أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

توقعات نمو الاقتصاد الأمريكي والتضخم العنيد في 2026

الاقتصاد الأمريكي يستعد لنمو أسرع قليلاً وتضخم “عنيد” في عام 2026، وفقًا لنتائج استطلاع حديث أجرته الرابطة الوطنية لاقتصادات الأعمال (NABE) بين 42 من كبار المتنبئين الاقتصاديين. يشير الاستطلاع، الذي تم إجراؤه في الفترة من 3 إلى 11 نوفمبر، إلى نظرة متوازنة تجمع بين التفاؤل الحذر بشأن النمو والمخاوف الجادة بشأن استمرار الضغوط التضخمية وتأثير السياسات التجارية. وتمثل توقعاتNABEDI نقطة مرجعية هامة، حيث تعكس إجماع الخبراء على المسارات المحتملة للاقتصاد الكلي، وتحدد نقاط الضعف والقوة التي ستواجهه في العام المقبل.

تسارع طفيف في وتيرة النمو الاقتصادي الأمريكي

أظهرت التوقعات المتوسطة للمشاركين في الاستطلاع ارتفاعاً في توقعات النمو للعام المقبل، حيث صعدت من 1.8% في استطلاع أكتوبر السابق إلى 2.0%. ويأتي هذا الارتفاع ليؤكد نظرة أكثر إيجابية مقارنة بالتوقعات الضعيفة البالغة 1.3% التي سُجلت في يونيو الماضي، مما يشير إلى أن الأسس الهيكلية للاقتصاد لا تزال صلبة وقادرة على الصمود.

ويُعزى هذا التسارع الطفيف إلى عاملين رئيسيين، هما زيادة الإنفاق الشخصي وارتفاع الاستثمار التجاري. فمن المتوقع أن يظل المستهلك الأمريكي قوة دافعة رئيسية، مدعوماً ببعض الوفورات المتراكمة وحاجة الشركات إلى تحديث منشآتها ورؤوس أموالها العاملة. ومع ذلك، هناك إجماع شبه كامل بين أعضاء اللجنة على أن الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الإدارة الحالية ستشكل عائقاً كبيراً أمام النمو، حيث من المتوقع أن تؤدي إلى خفض إجمالي الناتج المحلي بما لا يقل عن ربع نقطة مئوية. هذه الرسوم لا ترفع تكاليف المدخلات للمصنعين فحسب، بل تزيد أيضاً من حالة عدم اليقين في التخطيط للمشاريع طويلة الأجل وتكبح التبادل التجاري.

يُعد “تأثير التعريفات الجمركية” أكبر المخاطر السلبية على آفاق الاقتصاد الأمريكي، آخذًا في الاعتبار احتمال حدوثه وتأثيره المحتمل. على الجانب المقابل، اعتُبرت الزيادة في الإنتاجية هي العامل الأكثر ترجيحاً لدفع النمو إلى مستويات تتجاوز التوقعات، خاصة مع توجه الشركات نحو أتمتة العمليات والاستثمار في التكنولوجيا لمواجهة ضغوط الأجور وندرة العمالة.

التضخم: توقعات “عنيدة” تتجاوز المستهدف

على الرغم من التوقعات بنمو أسرع، يظل التضخم هو الشغل الشاغل لصناع السياسات والمحللين. من المتوقع أن ينهي التضخم العام الحالي عند 2.9% (وهو أقل بقليل من 3.0% المتوقعة في أكتوبر)، لكنه لن ينخفض إلا قليلاً ليصل إلى 2.6% في عام 2026. يشير هذا التباطؤ المحدود إلى أن الضغوط التضخمية ليست مجرد ظاهرة مؤقتة، بل أصبحت متأصلة في أجزاء من الهيكل الاقتصادي.

ويُعزى جزء كبير من هذا التضخم “العنيد” إلى الرسوم الجمركية، والتي يُنظر إليها على أنها مسؤولة عن ما يتراوح بين ربع نقطة مئوية إلى ما يقرب من ثلاثة أرباع النقطة المئوية من إجمالي التضخم المتوقع. وتساهم التعريفات في التضخم بطريقتين رئيسيتين: أولاً، عن طريق رفع التكاليف المباشرة للسلع المستوردة، وثانياً، عن طريق تقليل المنافسة الدولية، مما يسمح للمنتجين المحليين برفع أسعارهم. كما أن التشديد في تطبيق قوانين الهجرة كان له دور في الضغط على سلاسل الإمداد وسوق العمل، مما يساهم في ارتفاع تكاليف العمالة والخدمات. وتظهر هذه الأرقام أن الاقتصاد الأمريكي سيظل يعمل فوق مستوى التضخم المستهدف للبنك المركزي (2%) لفترة طويلة، مدفوعاً بضغوط التكلفة في قطاع الخدمات وتكاليف الإسكان.

تباطؤ سوق العمل وتأثيره على الاستهلاك

من المتوقع أن يظل نمو الوظائف متواضعاً وفقاً للمعايير التاريخية، حيث يُتوقع إضافة حوالي 64 ألف وظيفة شهرياً. ورغم أن هذا المعدل أسرع مما هو متوقع في نهاية العام الحالي، فإنه يبقى أقل بكثير من المستويات الطبيعية التي شهدها سوق العمل في السنوات الأخيرة. هذا التباطؤ هو نتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الفائدة وتخفيف الطلب الإجمالي.

نتيجة لذلك، يُتوقع أن يرتفع معدل البطالة إلى 4.5% في أوائل عام 2026، وأن يظل عند هذا المستوى طوال العام. يشير هذا الارتفاع المتوقع في معدل البطالة إلى مرحلة من “التبريد المتعمد” أو ما يسمى بـ “الهبوط الناعم” (Soft Landing)، وهو ما يهدف إليه الاحتياطي الفيدرالي للسيطرة على نمو الأجور، ولكنه قد يؤثر أيضاً على قوة الإنفاق الشخصي الذي يُعتبر أحد محركات النمو الرئيسية، مما يخلق توازناً دقيقاً بين الحاجة إلى تهدئة التضخم والحفاظ على الاستقرار.

سياسة الاحتياطي الفيدرالي في ظل الضغوط التضخمية

في ضوء التضخم العنيد والارتفاع الطفيف في معدل البطالة، يتوقع الاقتصاديون أن يعتمد الاحتياطي الفيدرالي وتيرة بطيئة في تخفيض أسعار الفائدة. من المتوقع أن يوافق الفيدرالي على خفض بمقدار ربع نقطة مئوية في ديسمبر المقبل، يليه خفض إضافي بمقدار نصف نقطة مئوية فقط على مدار العام التالي.

هذا المعدل البطيء سيقرب سعر الفائدة من ما يُعتبر “المعدل المحايد” للسياسة النقدية، وهو مستوى لا يحفز ولا يحد من النمو، ولكنه يحافظ على تكلفة الاقتراض مرتفعة نسبياً مقارنة بفترات التيسير النقدي. وتؤكد هذه التوقعات أن البنك المركزي سيعطي الأولوية لمكافحة التضخم والمخاطر الصعودية للأسعار، حتى لو كان ذلك على حساب السماح بسوق عمل أكثر ليونة وتباطؤ طفيف في وتيرة التعافي، مفضلاً “التأمين ضد التضخم” بدلاً من التسرع في التخفيف النقدي.

ختاما تُشير توقعات استطلاع NABE إلى أن الاقتصاد الأمريكي يتجه نحو نمو معتدل ومستدام في عام 2026، مدعوماً بقوة الاستهلاك والاستثمار، ومصحوباً بتحديات مستمرة في احتواء التضخم. إن استمرار التضخم العنيد، المتفاقم جزئياً بالسياسات التجارية، سيجبر الاحتياطي الفيدرالي على تبني مسار حذر ومتحفظ في تخفيف سياسته النقدية، مما يفرض تحديات على الشركات والمستهلكين على حدٍ سواء.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى