تراجع أسعار النفط: تحليل معمق لتأثير محادثات السلام في أوكرانيا وتوقعات الفيدرالي الأمريكي

شهدت أسعار النفط تراجعاً مستمراً يوم الإثنين، لتواصل بذلك مسار الهبوط الذي بدأته الأسبوع الماضي، حيث كانت قد انخفضت بنحو 3%. يعود هذا التراجع بشكل رئيسي إلى موازنة المستثمرين بين عاملين رئيسيين ذوي تأثير واسع: آمال التوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا، واحتمالية خفض وشيك لسعر الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
محادثات السلام في أوكرانيا: ضغط هبوطي على أسعار النفط العالمية
تمثل التطورات الجيوسياسية في شرق أوروبا عاملاً هبوطياً حاسماً على السوق. من المقرر أن تستأنف الولايات المتحدة وأوكرانيا العمل على خطة سلام معدلة قبل الموعد النهائي الذي حدده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الخميس. يأتي هذا التعديل بعد مراجعة نسخة سابقة رآها بعض النقاد مواتية بشكل مفرط لموسكو.
إن احتمال التوصل إلى اتفاق سلام يلقي بظلاله على الأسواق، حيث يمكن أن يؤدي ذلك إلى تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا، والتي تعد ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بعد الولايات المتحدة، وفقاً لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA).
وفي هذا السياق، علق خورخي مونتيبيك، المدير الإداري في مجموعة Onyx Capital، قائلاً: “السوق يركز بشكل كبير على الرؤية الكلية، وهي معاهدة السلام في أوكرانيا والاقتصاد الأمريكي”. وأضاف أن العقوبات الأمريكية الأخيرة على شركتي “روسنفت” (Rosneft) و”لوك أويل” (Lukoil)، والتي دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة، عادةً ما كانت تدفع الأسعار للارتفاع، لكن انشغال السوق باتفاق السلام يجعل المعنويات هبوطية بالنسبة للنفط.
تُعتبر هذه التطورات الجيوسياسية ذات أهمية قصوى في سوق الطاقة، حيث عادةً ما تحمل الصراعات الكبرى “علاوة مخاطر” (Risk Premium) تضاف إلى سعر البرميل بسبب عدم اليقين في الإمدادات. الآن، مع تزايد آمال التهدئة، تبدأ هذه العلاوة في التلاشي، وهو ما يفسر سبب تجاهل السوق حالياً للتأثير الفوري لعقوبات الجمعة على “روسنفت” و “لوك أويل”. هذه العقوبات، التي تستهدف بشكل مباشر قدرة روسيا على تصدير النفط الخام والمنتجات المكررة، كانت لتحدث ارتفاعاً كبيراً في ظل الظروف العادية، لكن التفاؤل باتفاق السلام المرتقب يخلق بيئة يفضل فيها المستثمرون البيع تحسباً لزيادة الإمدادات الروسية المعروضة عالمياً. إن الإلغاء المحتمل للعقوبات يعني عودة تدفقات هائلة من النفط إلى الأسواق دون قيود، مما سيزيد من الضغط على منظمة “أوبك+” لإدارة الإنتاج.
وقد استمرت العقود الآجلة لخام برنت في الانخفاض بنحو 0.9% لتصل إلى 61.98 دولار للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بنسبة 1% ليصل إلى 57.46 دولار للبرميل. ورغم أن ترامب حدد يوم الخميس كموعد نهائي للصفقة، أشار وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إلى أن هذا الموعد قد لا يكون ثابتاً تماماً، ما يضيف مزيداً من التعقيد إلى توقعات السوق.
توقعات خفض سعر الفائدة الفيدرالي: موازنة للمخاطر الاقتصادية
بالتوازي مع التطورات الجيوسياسية، تشكل التكهنات حول السياسة النقدية الأمريكية عاملاً آخر يؤثر على شهية المستثمرين. فعدم اليقين بشأن خفض أسعار الفائدة الأمريكية يشكل قوة ضاغطة، في حين تزداد احتمالية خفض الفائدة الشهر المقبل بعد أن أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، إلى إمكانية إجراء خفض في المدى القريب.
ويُعد العامل النقدي ذا أهمية خاصة، فقرارات الاحتياطي الفيدرالي حول أسعار الفائدة لا تؤثر فقط على تكلفة الاقتراض في الولايات المتحدة، بل تتردد أصداؤها في جميع أنحاء الاقتصاد العالمي. عندما يتوقع المستثمرون خفض أسعار الفائدة، فإن الدولار الأمريكي يميل إلى الضعف، وهو ما يجعل السلع المسعَّرة بالدولار، مثل النفط، أرخص نسبياً لحاملي العملات الأخرى، وبالتالي يحفز الطلب. علاوة على ذلك، يُنظر إلى خفض الفائدة على أنه دفعة للاقتصاد العالمي، مما يعزز التوقعات بزيادة النشاط الصناعي وحركة النقل، وهما المحركان الرئيسيان للطلب العالمي على النفط. هذا التحسن المتوقع في شهية المخاطرة يدعم الأسواق ويقلل من القلق بشأن تباطؤ النمو الذي قد يخنق استهلاك الطاقة.
توفر هذه التوقعات بعض التوازن للمعنويات الهبوطية. وقالت سوغاندا ساكديفا، مؤسسة شركة SS WealthStreet للبحوث في نيودلهي: “إن توقعات خفض محتمل لسعر الفائدة الفيدرالي في ديسمبر قد يوفر ثقلاً موازناً للمعنويات الهبوطية من خلال تحسين شهية المخاطرة العالمية”.
وأضافت ساكديفا أن أسعار النفط انخفضت بالفعل بنحو 17% هذا العام، ما يعكس “المعنويات السلبية المستمرة”. ومع ذلك، أشارت إلى أن “عمليات الشراء القائمة على القيمة من المتوقع أن تظهر تدريجياً” عند هذه المستويات الأدنى. ويُشير هذا إلى أن الأسواق قد تبدأ في رؤية الفرص الاستثمارية مع استمرار تراجع الأسعار.
الخلاصة والتوقعات المستقبلية
تظل أسواق النفط تحت تأثير شد وجذب بين عوامل جيوسياسية كلية وعوامل اقتصادية كلية. في الوقت الذي تضغط فيه آمال السلام وتخفيف العقوبات على الأسعار نحو الهبوط، فإن توقعات التحفيز النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي قد تدعم الطلب العالمي وتحد من الخسائر. يجب على المستثمرين مراقبة تطورات خطة السلام الأوكرانية عن كثب، بالإضافة إلى أي إشارات واضحة قادمة من صانعي السياسة النقدية في واشنطن لتحديد الاتجاه المستقبلي لأسعار النفط الخام.
اقرأ أيضا…



