قفزة قياسية في سلع رأس المال الأمريكية

تشير أحدث البيانات الاقتصادية الأمريكية إلى أن المحرك التجاري للاقتصاد لا يزال قوياً ويتمتع بمرونة ملحوظة، حيث سجلت الطلبات الجديدة للسلع الرأسمالية الأمريكية المصنعة قفزة مفاجئة في شهر سبتمبر. ترافق هذا الارتفاع مع زيادة قوية في شحنات هذه السلع، وهو ما يعتبر مؤشراً حيوياً على ثقة الشركات وقراراتها الاستثمارية طويلة الأمد. وقد عززت هذه الأرقام بشكل كبير توقعات الاقتصاديين بتسارع النمو الاقتصادي في الربع الثالث من العام، ما يضع الاقتصاد على مسار أداء يتجاوز التوقعات الأولية.
النمو غير المتوقع في أوامر سلع رأس المال الأساسية
يُعد مؤشر الطلبات الجديدة للسلع الرأسمالية غير الدفاعية باستثناء الطائرات مؤشراً رئيسياً يتم مراقبته عن كثب لقياس الإنفاق التجاري على المعدات، وهو يعكس توجه الشركات نحو التوسع وتحديث البنية التحتية الإنتاجية. ووفقاً لبيانات مكتب الإحصاء التابع لوزارة التجارة، قفزت هذه الطلبات بنسبة 0.9% في سبتمبر، متابعة لزيادة مماثلة ومعدلة بالزيادة بنسبة 0.9% في أغسطس. يشير هذا الأداء المتتالي والقوي إلى أساس متين للإنفاق الاستثماري.
وقد فاقت هذه الزيادة بكثير توقعات الاقتصاديين، الذين استطلعت وكالة “رويترز” آراءهم، والذين كانوا يتوقعون ارتفاعاً أكثر تواضعاً لا يتجاوز 0.2% فقط. ويُشار إلى أن صدور هذا التقرير قد تأخر بسبب الإغلاق الحكومي الأخير الذي دام 43 يوماً، لكنه في النهاية قدم دليلاً قوياً وغير قابل للجدل على متانة الإنفاق الرأسمالي واستمرار ثقة قطاع الأعمال في الآفاق المستقبلية للاقتصاد الأمريكي.
الشحنات والاستثمار: تفاعلات متضاربة بين الرسوم الجمركية والذكاء الاصطناعي
الأهم من الطلبات هو قدرة الشركات على شحن واستلام المعدات فعلياً؛ لذلك، كان للارتفاع في شحنات سلع رأس المال الأساسية، بنسبة قوية بلغت 0.9% بعد انخفاض طفيف بنسبة 0.1% في أغسطس، دلالة إيجابية. ويعكس هذا الارتفاع نجاح الشركات في تحويل خطط الطلب إلى إنتاج وشحن فعلي، ما يصب مباشرةً في دعم مكون الاستثمار في الناتج المحلي الإجمالي.
وعلى الرغم من التقلبات الحادة التي شهدتها أوامر سلع رأس المال الأساسية هذا العام – والتي تعود جزئياً إلى الاستجابة لرسوم الاستيراد الشاملة التي فرضتها الإدارة الأمريكية على مجموعة واسعة من السلع – فإن وتيرة الاستثمار في المعدات ظلت قوية.
- تأثير الرسوم الجمركية: أظهرت المسوح الصناعية أن هذه الرسوم الجمركية أدت إلى زيادة تكاليف المدخلات وعدم اليقين في سلاسل الإمداد، ما أضعف بعض أجزاء قطاع التصنيع (الذي يمثل حوالي 10.2% من الاقتصاد).
- دعم الذكاء الاصطناعي (AI): في المقابل، يمثل الاستثمار الكبير والارتفاع السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي قوة دافعة معارضة. هذا الارتفاع يُترجم إلى زيادة في الطلب على معدات حوسبة متخصصة، وأجهزة تحليل بيانات متقدمة، ومعدات أتمتة، مما ساهم في تعزيز نمو بعض القطاعات الفرعية داخل التصنيع، ليعوض جزئياً التباطؤ الناجم عن التوترات التجارية.
توقعات الناتج المحلي الإجمالي ودور السلع المعمرة في المشهد الاقتصادي
تشير هذه البيانات الاقتصادية الأمريكية الإيجابية إلى أن الإنفاق الرأسمالي والاستثمار في المعدات كان صلباً للغاية في الربع الثالث. وفي هذا السياق، ارتفعت توقعات النمو بشكل لافت، حيث يتوقع الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا (Atlanta Fed) أن يكون الناتج المحلي الإجمالي قد نما بمعدل سنوي مثير للإعجاب قدره 4.0% في الربع الممتد من يوليو إلى سبتمبر. وتُعزى هذه التوقعات المرتفعة إلى الأداء القوي في مكونات الاستثمار، بالإضافة إلى استمرار قوة الإنفاق الاستهلاكي وتراكم المخزونات.
للمقارنة، نما الاقتصاد بوتيرة 3.8% في الربع الثاني. ومع أن الحكومة ستصدر تقرير الناتج المحلي الإجمالي المتأخر للربع الثالث في 23 ديسمبر، فإن البيانات الحالية تضع الأساس لتأكيد هذه التوقعات المتفائلة وتشير إلى ديناميكية استثنائية في الاقتصاد.
بالنظر إلى بيانات السلع المعمرة الأوسع، ارتفعت الطلبات الإجمالية للسلع التي يُتوقع أن تدوم ثلاث سنوات أو أكثر بنسبة 0.5% في سبتمبر، بعد تقدمها بنسبة 3.0% في أغسطس. ورغم تراجع طلبات الطائرات غير الدفاعية وقطع الغيار بنسبة 6.1% في التقرير الحكومي، إلا أن تقارير شركة بوينغ (Boeing) تشير إلى أنها تلقت 96 طلب طائرة في سبتمبر، مقارنة بـ 26 في أغسطس، ما يشير إلى أن التباين في الأرقام الإجمالية قد يعكس تقلبات شهرية أو تأثير التوقيت في التسجيل الحكومي وليس ضعفاً هيكلياً في الطلب على الطائرات.
خلاصة التحليل: استثمار الشركات يرسم مسار النمو
تؤكد أحدث البيانات الاقتصادية الأمريكية الصادرة لشهر سبتمبر أن الشركات الأمريكية تتمتع بالثقة الكافية لزيادة الاستثمار في المعدات الجديدة. هذا الإنفاق الرأسمالي يشكل أساساً متيناً لتسارع النمو الاقتصادي في الربع الثالث. وبينما تثير تحديات مثل الرسوم الجمركية بعض الرياح المعاكسة في قطاع التصنيع التقليدي، فإن الزخم الهائل الناجم عن موجة الاستثمار التكنولوجي، ولا سيما في الذكاء الاصطناعي، يساهم في دفع عجلة النمو نحو الأمام، ليضع الربع الثالث على مسار النمو الأقوى لهذا العام، ويشير إلى مرونة الاقتصاد الأمريكي في مواجهة التحديات الخارجية.
اقرأ أيضا…



