الدولار الأمريكي يصعد مقابل الين وسط هدوء اليورو وتوقعات خفض الفائدة المتزايدة

شهد الدولار الأمريكي ارتفاعاً ملحوظاً مقابل الين الياباني، مدعوماً بطلب قوي على سندات الحكومة اليابانية، في حين استقر سعر صرف اليورو رغم بيانات التضخم الأوروبية الأكثر سخونة قليلاً. نُقدم تحليلاً مفصلاً لتأثير ضغوط خفض الفائدة الأمريكية والقرارات السياسية للبنك المركزي الأوروبي والياباني على أداء الدولار الأمريكي ومؤشره العام، مع التركيز على التداعيات المتوقعة في الأسواق العالمية.
استقرار اليورو وتأثير بيانات التضخم الأوروبية ومستقبل التيسير
شهد سعر صرف اليورو استقراراً نسبياً عند مستوى 1.1608 دولار، وذلك في أعقاب صدور بيانات أظهرت تسارعًا طفيفًا في التضخم بمنطقة اليورو. ارتفع معدل التضخم في الدول العشرين التي تتشارك العملة الموحدة إلى 2.2% الشهر الماضي، مقارنة بـ 2.1% في أكتوبر. ورغم أن هذا الرقم فاق التوقعات قليلاً، فإن الأسواق لم تتأثر به كثيراً.
ورغم هذا الارتفاع الطفيف الذي فاق التوقعات بقليل، فإنه لا يُعد مصدر قلق كبير للبنك المركزي الأوروبي (ECB)، خاصة وأن التضخم الأساسي (الذي يستثني أسعار الطاقة والغذاء المتقلبة) يُظهر علامات تراجع. وفي تأكيد لهذا التوجه، صرّح يواكيم ناجل، عضو مجلس صُناع السياسات في البنك المركزي الأوروبي، في مقابلة نُشرت اليوم، بأن التضخم في منطقة اليورو يكاد يكون عند مستوى الـ 2% الذي يستهدفه البنك. وتشير هذه التطورات إلى تضاؤل احتمالية استمرار دورة التيسير النقدي للبنك المركزي الأوروبي.
حيث يرى محللون، مثل جوشوا ماهوني، كبير محللي السوق في “سكوب ماركتس”، أن “بيانات التضخم هذه تأتي في وقت ادعى فيه البعض أننا قد نشهد خفضًا آخر من البنك المركزي الأوروبي، رغم أن الأرجحية هي أن دورة التيسير قد انتهت بالفعل”. هذا التوقف المتوقع في دورة التيسير يمنح اليورو دعماً مؤقتًا، ويقلل من الفجوة في العائد بينه وبين الدولار الأمريكي.
صعود الدولار الأمريكي مقابل الين وسط ارتياح سندات اليابان
على صعيد التداولات الآسيوية، ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 0.3% مقابل الين الياباني ليصل إلى 156.00، بعدما كان قد سجل أدنى مستوى له في أسبوعين يوم الاثنين. جاء هذا الارتفاع مدفوعاً ببيع سندات الحكومة اليابانية لأجل 10 سنوات، والذي شهد أقوى طلب منذ سبتمبر الماضي.
ويُعزى هذا الطلب القوي إلى تراجع حدة التوتر في الأسواق العالمية، الذي كان قد بدأ يوم الاثنين بعد تصريحات محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، حول دراسة “الإيجابيات والسلبيات” لرفع أسعار الفائدة في اجتماعه القادم. أدت هذه التصريحات إلى موجة بيع واسعة في الأسهم والسندات والعملات المشفرة والدولار الأمريكي بشكل مؤقت، حيث تجاوز عائد السندات اليابانية لأجل عامين مستوى 1% لأول مرة منذ عام 2008، مسبباً ارتدادات في أسواق السندات العالمية. كانت الأسواق تخشى أن يكون بنك اليابان على وشك إنهاء سياسة التحكم في منحنى العائد بشكل مفاجئ، مما يسبب سحب السيولة من الأسواق العالمية.
وبحسب شوكي أوموري، كبير استراتيجيي التداول في “ميزوهو” بطوكيو، فإن “نتيجة مزاد السندات وفرت قدرًا من الطمأنينة للسوق”. هذا الطلب القوي في المزاد يشير إلى أن المستثمرين لم يفقدوا الثقة في السندات اليابانية وأن الصدمة الأولية لتصريحات أويدا قد تم استيعابها، مما دعم انتعاش الدولار الأمريكي مقابل الين بتخفيف الضغط على عوائد السندات الأمريكية أيضاً.
ضغوط خفض الفائدة الأمريكية على مؤشر الدولار
على الرغم من ارتفاع الدولار الأمريكي مقابل الين، إلا أن الأداء العام لمؤشر الدولار الأمريكي ظل مستقرًا عند مستوى 99.49 بعد أن لامس أدنى مستوياته في أكثر من أسبوعين يوم الاثنين. ويأتي هذا الاستقرار في ظل بيانات تصنيع أمريكية أضعف من المتوقع، والتي أشارت إلى انكماش في النشاط الصناعي. هذه البيانات تضيف مزيدًا من الضغط على مجلس الاحتياطي الفيدرالي (Fed) لخفض أسعار الفائدة هذا الشهر، استجابة لتباطؤ محتمل في النمو.
وتُسعّر عقود الفائدة الفيدرالية احتمالية تبلغ 87% لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقرر عقده في 10 ديسمبر، ارتفاعًا كبيرًا من 63% قبل شهر واحد، وفقًا لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة CME. وتعكس هذه التوقعات السائدة في السوق أن ضعف البيانات الاقتصادية قد حسم قرار الاحتياطي الفيدرالي تقريباً. هذا التوقع المرتفع لخفض الفائدة يعمل كعامل ضغط سلبي على الدولار الأمريكي، حيث من شأنه أن يقلص ميزة العائد التي يتمتع بها مقابل العملات الأخرى، مما يفسر سبب بقاء مؤشر الدولار عند مستويات مستقرة/ضعيفة رغم المكاسب المحققة مقابل الين.
وفي سياق العملات الأخرى، تراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.1% إلى 1.3196 دولار، على الرغم من وصوله إلى أعلى مستوياته في شهر يوم الاثنين. ويأتي هذا التراجع بعد قرار بنك إنجلترا بتخفيض كمية رأس المال التقديرية التي تحتاجها البنوك للاحتفاظ بها. ويهدف هذا القرار إلى تحرير سيولة إضافية للبنوك لتعزيز الإقراض وتحفيز الاقتصاد، وهو أول تخفيض لمتطلبات رأس المال المصرفي منذ الأزمة المالية العالمية. عادة ما يُنظر إلى إجراءات التخفيف التنظيمي التي تهدف إلى تحفيز الائتمان على أنها ذات تأثير سلبي طفيف على قيمة العملة على المدى القصير.
ختاما يظل الدولار الأمريكي محور الاهتمام وسط تضارب التأثيرات؛ فبينما يستمد قوته من الارتياح المؤقت في سوق السندات اليابانية، يبقى تحت ضغط مستمر بسبب التوقعات المتزايدة لخفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي كرد فعل لضعف البيانات المحلية. إن مراقبة قرارات البنوك المركزية الكبرى، لا سيما المركزي الأمريكي، ستحدد الاتجاه القادم للعملة الخضراء في الأسابيع المقبلة، مع ترقب الأسواق لتقرير الوظائف الأمريكي القادم الذي قد يؤكد أو يدحض هذه التوقعات المتفائلة بخصوص خفض الفائدة.
اقرأ أيضا…



