أخبار الأسواقأسهم أمريكيةأسهم

الأسهم الأمريكية تقفز: هل بدأ الاحتياطي الفيدرالي بالتراجع عن سياسته المتشددة؟

شهدت الأسهم الأمريكية ارتدادًا قويًا في ختام تداولات الأسبوع، مع إغلاق مؤشر داو جونز الصناعي مرتفعًا بنحو 500 نقطة، لتنهي بذلك سلسلة من التراجعات الحادة التي هيمنت على الجلسات السابقة. جاء هذا التحول الإيجابي مدفوعًا بتصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، التي أشارت إلى إمكانية تخفيض أسعار الفائدة مجددًا قبل نهاية العام الجاري 2025.

يمثل هذا الارتداد متنفسًا هامًا للمستثمرين الذين كانوا يخشون استمرار التضييق النقدي، حيث أعادت تصريحات ويليامز رسم التوقعات بشأن المسار المستقبلي للسياسة النقدية، لتتحول الأنظار إلى اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) القادم في ديسمبر.

أرقام الانتعاش: الداو يقود قاطرة الارتداد وسط تقلبات عنيفة

أنهى مؤشر الأسهم الأمريكية القيادي، داو جونز الصناعي، تداولات الجمعة على ارتفاع بمقدار 493.15 نقطة، أي ما يعادل 1.08%، ليغلق عند مستوى 46,245.41 نقطة. تبعته المؤشرات الأخرى بارتفاعات مماثلة، حيث ارتفع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.88% ليغلق عند 22,273.08 نقطة، بينما صعد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 0.98% ليغلق عند 6,602.99 نقطة.

جاءت هذه المكاسب بعد جلسة الخميس التي شهدت تراجعًا حادًا على الرغم من الارتفاع الأولي القوي الذي تجاوز 700 نقطة لمؤشر الداو، والذي كان مدعومًا بتقرير أرباح شركة إنفيديا (Nvidia) الضخم. تلك التقلبات السريعة تعكس حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، وتؤكد حساسية المستثمرين لأي إشارات قادمة من صانعي القرار النقدي.

إن هذه التأرجحات العنيفة، التي تشير إلى تضارب حاد بين المشاعر الصاعدة والهابطة، غالبًا ما تكون سمة من سمات الأسواق التي تبحث عن نقطة توازن جديدة. فبينما كان المستثمرون يحتفلون بنمو قطاع الذكاء الاصطناعي ممثلاً بـ إنفيديا، كانت المخاوف من استمرار تشديد السياسة النقدية تضغط عليهم بشدة لبيع المراكز والتحوط. هذا التناقض هو ما أدى إلى “تلاشي” (Fizzle) مكاسب إنفيديا، لتغلق الشركة نفسها متراجعة بأكثر من 3%، مما سحب المؤشرات الرئيسية نحو المنطقة الحمراء قبل إغلاق الجمعة المشرق.

محفز الارتداد: إشارات “ويليامز” حول أسعار الفائدة ونطاق “الحياد”

كانت النقطة المحورية لارتفاع الأسهم الأمريكية هي تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، جون ويليامز، خلال كلمته في سانتياغو، تشيلي. حيث صرّح ويليامز: “أرى أن السياسة النقدية مقيدة إلى حد ما، وإن كانت أقل تشددًا مما كانت عليه قبل إجراءاتنا الأخيرة… لذلك، ما زلت أرى مجالًا لإجراء تعديل إضافي في المدى القريب على النطاق المستهدف لسعر الفائدة على الأموال الفيدرالية لتحريك موقف السياسة ليقترب من نطاق الحياد.”

يشير مصطلح “نطاق الحياد” (Range of Neutral) في لغة البنوك المركزية إلى المستوى النظري لأسعار الفائدة الذي لا يكون فيه التمويل مقيدًا (لا يحد من النمو) ولا تيسيريًا (لا يسرّع التضخم). ويُعد سعي الفيدرالي لتحريك سياسته “قرب الحياد” مؤشراً واضحاً على أن البنك يرى أن معركته ضد التضخم قد نجحت بالقدر الكافي، مما يسمح له بتخفيف بعض القيود المفروضة على النمو الاقتصادي دون التسبب في ركود. هذا الإقرار الرسمي بأن السياسة “مقيدة” يمثل تحولاً نفسياً كبيراً في السوق، حيث يقدم مبرراً جوهرياً لخفض الفائدة.

هذه التعليقات من عضو بارز في الفيدرالي فُسرت على الفور من قبل المستثمرين كإشارة واضحة إلى أن قيادة البنك المركزي تميل إلى خفض سعر الفائدة القياسي خلال اجتماع ديسمبر المقبل، للمرة الثالثة في عام 2025. ونتيجة لذلك، ارتفعت العقود الآجلة للأموال الفيدرالية لتسعّر فرصة تخفيض بمقدار ربع نقطة مئوية بأكثر من 70%، وهي قفزة كبيرة مقارنة باحتمالية أقل من 40% التي كانت سائدة في اليوم السابق، وفقًا لأداة “CME FedWatch”. يُظهر هذا التحول السريع في توقعات السوق، الذي تجاوز عتبة الـ 70%، مدى حساسية المستثمرين تجاه التوجيه المستقبلي للسياسة النقدية، وكيف يمكن لتصريح واحد من مسؤول بارز أن يعيد تحديد مسار تداول التريليونات من الدولارات في غضون ساعات.

المستفيدون من خفض الفائدة وتحديات السوق الأوسع

قادت الأسهم التي يُتوقع أن تستفيد بشكل أكبر من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة موجة الانتعاش. تشمل هذه الأسهم التي تعتمد بشكل كبير على الإنفاق الاستهلاكي، مثل هوم ديبوت (Home Depot)، وستاربكس (Starbucks)، وماكدونالدز (McDonald’s). هذه الشركات، التي تندرج تحت قطاعي التقدير الاستهلاكي (Consumer Discretionary) والأساسيات الاستهلاكية (Consumer Staples)، تستفيد بشكل مباشر من انخفاض تكلفة الاقتراض للمستهلكين، مما يحفز زيادة الإنفاق على السلع الكبيرة (كما في حالة هوم ديبوت) أو الخدمات اليومية (كما في حالة ماكدونالدز وستاربكس). يأمل المستثمرون أن تتمكن السياسة النقدية الأكثر تيسيرًا من إنعاش الاقتصاد المتباطئ وتبرير التقييمات المرتفعة تاريخيًا لأسهم التكنولوجيا.

ومع ذلك، لم تكن الصورة الأسبوعية وردية بالكامل، فبالرغم من ارتداد الجمعة، سجلت المؤشرات الرئيسية الثلاثة خسائر أسبوعية كبيرة:

  • مؤشر S&P 500: انخفض بنحو 2% على مدار الأسبوع.
  • مؤشر داو جونز: انخفض بنحو 2% على مدار الأسبوع.
  • مؤشر ناسداك: تراجع بنسبة 2.7% خلال الفترة.

في سياق الضغط الأخير، يرى جاي هاتفيلد، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “Infrastructure Capital Advisors”، أن هذا “تراجع موسمي طبيعي في التقييمات بعد موسم الأرباح”، مضيفًا أن “جزء الفقاعات من السوق يتعرض للإبادة”. تستند هذه النظرية إلى أن الأسواق غالباً ما تشهد عمليات بيع وتصحيح طفيفة في فترة ما بعد الإفصاح عن الأرباح، خاصةً مع اقتراب نهاية العام حيث يقوم المستثمرون بإعادة موازنة محافظهم أو ممارسة “حصاد الخسائر الضريبية” (Tax-Loss Harvesting) لتقليل الالتزامات الضريبية. هذا التقييم يفسر أيضًا تراجع الأصول الأكثر خطورة مثل البيتكوين (Bitcoin)، التي انخفضت بأكثر من 2% يوم الجمعة، لتسجل خسائر أسبوعية تقارب 11%، وسط تراجع عام في شهية المستثمرين للمخاطرة. يُعد الانخفاض الحاد في العملات المشفرة، التي تُعتبر مقياساً لجاهزية المستثمر لتحمل المخاطر العالية، دليلاً إضافياً على أن السوق الأوسع يمر بمرحلة تخلٍ عن الأصول المضاربة لصالح الاستقرار النسبي قبل اتضاح الرؤية النقدية بشكل كامل.

في الختام، تبقى العبارة الأبرز في السوق، على حد تعبير هاتفيلد: “السؤال الحقيقي الوحيد هو: أين سنصل إلى القاع؟” هذا التساؤل يعكس انتظار السوق لبيانات اقتصادية إضافية، أبرزها تقرير الوظائف القادم، الذي سيكون له تأثير حاسم في تأكيد قرار الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة في ديسمبر. هذا الترقب يلخص الأسبوع المضطرب: ارتداد تكتيكي مدفوع بالأمل، لكن مع تركة ثقيلة من الخسائر الأسبوعية التي تذكّر المستثمرين بأن القاع لم يتحدد بعد، وأن مسار خفض الفائدة ليس مضموناً بدون ضعف واضح في سوق العمل.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى