الين يرتفع بحدة مقابل الدولار الأمريكي وسط تلميحات برفع الفائدة من بنك اليابان

شهد الين الياباني أكبر ارتفاع يومي له منذ ما يقرب من شهرين بعد أن أشار محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، بوضوح إلى احتمال رفع سعر الفائدة في اجتماع ديسمبر. يأتي هذا في الوقت الذي يعاني فيه الدولار الأمريكي من الضغوط، حيث عزز المستثمرون رهاناتهم على خفض وشيك لسعر الفائدة من جانب الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر. هذا التباين في السياسات النقدية يخلق حالة من التقلب المحوري في سوق الصرف الأجنبي، ويزيد من جاذبية الين كبديل استثماري مع تزايد احتمالية انتهاء عصر أسعار الفائدة السلبية في اليابان.
تلميحات بنك اليابان: رفع الفائدة على الأبواب؟ ونهاية السياسة التيسيرية
يواجه الدولار الأمريكي ضغوطاً متزايدة في سوق العملات بعدما أعلن محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، يوم الاثنين، أن البنك “سيدرس الإيجابيات والسلبيات” لرفع أسعار الفائدة في اجتماعه المقبل للسياسة النقدية في ديسمبر. وتعتبر هذه أقوى إشارة حتى الآن إلى أن رفعاً للفائدة قد يتحقق بالفعل هذا الشهر، ما يمثل تحولاً تاريخياً محتملاً في سياسة البنك المركزية اليابانية التي استمرت عقوداً من التيسير الكمي والتحكم في منحنى العائد.
تأتي هذه الخطوة المحتملة لإنهاء ثماني سنوات من أسعار الفائدة السلبية (التي تبلغ -0.1%) في اليابان، والتي كانت سبباً رئيسياً في انخفاض قيمة الين أمام العملات الرئيسية، خاصة الدولار الأمريكي، خلال الفترة الماضية. وقد أدت تصريحات أويدا إلى ارتفاع العملة اليابانية، ما دفع زوج الدولار مقابل الين للانخفاض بنسبة وصلت إلى 0.76% في يوم واحد ليبلغ مستوى 155 يناً، متجهاً نحو أكبر انخفاض يومي له منذ أكتوبر الماضي.
ويرى كريستوفر وونغ، استراتيجي العملات في OCBC، أن هذه التطورات هي بمثابة “تحضير للمباراة قبل رفع محتمل لسعر الفائدة، ما يجعل رفع الفائدة في اجتماع ديسمبر أو يناير أمراً مرجحاً للغاية”. ومع ذلك، أشار إلى أن تعافي الين يتطلب “أن يتبع بنك اليابان ذلك بتوجيهات أقوى” حول مسار التشديد النقدي المستقبلي، إذ يخشى المستثمرون من أن يكون رفع الفائدة لمرة واحدة فقط متبوعاً بفترة انتظار طويلة أخرى، ما يقلل من زخم مكاسب الين.
كما أضاف لي هاردمان، استراتيجي العملات في MUFG، أن هذه التعليقات “تبعث أقوى إشارة حتى الآن على أن بنك اليابان يستعد لاستئناف رفع أسعار الفائدة هذا الشهر تماشياً مع توقعاتنا”. وتأتي هذه الخطوة في ظل تصريحات من وزير المالية ساتسوكي كاتاياما بأن التقلبات الأخيرة في سوق الصرف وضعف الين السريع “ليس مدفوعاً بأساسيات واضحة”، ما يزيد من الضغط السياسي على البنك المركزي للتحرك. على صعيد آخر، ارتفع الين مقابل مجموعة من العملات الأخرى، ما أدى إلى انخفاض اليورو بنسبة 0.4%، وانخفاض الجنيه الإسترليني والدولار الأسترالي بنسبة 0.7% لكل منهما.
