هل انتهى التصحيح الحاد للبيتكوين؟
شهدت أسواق العملات المشفرة موجة تقلبات عنيفة خلال الجلسات الماضية، بلغت ذروتها في تراجع مفاجئ للعملة الأبرز، البيتكوين (BTC)، إلى مستويات منخفضة بلغت $89,455 دولارًا أمريكيًا. هذه الحركة الهابطة الحادة تبعتها عملية انتعاش سريعة، ليتداول البيتكوين حاليًا بالقرب من مستوى $91,798 دولارًا. ويُشير المحللون إلى أن السبب الرئيسي وراء هذا الانخفاض السريع ثم الارتداد يكمن في عملية تصفية ضخمة للصفقات ذات الرافعة المالية التي تجاوزت قيمتها مليار دولار أمريكي.
لقد أدت هذه التصفية القسرية لصفقات البيع والشراء في أسواق المشتقات إلى استنزاف السيولة، قبل أن يتدخل المشترون لإعادة الاستقرار إلى السوق بعد الخسائر الحادة التي مُني بها المتداولون في الأيام السابقة. هذا الحدث يمثل “سلسلة تصفية السيولة” (Liquidity Cascade)، وهي ظاهرة تحدث عندما يؤدي البيع القسري للمراكز المفتوحة ذات الرافعة المالية العالية إلى تفعيل أوامر إيقاف الخسارة بشكل متتالٍ، مما يدفع السعر للانخفاض بشكل أسرع ويغرق السوق بالمعروض. ومع ذلك، بمجرد أن تستنفد موجة البيع هذه، يجد المشترون الفرصة للدخول بأسعار مخفضة للغاية، ما يفسر الارتداد السريع الذي رسم شكل “V” على الرسوم البيانية.
تراجع الأسعار وتأثير خروج الصناديق المتداولة (ETFs)
تعكس حركة البيتكوين الأخيرة مسحاً كاملاً لتقريباً جميع المكاسب التي حققتها العملة في وقت سابق من هذا العام، حيث كانت الأسعار قد لامست مستويات قياسية قرب $126,000 قبل ستة أسابيع فقط. ويؤكد هذا التراجع الحاد من القمة التاريخية مدى هشاشة السوق في ظل غياب محفزات صعودية قوية ووجود مؤشرات قوية لـ “تسييل المخاطر” (De-risking) من قبل كبار المستثمرين.
العوامل المحفزة لضغط البيع:
- تصفية الرافعة المالية والتقاطع الفني: تجاوزت التصفية القسرية مليار دولار بعدما اخترق البيتكوين مستويات دعم فنية رئيسية. وقد تزامنت هذه الحركة مع ظهور ما يُعرف فنياً بـ “تقاطع الموت” (Death Cross)، وهو مؤشر فني رئيسي يتحقق عندما يعبر متوسط الحركة لمدة 50 يوماً أدنى متوسط الحركة لمدة 200 يوم. هذا التقاطع يُعد إشارة هبوطية قوية للمحللين التقنيين، مما يعزز من زخم التراجعات السريعة ويدفع برامج التداول الخوارزمية (Algorithmic Trading) إلى البيع الآلي.
- تدفقات صناديق الـ ETF السلبية كمعيار مؤسسي: تفاقم البيع بفعل التدفقات الخارجية المستمرة من صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (ETFs). وقد سجلت هذه الصناديق وحدها عمليات استرداد غير مسبوقة بلغت $870 مليون دولار في جلسة واحدة (في 14 نوفمبر)، وتجاوزت إجمالي التدفقات الخارجة $1.1 مليار دولار على مدار الأسبوع الماضي. هذه الأرقام الضخمة تُعد دليلاً مباشراً على تزايد الحذر أو حتى “الاستسلام المؤسسي” (Institutional Capitulation)، حيث يفضل المستثمرون الكبار، الذين ربما جمعوا مراكزهم خلال موجة الصعود، تأمين أرباحهم أو تسييل جزء من حيازاتهم بدلاً من تحمل المزيد من التقلبات الحادة.
التوقعات الحالية للسوق
يُهيمن الحذر والتوتر حالياً على معنويات السوق، وهو ما يتضح في انخفاض أحجام التداول وبقاء مستويات المقاومة الفنية قائمة. كما أن البيتكوين يواجه تحديات من العوامل الاقتصادية الكلية، وعلى رأسها حالة عدم اليقين المتعلقة بقرارات أسعار الفائدة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وتقلص السيولة المتاحة عموماً للأصول عالية المخاطر. إن موقف الاحتياطي الفيدرالي بخصوص التضخم والحاجة المحتملة لرفع إضافي في أسعار الفائدة يُعد بمثابة الرياح المعاكسة الخارجية الرئيسية. فارتفاع أسعار الفائدة يزيد من جاذبية الأصول ذات المخاطر المنخفضة مثل السندات الحكومية، مما يجعل الأصول عالية التقلب والمخاطر، كالعملات المشفرة، أقل جاذبية للمستثمرين الباحثين عن العائد الآمن.
- استقرار حذر: رغم أن المتداولين المعتمدين على الرافعة المالية هم الأكثر تضرراً، إلا أن محاولات المشترين لدعم الأسعار وتدفقات ETF الإيجابية الطفيفة في نهاية الجلسة تشيران إلى إمكانية حدوث توازن قصير الأجل. هذا الاستقرار يعتمد على قدرة السوق على استيعاب المزيد من ضغوط البيع المتبقية دون الدخول في تراجع عميق.
- مستويات الدعم الحاسمة: يرى المحللون أن قدرة البيتكوين على الثبات فوق المستويات المنخفضة الأخيرة وبناء دعم قوي هي مفتاح استمرار الانتعاش المتواضع. ويُعد النطاق ما بين $88,000 و $90,000 هو منطقة الدعم الفني والنفسي الرئيسية التي يجب مراقبتها. إن الفشل في الاحتفاظ بهذا النطاق سيعرض الأسعار لخطر إعادة اختبار مستويات دعم أعمق، مما قد يشير إلى تحول تصحيح الأسعار إلى اتجاه هبوطي مستدام. لكن التحديات الكلية والفنية ستبقى حجر عثرة أمام أي صعود كبير.
تُبرز هذه التحركات السريعة الضغوط الكبيرة والهشاشة المتأصلة في أسواق العملات المشفرة، خاصة عندما تتضافر التحديات الاقتصادية الكلية مع الانهيارات الفنية للأسعار. يجب على المستثمرين توخي أقصى درجات الحذر وإدارة المخاطر بعناية عبر استخدام أوامر إيقاف الخسارة والحفاظ على إدارة سليمة لحجم المراكز.
اقرأ أيضا…
