أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

الدولار الأمريكي يرتفع بدعم من ثقة المستهلك وسط تضارب إشارات الفيدرالي

سجل مؤشر الدولار (DXY) ارتفاعاً طفيفاً ليلامس أعلى مستوياته في 5.5 أشهر، مدعوماً بعدة عوامل اقتصادية ونقدية متضاربة. هذا الارتفاع يأتي في خضم بيئة سوقية متقلبة، حيث ارتفع طلب السيولة على الدولار الأمريكي كـ “ملاذ آمن” نتيجة الانخفاض الحاد في أسواق الأسهم العالمية هذا الأسبوع. يعتبر الدولار، تاريخياً، وجهة مفضلة لرؤوس الأموال خلال فترات عدم اليقين، مما يعزز قوته مقابل سلة العملات. وفي المقابل، يواجه الدولار الأمريكي ضغوطاً متزايدة من التكهنات المتنامية بخفض وشيك لسعر الفائدة الفيدرالي من قبل الاحتياطي الفيدرالي، ما يجعل مساره المستقبلي محفوفاً بالتعقيد ويتطلب مراقبة دقيقة.

البيانات الاقتصادية الأمريكية: إعادة تقييم الثقة والتضخم وآثارها على الدولار

كان الدافع الأبرز لارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي اليوم هو المراجعة الصاعدة المفاجئة لبيانات ثقة المستهلك. فقد تمت مراجعة مؤشر جامعة ميشيغان لثقة المستهلك لشهر نوفمبر بالزيادة بمقدار 0.7 نقطة ليصل إلى 51.0، متجاوزاً التوقعات البالغة 50.6. يشير هذا التحسن غير المتوقع في ثقة المستهلك إلى استمرار مرونة الاقتصاد الأمريكي وقدرة المستهلكين على مواصلة الإنفاق، وهي إشارة إيجابية تدعم قوة العملة وتؤجل التوقعات بحدوث تباطؤ اقتصادي وشيك.

في المقابل، قدمت بيانات التضخم المتوقعة إشارات أكثر تساهلاً يمكن أن تخفف من حدة السياسة النقدية المتشددة. فقد تمت مراجعة توقعات التضخم لمدة عام واحد للأمام بالانخفاض إلى 4.5% (من 4.7%)، كما تم تعديل التوقعات لخمس سنوات للأمام هبوطاً إلى 3.4% (من 3.6%). هذا التراجع في توقعات التضخم يُنظر إليه على أنه مؤشر لرسوخ التوقعات التضخمية، مما يقلل من الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة التشديد. من شأن تراجع هذه التوقعات أن يرفع من العائد الحقيقي للمستثمرين في الأصول المقومة بـ الدولار الأمريكي، ولكن في الوقت ذاته، يخفف من الدافع نحو رفع سعر الفائدة الفيدرالي مجدداً.

وفي سياق آخر، جاء مؤشر مديري المشتريات الصناعي (S&P) لشهر نوفمبر أضعف قليلاً من المتوقع، حيث تراجع -0.6 نقطة إلى 51.9، مما يشير إلى تباطؤ مستمر في النشاط الصناعي. ومع ذلك، لم يكن هذا التراجع كبيراً بما يكفي لتغيير المسار العام للدولار.

تباين المواقف داخل الاحتياطي الفيدرالي: صراع الإشارات النقدية

شهدت الأسواق اليوم تضارباً واضحاً في تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، مما عكس حالة الانقسام وعدم اليقين بشأن المسار المستقبلي لسعر الفائدة الفيدرالي. وقد أثر هذا التباين مباشرة على تسعير الدولار الأمريكي.

