أسعار الذهب تسجل مكاسب شهرية رابعة متتالية وسط تزايد الرهانات على الفيدرالي

سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً قوياً يوم الجمعة، لتستعد بذلك لتحقيق مكاسب شهرية متتالية للمرة الرابعة، مدعومة بتفاؤل المستثمرين المتزايد حيال قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) بخفض أسعار الفائدة في ديسمبر المقبل. وقد عززت هذه التوقعات من جاذبية المعدن الأصفر كأصل لا يدر عائداً في بيئة مرجحة لأسعار فائدة أدنى.
يشير تحليل السوق إلى أن المتداولين يضعون احتمالاً بنسبة 85% لخفض سعر الفائدة في ديسمبر، وهي قفزة كبيرة مقارنة بنسبة 50% المسجلة قبل أسبوع واحد فقط. وجاء هذا التحول الجذري في التوقعات بعد تصريحات من مسؤولين بارزين في الاحتياطي الفيدرالي، بما في ذلك رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو ماري دالي، وحاكم الفيدرالي كريستوفر والر، والتي أيدت جميعها اتجاهاً نحو التيسير النقدي. علاوة على ذلك، دعمت تصريحات كيفن هاسيت، الذي برز كمرشح محتمل ليحل محل جيروم باول كرئيس للاحتياطي الفيدرالي، فكرة أن أسعار الفائدة يجب أن تكون أقل.
يُعد الذهب تقليدياً ملاذاً آمناً يتألق في فترات انخفاض أسعار الفائدة، حيث تقل جاذبية السندات والأدوات المالية الأخرى ذات العائد الثابت، مما يدفع رؤوس الأموال نحو المعدن النفيس. تكمن الآلية الاقتصادية هنا في انخفاض “تكلفة الفرصة البديلة” لحيازة الذهب؛ فعندما تنخفض العوائد على السندات الحكومية الآمنة، يصبح الاحتفاظ بملكية ذهب لا تدر عائداً أقل تكلفة نسبياً، ما يشجع المستثمرين على تخصيص المزيد من أموالهم للمعدن الأصفر كأداة لحفظ القيمة والتحوط من المخاطر الاقتصادية والجيوسياسية المحتملة. هذا التحول في خطاب الفيدرالي من التشدد إلى التلميح بالتيسير هو المحرك الأكبر للزخم الصعودي الحالي.
الدولار الضعيف واضطرابات السيولة تدعم أسعار الذهب
لم تكن توقعات الفائدة هي المحفز الوحيد لارتفاع أسعار الذهب. فقد شهد الدولار الأمريكي هذا الأسبوع أسوأ أداء له منذ أواخر يوليو، مما جعل الذهب المُسعّر بالعملة الخضراء أرخص وأكثر جاذبية للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى. وقد صعد سعر الذهب الفوري بنسبة 0.7% ليصل إلى 4,185.34 دولار للأونصة، وهو أعلى مستوى له منذ 14 نوفمبر، وبذلك يكون المعدن الأصفر قد سجل ارتفاعاً أسبوعياً بنسبة 3%، ومن المقرر أن يختتم الشهر بارتفاع قدره 3.9%.
هناك علاقة عكسية قوية ومستمرة بين مؤشر الدولار (DXY) و أسعار الذهب، حيث أن تراجع الدولار يترجم مباشرة إلى زيادة في القوة الشرائية للمستثمرين الذين يحملون عملات أخرى، مما يزيد الطلب العالمي على الذهب. هذا التفاعل يضيف طبقة دعم إضافية للمكاسب التي يحققها الذهب بناءً على العوامل المتعلقة بالفائدة.
وقد صعد سعر الذهب الفوري ليسجل ارتفاعاً ملموساً بلغ 0.7%، ليصل إلى مستوى 4,185.34 دولار للأونصة، وهو أعلى سعر يتم تسجيله منذ 14 نوفمبر. وبإضافة هذه المكاسب، يكون المعدن الأصفر قد سجل ارتفاعاً أسبوعياً بنسبة 3%، ويستعد لإغلاق شهري بمكاسب تصل إلى 3.9%، مؤكداً بذلك زخمه الصعودي المستمر. وفي سياق منفصل، كانت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لشهر ديسمبر قد وصلت إلى 4,221.30 دولار للأونصة قبل توقف التداول بسبب انقطاع خدمات CME.
وفي سياق متصل، أدى انقطاع في خدمات مجموعة CME Group، التي تدير منصة لتداول العقود الآجلة للعملات والسلع والسندات والخزانات، إلى توقف التداول على عقود الذهب الآجلة. وقد أثر هذا الانقطاع على السيولة، ما أدى إلى اتساع كبير في فروق الأسعار في أسواق التداول خارج البورصة (OTC).
وقد علّق كبير محللي السوق في KCM Trade، تيم ووترر، بأن ظروف التداول تبدو “ضعيفة السيولة قليلاً، مما يزيد من حدة بعض تحركات السوق”، مشيراً إلى أن الارتفاع في أسعار الذهب يعود جزئياً إلى “إعادة التمركز تحسباً لبيئة أسعار فائدة أقل”. وقد نتج عن اختفاء سيولة العقود الآجلة، التي تعد مرجعاً أساسياً للسعر، تشتت في أوامر البيع والشراء في الأسواق الفورية (Spot Market)، ما أدى إلى اتساع ما يُعرف بـ “فروق أسعار OTC”. هذا النقص المفاجئ في السيولة كان له تأثير مضاعف، حيث أجبر المتداولين على إجراء صفقات بأحجام أقل وبفروق أسعار أوسع، مما زاد من التقلبات اللحظية ودفع السعر صعوداً بشكل حاد نسبياً في ظل غياب أوامر بيع قوية مضادة.
المعادن الثمينة الأخرى تحذو حذو الذهب
لم يكن الذهب هو المستفيد الوحيد من تفاؤل السوق، فقد سجلت المعادن الثمينة الأخرى مكاسب قوية. ارتفع سعر الفضة الفورية بنسبة 1% ليصل إلى 53.98 دولار للأونصة، في حين ارتفع البلاتين بنسبة 2.3% ليصل إلى 1,645.60 دولار. على الصعيد الأسبوعي، سجلت الفضة ارتفاعاً بنسبة 7.9%، بينما قفز البلاتين بنسبة 8.9%، مسجلاً بذلك أداءً أسبوعياً ممتازاً. وفي المقابل، تراجع البلاديوم بنسبة 0.4% إلى 1,433.20 دولار، لكنه لا يزال يتجه نحو تحقيق مكاسب أسبوعية بنسبة 4.3%.
يُظهر هذا الأداء الجماعي للمعادن الثمينة أن الدافع وراء هذه التحركات ليس نقدياً بحتاً (مثل الذهب)، بل يشمل أيضاً توقعات بتحسن الأوضاع الاقتصادية العالمية التي تتبع خفض الفائدة. فالفضة والبلاتين، على وجه الخصوص، تُعدّان من “المعادن المزدوجة” التي تعمل كمخزن للقيمة وكأصول صناعية مهمة في قطاعات مثل الإلكترونيات والطاقة المتجددة (للفضة) وصناعة السيارات والمحفزات الكيميائية (للبلاتين). بالتالي، فإن الرهانات على نمو اقتصادي عالمي أقوى مصحوبة ببيئة تيسير نقدي تعزز بشكل خاص أسعار هذه المعادن.
التوقعات المستقبلية لأسعار الذهب.. عين على بيانات التضخم
بينما تتجه أسعار الذهب نحو ختام عام استثنائي، فإن المحفز الرئيسي لاتجاهها المستقبلي سيظل مرتبطاً بقرارات الاحتياطي الفيدرالي وبيانات التضخم والوظائف الأمريكية. إذا استمرت المؤشرات في دعم خفض وشيك لسعر الفائدة، فمن المرجح أن يحافظ المعدن الأصفر على زخمه الصعودي، مما يجعله عنصراً لا غنى عنه في محافظ المستثمرين الباحثين عن التحوط من التقلبات الاقتصادية.
يُراقب السوق الآن عن كثب أي بيانات اقتصادية قد تهدد فرضية خفض الفائدة بنسبة 85%. على وجه التحديد، فإن تقارير الوظائف (مثل بيانات التوظيف غير الزراعي) وبيانات التضخم الأساسية (Core CPI/PCE) ستكون حاسمة. أي مفاجأة صعودية في التضخم أو ظهور سوق عمل “ساخن” بشكل غير متوقع قد يدفع الفيدرالي إلى التراجع عن التلميحات بالتيسير، مما قد يتسبب في تصحيح فوري لـ أسعار الذهب. في المقابل، فإن البيانات الضعيفة ستزيد من إجماع السوق على خفض الفائدة، مما يمهد الطريق لمزيد من المكاسب القياسية للذهب.