ضعف الدولار الأمريكي وتوقعات خفض الفائدة الفيدرالية
في السوق الأوسع، تراجع الدولار الأمريكي مع استعداد المستثمرين لشهر محوري قد يشهد الخفض الأخير لسعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي لهذا العام وتأكيد خلفية “متساهلة” محتملة لرئيس البنك الحالي، جيروم باول. وتأتي توقعات خفض الفائدة مدفوعة باستمرار تراجع معدلات التضخم في الولايات المتحدة، إضافة إلى ظهور إشارات تباطؤ في بيانات سوق العمل التي بدأت تبرد عن مستوياتها القياسية. وقد أدت هذه المؤشرات إلى تغذية التفاؤل لدى المستثمرين بأن الفيدرالي قد ينهي دورة التشديد النقدي قبل نهاية العام.
وارتفع اليورو إلى أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع عند 1.1635 دولار، بينما قلص الجنيه الإسترليني خسائره ليسجل ارتفاعاً بنسبة 0.1% عند 1.325 دولار، مسجلاً أفضل أسبوع له منذ أكثر من ثلاثة أشهر في رد فعل إيجابي بعد الكشف عن ميزانية وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز.
ووفقاً لأداة CME FedWatch، يسعّر المتداولون الآن فرصة بنسبة 88% لأن يقوم الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه المقبل الأسبوع المقبل. وقد سجل الدولار الأمريكي أسوأ أداء أسبوعي له مقابل سلة من العملات الرئيسية في أربعة أشهر الأسبوع الماضي، متأثراً أيضاً بتقرير يشير إلى أن المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض، كيفن هاسيت، قد يكون خليفة محتملاً لرئيس الفيدرالي، ما يرسخ التوقعات بمسار أكثر “تساهلاً” (Dovish) للسياسة النقدية.
ما بعد ديسمبر: مفهوم “الخفض المتشدد” ومسار السياسة النقدية الأمريكية
ما هو أقل وضوحاً هو مسار السياسة النقدية بعد ديسمبر. تُظهر أسواق المال حالياً فرصة ضئيلة للغاية لخفض آخر قبل الربيع، ويعتقد بعض المحللين أن اجتماع ديسمبر قد ينتج عنه “خفض متشدد” (Hawkish Cut). هذا المصطلح يعني خفض سعر الفائدة يكون مصحوباً بإشارات واضحة من صانعي السياسة بأنهم سيتوخون الحذر في أي خطوات تخفيفية لاحقة، ما يعني أن تراجعاً آخر في تكاليف الاقتراض قد لا يحدث في المدى القريب. بمعنى آخر، يكون الخفض بمثابة “تأمين” ضد التباطؤ الاقتصادي دون التخلي عن إمكانية رفع الفائدة مرة أخرى إذا عاد التضخم للارتفاع.
ويرى اقتصاديون من بنك جولدمان ساكس أن “مع اقتراب تسعير خفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) في ديسمبر من الاكتمال، نعتقد أن السوق سيركز بشكل متزايد على تسعير الاجتماعات اللاحقة”. وأشاروا إلى أن “الانقسام داخل اللجنة” يحد من تسعير المزيد من التوجهات المتساهلة، حيث لا يزال بعض الأعضاء يرون مخاطر ارتفاع التضخم قائمة، ما يدفعهم إلى تفضيل إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. لكنهم أضافوا أنه مع توفر كمية كبيرة من بيانات سوق العمل قبل اجتماع يناير، فهم يعتقدون أنه تم تسعير القليل جداً لخفض محتمل في الربع الأول. هذا الانقسام يترك المستثمرين في حالة ترقب شديد لأي كلمة أو إشارة تخرج من الفيدرالي لتحديد الاتجاه المستقبلي لـ الدولار الأمريكي.
في سياق آخر، عادت التعاملات في سوق الصرف الأجنبي إلى طبيعتها يوم الاثنين بعد انقطاع استمر لساعات في أكبر مشغل للبورصات في العالم، مجموعة CME Group، الأسبوع الماضي، ما أدى إلى اضطراب المعاملات عبر الأسهم والسندات والسلع والعملات.
اقرأ أيضا…