  • مواقف متشددة (Hawkish): قدمت كل من رئيسة بنك بوسطن سوزان كولينز ورئيسة بنك دالاس لوري لوغان دعماً لـ الدولار الأمريكي من خلال التأكيد على ضرورة الحذر. فقد أشارت كولينز إلى أن إبقاء أسعار الفائدة ثابتة “مناسب في الوقت الحالي” لأن التضخم من المرجح أن يظل مرتفعاً لبعض الوقت، مما يعكس نهج الانتظار والترقب. وبالمثل، اتخذت لوغان موقفاً مشدداً، قائلة إنها تجد صعوبة في خفض أسعار الفائدة مجدداً في ديسمبر ما لم يكن هناك دليل “واضح” على تراجع أسرع للتضخم أو تباطؤ في سوق العمل، ما يضع شروطاً عالية لأي تحول في السياسة.
  • تصريحات متساهلة (Dovish): خفف رئيس بنك نيويورك جون ويليامز، الذي يتمتع بصوت دائم في لجنة السوق المفتوحة وهو شخصية ذات نفوذ، من حدة ارتفاع الدولار بتعليقاته التي أشار فيها إلى “وجود مجال لإجراء تعديل إضافي في المدى القريب على النطاق المستهدف لسعر الفائدة الفيدرالي”. وهدف ويليامز هو تقريب الموقف النقدي من النطاق “المحايد”، خاصة مع تزايد مخاطر التوظيف وتراجع مخاطر التضخم. هذه التصريحات زادت من التكهنات في السوق، حيث تواصل الأسواق تسعير احتمال كبير يبلغ 64% لخفض سعر الفائدة في اجتماع اللجنة المقبل في 9-10 ديسمبر، مما يعكس ثقة المستثمرين في أن ذروة التشديد قد ولّت.

نظرة على العملات الرئيسية الأخرى والسلع العالمية

تأثر اليورو مقابل الدولار الأمريكي (EUR/USD) بالانخفاض إلى أدنى مستوى له في أسبوعين، وذلك بفعل قوة الدولار وتراجع النشاط الصناعي في منطقة اليورو. فقد تراجع مؤشر مديري المشتريات الصناعي (S&P) في المنطقة بشكل غير متوقع إلى 49.7، مسجلاً أشد وتيرة انكماش في خمسة أشهر، مما يزيد من المخاوف بشأن دخول منطقة اليورو في ركود. وقد تفاقمت خسائر اليورو على خلفية رفض أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين الأجزاء الرئيسية من الخطة الأمريكية-الروسية لإنهاء الصراع. وعلى الرغم من ذلك، حدّت تصريحات نائب رئيس البنك المركزي الأوروبي، لويس دي غيندوس، التي وصف فيها المستويات الحالية لأسعار الفائدة بـ “المناسبة” وأشار إلى أداء اقتصادي أفضل من المتوقع، من خسائر اليورو.

على صعيد الين، تراجعت العملة الأمريكية مقابل الين الياباني (USD/JPY) بدعم من تحذير وزير المالية الياباني، كاتاياما، بشأن تحركات سعر الصرف الأخيرة وإشارته القوية إلى أن “التدخل في سعر الصرف هو بالتأكيد شيء يمكننا أن نأخذه بعين الاعتبار”. ويأتي هذا التحذير بعد أن كان الين قد سجل أدنى مستوى له في 10 أشهر مقابل الدولار نتيجة المخاوف بشأن عبء الدين الياباني بعد موافقة الحكومة على حزمة تحفيز ضخمة. كما دعمت البيانات اليابانية الأفضل من المتوقع، المتعلقة بارتفاع الصادرات ونمو مؤشر أسعار المستهلكين (CPI)، قوة الين.

بالنسبة للمعادن الثمينة، شهدت أسعار الذهب والفضة تحركات متباينة. في حين أن الارتفاع القوي لـ مؤشر الدولار الأمريكي إلى أعلى مستوى في 5.5 أشهر كان سلبياً على الذهب والفضة، إلا أن تراجع توقعات التضخم قلل من جاذبية الذهب كملاذ تحوطي ضد التضخم. كما تراجعت أسعار الفضة على وجه الخصوص بسبب المخاوف المتعلقة بالطلب على المعادن الصناعية بعد تراجع مؤشري مديري المشتريات في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو. ومع ذلك، يجد الذهب دعماً قوياً في الطلب المتزايد من البنوك المركزية العالمية، وخاصة الصين، التي تواصل تعزيز احتياطياتها من الذهب للشهر الثاني عشر على التوالي، مما يساهم في دعم الأسعار على المدى الطويل، في ظل استمرار حالة عدم اليقين بشأن التعريفات الجمركية والمخاطر الجيوسياسية.

إن قوة الدولار الأمريكي الحالية مدفوعة بشكل أساسي بالتباين في البيانات الاقتصادية المحلية وطلب السيولة العالمية، لكنها تظل عرضة للتصحيح في ضوء احتمالية تحول الفيدرالي نحو التيسير النقدي في المستقبل القريب.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى