أطلق مايكل بيري، المستثمر الشهير الذي ذاع صيته لتنبؤه بأزمة الرهن العقاري في عام 2008 (بطل فيلم “Big Short”)، جولة جديدة من الانتقادات المباشرة التي تستهدف تقييم شركة تسلا (Tesla) وممارساتها المالية، واصفاً القيمة السوقية للشركة بأنها “مُبالغ فيها بشكل سخيف”. وتأتي هذه التصريحات ضمن رسالته الإخبارية الجديدة “كاساندرا بلا قيود” (Cassandra Unchained)، التي أطلقها مؤخراً بعد إغلاق صندوق التحوط الخاص به.
يرى بيري أن القيمة السوقية الحالية لشركة تسلا، التي بلغت مؤخراً 1.43 تريليون دولار، لا تعكس حقيقة أرباحها عندما يتم احتساب التكاليف المخفية وتأثيرها طويل الأمد على المساهمين. ويشير بيري إلى أن أداء سهم الشركة أضاف نحو 6% منذ بداية العام، وهو أداء يظل متأخراً بشكل كبير عن الارتفاع الذي شهده مؤشر S&P 500 الذي تجاوز 15% في الفترة ذاتها. يشدد بيري على أن تقييم أسهم تسلا حالياً يعتمد بشكل أساسي على “أحلام المستقبل” والوعود الرؤيوية في مجالات مثل القيادة الذاتية والروبوتات، بدلاً من الاعتماد على مقاييس الربحية والتدفقات النقدية الحالية التي تستخدم لتقييم مصنعي السيارات التقليديين. يكمن جوهر حجة بيري في أن السوق يتجاهل الآثار التدميرية لطريقة محاسبة التعويضات الممنوحة للموظفين، لا سيما في قطاع أسهم التكنولوجيا واسع النمو.
تخفيف حصة المساهمين (Dilution) وتآكل القيمة
الخطر الأكبر الذي يسلط بيري الضوء عليه هو ما يُعرف بـ “تخفيف حصة المساهمين” (Shareholder Dilution) الناتج عن حزم التعويضات القائمة على الأسهم. ويؤكد بيري أن تسلا، على عكس العديد من الشركات الكبرى، تقوم بتخفيف حصص مساهميها بمعدل سنوي يبلغ 3.6%، دون أن تقابل ذلك بعمليات إعادة شراء للأسهم (Buybacks) لتخفيف الأثر السلبي.
هذا التخفيف يعني عملياً تآكلاً مستمراً في نسبة ملكية المساهمين الحاليين في الشركة بمرور الوقت. وللتوضيح، فإن المستثمر الذي يحتفظ بسهم تسلا على المدى الطويل يشهد انخفاضاً مستمراً في حصته من “كعكة” ملكية الشركة وأرباحها المستقبلية، حيث يتم تقسيم تلك الكعكة على عدد أكبر من الأسهم المصدرة كل عام. ويزداد هذا القلق بعد تصويت المستثمرين مؤخراً بالموافقة على حزمة التعويضات الضخمة لإيلون ماسك، والتي تصل قيمتها إلى تريليون دولار. يرى بيري أن هذه الموافقة تضمن استمرار إصدار الأسهم، مما يؤدي إلى مزيد من التخفيف لملكية المستثمرين الحاليين، حيث أن هذه المكافآت تدفع على شكل أسهم جديدة يتم منحها للمدير التنفيذي بدلاً من استخدام النقد، وهي عملية تؤدي حتماً إلى “تدمير القيمة الحالية” للمساهمين.
تلاعب محاسبي يهدد تقييم أسهم التكنولوجيا ويكشف التكاليف الخفية
لا يقتصر نقد بيري على أسهم تسلا فقط، بل يمتد ليشمل ممارسة شائعة في قطاع أسهم التكنولوجيا بشكل عام، حيث تتجاهل الشركات احتساب التعويضات القائمة على الأسهم (Stock-Based Compensation – SBC) كنفقات تشغيلية حقيقية. إن التعويضات القائمة على الأسهم هي عملية صرف الأسهم أو الخيارات للموظفين بدلاً من النقد، وهي تمثل في الأساس تكلفة حقيقية يتم دفعها للموظف مقابل عمله.
يشير بيري إلى أن الشركات التكنولوجية، مثل “بالانتير” (Palantir) و “أمازون” (Amazon)، تستخدم الأرباح “المعدلة” (Non-GAAP Earnings) التي تستثني تكلفة هذه التعويضات، مما يجعل أرباحها تبدو أعلى بكثير مما هي عليه في الواقع بموجب مبادئ المحاسبة المقبولة عموماً (GAAP). وتهدف الشركات من خلال الترويج لأرباحها “المعدلة” إلى تجميل الهامش التشغيلي وإخفاء تكلفة الاحتفاظ بأفضل المواهب. ويؤكد بيري أن هذه الممارسة “تعاقب المساهمين” من خلال حجب التكلفة الحقيقية لإدارة الشركة، والتي يجب أن تنعكس في الأرباح.
ولتعزيز وجهة نظره، يستشهد بيري بقول الملياردير والمستثمر الأسطوري وارن بافيت حول كيفية التعامل مع التعويضات القائمة على الأسهم: “ماذا يمكن أن تكون أيضاً – هدية من المساهمين؟” في إشارة ساخرة إلى ضرورة اعتبارها تكلفة حقيقية وليست مجرد بند غير نقدي، مؤكداً أن هذه التكاليف تمثل تحويلاً لرأس مال المساهمين الحاليين إلى جيوب الموظفين والمديرين التنفيذيين.
رؤية كاساندرا: دعوة للعودة إلى الأساسيات المالية
مايكل بيري، الذي اشتهر برهاناته المعاكسة للتيار، يرى أن السوق اليوم، المدفوع بالاهتمام بالذكاء الاصطناعي والنمو المستقبلي (وهو ما ركز عليه بيري في رسالته الإخبارية الجديدة)، يرتكب الخطأ نفسه المتمثل في تجاهل fundamentals (الأساسيات المالية) الصارمة.
إن المقالة تقدم تحذيراً واضحاً للمستثمرين في أسهم التكنولوجيا؛ بضرورة تجاوز الأرقام المُعدَّلة والتركيز على النفقات الحقيقية والتأثير السلبي لتخفيف حصة المساهمين على المدى الطويل. ويجب على المستثمرين تحليل القوائم المالية بموجب معايير GAAP لتقدير الأداء التشغيلي الحقيقي للشركات. فالرهان على “أحلام المستقبل” كما في حالة تسلا، قد يأتي بتكلفة باهظة في القيمة الحقيقية للملكية ما لم يتم احتساب “الجبر المأساوي” للتخفيف.
اقرأ أيضا…



