البيتكوين تنهار إلى أدنى مستوياتها في أشهر
تحليل شامل لموجة التصفية التي تجاوزت 2 مليار دولار

شهد سوق العملات المشفرة موجة بيع عنيفة وغير مسبوقة يوم الجمعة، إذ هوت عملة البيتكوين (Bitcoin) إلى ما دون مستوى 83,000 دولار، مما أطلق سلسلة من التصفية القسرية تجاوزت قيمتها 2 مليار دولار عبر مختلف الأصول الرقمية الرئيسية. يُعد هذا التراجع الحاد هو الأقسى على المستوى الشهري منذ الأزمة التي ضربت السوق في يونيو 2022، ما يؤكد حالة الهشاشة التي تخيّم على الأصول الرقمية حالياً.
لقد طالت الخسائر السريعة كبرى العملات البديلة (Altcoins) مثل الإيثيريوم (Ether) وسولانا (Solana)، ما يعكس نفوراً واسعاً من المخاطر وتحولاً استراتيجياً في محافظ المستثمرين المؤسسيين والأفراد على حد سواء.
تفاصيل البيع الكارثي: البيتكوين يمحو مكاسبه
انزلق سعر البيتكوين خلال تداولات يوم الجمعة إلى مستوى 80,745 دولاراً، ليغلق الجلسة قرب 83,000 دولار بعد انخفاض يومي تراوح بين 4% و 8%. يمثل هذا التراجع الهائل انخفاضاً يزيد عن 31% من أعلى مستوى تاريخي سجلته العملة في أكتوبر الماضي، كما بلغت خسائر العملة منذ بداية الشهر 25%، وهو الأداء الأسوأ منذ منتصف عام 2022.
كانت السمة الأبرز لهذا الانهيار هي التصفية الجماعية لصفقات الشراء ذات الرافعة المالية العالية (Long Positions)، حيث تجاوز إجمالي المراكز المُصفاة 2 مليار دولار، وتضرر أكثر من 392 ألف متداول. واستأثرت عملة البيتكوين وحدها بنحو 962 مليون دولار من هذه التصفية، مما يشير إلى ضخامة الضربة التي تعرضت لها مراكز المضاربين.
ولم تقتصر الضغوط على العملة الأكبر؛ فقد اخترقت عملة الإيثيريوم مستوى دعم 2,800 دولار، في حين سجلت سولانا انخفاضاً تجاوز 12%، مما يؤكد الانحدار الجماعي لجميع العملات الرئيسية الأخرى مثل الريبل (XRP) ودوغكوين (DOGE).
العوامل الكلية والتقنية الضاغطة على السوق
يمكن عزو تسارع موجة البيع إلى تقاطع عاملين رئيسيين: ضغوط الاقتصاد الكلي وتدهور المؤشرات الفنية.
1. تأثير سياسة الاحتياطي الفيدرالي
جاء الهبوط المفاجئ ليواكب صدور تقرير قوي للوظائف الأمريكية، وهو ما خفّض بشكل حاد من توقعات الأسواق بشأن احتمالية قيام الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة في ديسمبر المقبل. وغالباً ما تؤدي التوقعات بتشديد السياسة النقدية أو استمرارها على حالها إلى إضعاف شهية المخاطرة، مما يجعل الأصول عالية التقلب مثل البيتكوين أول ضحايا للبيع، حيث سُجلت أكثر من 450 مليون دولار في التصفية خلال ساعتين فقط عقب صدور التقرير.
2. تدفقات الصناديق المؤسسية ومعنويات المستثمرين
استمرت التدفقات الخارجة من صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETFs)، بالإضافة إلى تضاؤل الاهتمام المؤسسي، في تشكيل ثقل على الأسعار. ويحذر الخبراء من الاندفاع لشراء الانخفاض (Buying the Dip) في ظل استمرار هذا الزخم السلبي، مدفوعاً بالبيع القسري من قبل مستثمري الصناديق المتداولة الذين يسعون لتعديل مراكزهم.
3. المؤشرات الفنية و”البيع المفرط”
من الناحية الفنية، تشير التحليلات إلى أن البيتكوين وصل إلى مناطق بيع مفرط عميقة، حيث هبط مؤشر القوة النسبية (RSI) إلى 24، بينما دخل مؤشر تقارب وتباعد المتوسطات المتحركة (MACD) المنطقة السلبية. تدل هذه الإشارات على هيمنة المشاعر الهبوطية واحتمالية تمديد الهبوط نحو مستوى الدعم الرئيسي عند 80,000 دولار.
مؤشر الخوف يسيطر: رؤى الخبراء وخارطة طريق المخاطر
انعكست حالة الذعر في السوق بوضوح على مؤشر الخوف والجشع للعملات المشفرة (Fear and Greed Index)، الذي انخفض بشكل حاد إلى مستويات “الخوف الشديد” (Extreme Fear) مسجلاً 11 نقطة. وهي قراءة لم تُسجل منذ الهبوط الحاد الذي حدث في فبراير 2025.
على الرغم من القسوة الظاهرة لعمليات البيع، يميل المحللون الاقتصاديون إلى وصف هذه الفترة بأنها “تصحيح متأخر” ضمن الدورة السوقية الأوسع، مدفوع بالخوف والحذر، وليس انهياراً هيكلياً للنظام.
نصيحة الخبراء: ينصح غالبية الخبراء المتداولين بالتحلي بالصبر. ويشيرون إلى أن الرياح المعاكسة الهيكلية — بما في ذلك عدم اليقين على صعيد الاقتصاد الكلي، والبيع المرتبط بصناديق المؤشرات، وتشديد السيولة — قد تُبقي التقلبات مرتفعة وتجعل أي تعافٍ محتمل محدود النطاق في الوقت الراهن.
يُسلط هذا الانكماش الحاد الضوء على أهمية الإدارة الحصيفة للمخاطر (Prudent Risk Management) للمتداولين الذين يعملون في بيئات تتسم بالرافعة المالية العالية والتقلبات الشديدة، ويؤكد أن البيتكوين لا يزال أصلاً للمخاطرة بامتياز.
اقرأ أيضا…



