أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط ترتفع.. انتعاش السوق وسحب المخزونات الأمريكية يغذيان المكاسب

ارتفعت أسعار النفط العالمية اليوم مدفوعة بعاملين رئيسيين: انتعاش أوسع في أسواق الأصول الخطرة، وتراجع مفاجئ في مخزونات النفط الخام الأمريكية بأكثر من التوقعات. هذه التطورات مجتمعة ساهمت في تخفيف الضغوط السلبية التي كانت مرتبطة بمخاوف وفرة الإمدادات في الفترة الماضية، وأعادت التركيز إلى مرونة الطلب.

في التفاصيل، سجلت عقود خام برنت الآجلة ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة 0.9% لتصل إلى 64.08 دولاراً للبرميل، مما يؤكد عودة الثقة النسبية في السوق. وبالمثل، صعدت عقود خام غرب تكساس بنسبة مماثلة لتسجل 59.95 دولاراً للبرميل في تعاملات اليوم.

وهذا الارتداد جاء بعد أن تراجعت أسعار النفط بنحو 2% في الجلسة السابقة بسبب تقارير إخبارية أشارت إلى تجدد المساعي الأمريكية المكثفة لإنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية. كانت المخاوف تتركز على أن أي إطار عمل للسلام قد يؤدي إلى تخفيف الضغط على صادرات النفط الروسية وبالتالي إطلاق المزيد من البراميل الروسية إلى السوق العالمية، مما يهدد بتفاقم حالة التخمة.

بيانات مخزونات الخام الأمريكية تقدم دعم مفاجئ لأسعار النفط 

كان الدعم الأكبر الذي تلقته أسعار النفط من جانب الطلب هو الانخفاض غير المتوقع والملحوظ في المخزونات الأمريكية. يعتبر هذا الانخفاض مؤشراً قوياً يعكس ديناميكية إيجابية تتمثل في زيادة عمليات التكرير المحلية في الولايات المتحدة، المدفوعة بهوامش الربح القوية التي يتمتع بها قطاع التكرير حالياً. بالإضافة إلى ذلك، يشير السحب الكبير في المخزونات إلى استمرار زخم الطلب على الصادرات الأمريكية من الخام، حيث تلجأ المصافي العالمية إلى النفط الأمريكي لتعويض نقص الإمدادات الأخرى أو للاستفادة من فروقات الأسعار.

وفي هذا الصدد، أعلنت إدارة معلومات الطاقة (EIA) عن انخفاض حاد في مخزونات الخام بمقدار 3.4 مليون برميل للأسبوع المنتهي في 14 نوفمبر، ليصل الإجمالي إلى 424.2 مليون برميل. هذا الرقم فاق توقعات المحللين بشكل كبير، حيث كانت الإجماع في استطلاع أجرته وكالة رويترز يشير إلى سحب محدود لا يتجاوز 603,000 برميل. هذا الفارق الهائل بين التوقعات والواقع يؤكد أن الطلب الفعلي، سواء المحلي أو التصديري، أقوى مما كان يُعتقد سابقاً، وهو ما يصب في مصلحة دعم أسعار النفط على المدى القصير.

ومع ذلك، أشار المحللون إلى أن الصورة الكلية للطلب الأمريكي لا تخلو من عوامل الحذر. فقد سجلت مخزونات البنزين والمقطرات في الولايات المتحدة أول ارتفاع لها منذ أكثر من شهر. ويُنظر إلى هذا التراكم في المنتجات المكررة على أنه إشارة محتملة لتباطؤ في الاستهلاك المحلي النهائي، مما قد يضغط على هوامش التكرير لاحقاً ويقلل من الحاجة إلى سحب المزيد من الخام في الأسابيع القادمة. يجب مراقبة هذا الاتجاه بعناية لتقييم استدامة الانتعاش في الطلب.

العوامل الجيوسياسية وحركة الأسواق تسيطر على اتجاه أسعار النفط

بالتزامن مع بيانات المخزونات، تلقت أسعار النفط دفعة إضافية من الارتفاع العام في أسواق الأسهم العالمية. يرتبط النفط بأسواق الأصول الخطرة ارتباطاً وثيقاً، حيث تشير شهية المخاطرة العالية إلى تفاؤل المستثمرين بشأن النمو الاقتصادي العالمي، الذي يُعد المحرك الرئيسي للطلب على الطاقة. وقد هلل المستثمرون بشكل خاص للأرباح التي فاقت التوقعات لشركة “إنفيديا” العملاقة في مجال رقائق الذكاء الاصطناعي، مما عزز الشعور العام بالثقة في قوة التكنولوجيا والنمو المستقبلي، وهذا بطبيعة الحال يصب في صالح ارتفاع أسعار النفط.

وفي سياق آخر بالغ الأهمية، يقترب الموعد النهائي للعقوبات الأمريكية المفروضة على التداول مع عمالقة النفط الروس مثل “روس نفط” و”لوك أويل”، حيث يحل هذا الموعد يوم الجمعة. كما مُنحت “لوك أويل” وأي جهات تسعى للاستحواذ على أصولها الدولية المنتشرة مهلة إضافية حتى 13 ديسمبر لإتمام الصفقات. هذه المواعيد النهائية تضفي طبقة من عدم اليقين على السوق، حيث أن أي تغيير في الوضع القانوني أو التشغيلي لهذه الكيانات العملاقة يمكن أن يؤثر بشكل فوري ومباشر على تدفقات الإمدادات العالمية. هذه العوامل الجيوسياسية والتنظيمية تظل عنصراً هاماً وحساساً في ميزان العرض والطلب المستقبلي الذي يحدد مسار أسعار النفط.

الدولار القوي وتخمة المعروض تحد من المكاسب

على الرغم من الارتفاع المسجل، ظلت المكاسب محدودة وغير قادرة على تحقيق اختراقات كبيرة، وذلك بسبب عاملين ضاغطين في سوق الطاقة يمثلان “رياحاً معاكسة”.

الأول هو المخاوف المستمرة بشأن تخمة المعروض النفطي في السوق العالمية، لا سيما في ظل الزيادة في الإنتاج من بعض الدول غير الأعضاء في أوبك+. هذا القلق بشأن تجاوز العرض للطلب يضع سقفاً لأي ارتفاعات سعرية.

والثاني هو تحليق مؤشر الدولار الأمريكي قرب أعلى مستوى له في ستة أشهر. إن قوة الدولار لها تأثير مباشر وسلبي على أسعار النفط، حيث تجعل السلع المقومة بالدولار (مثل النفط) أكثر تكلفة بشكل فعال بالنسبة للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى أضعف. هذا التكلفة الإضافية يمكن أن تحد من جاذبية الشراء ويثبط الطلب في الأسواق الرئيسية المستوردة، مما يضع ضغطاً هبوطياً مستمراً على الأسعار.

في الختام، يُظهر السوق الحالي حالة واضحة من التجاذب بين عوامل الدعم اللوجستية القوية (مثل سحب المخزونات الأمريكية) والمعنويات الإيجابية المنبعثة من أسواق الأسهم العالمية، وبين التحديات الهيكلية المتمثلة في تخمة المعروض والتأثير المباشر والضاغط لارتفاع قيمة الدولار. تبقى أسعار النفط رهينة لتوازن هذه القوى المتضاربة على المدى القريب والمتوسط.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى