أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

تراجع حذر في أسعار النفط مع استئناف التحميل من نوفوروسيسك وتصاعد المخاطر الجيوسياسية

شهدت أسعار النفط تراجعاً طفيفاً يوم الاثنين، مدفوعة باستئناف عمليات الشحن والتحميل في ميناء نوفوروسيسك الروسي للتصدير، وذلك بعد تعليق دام يومين إثر هجوم أوكراني استهدف الميناء الحيوي الواقع على البحر الأسود. يأتي هذا التراجع في ظل توازن دقيق ومحفوف بالمخاطر، حيث تتنازع ضغوط العرض قصيرة الأجل مع المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة التي تهدد سلامة الإمدادات العالمية على المدى المتوسط والطويل.

وفي تفاصيل التداولات، انخفض سعر خام برنت القياسي بنحو 45 سنتاً، أو ما يعادل 0.7%، ليصل إلى 63.94 دولاراً للبرميل. كما تراجع خام غرب تكساس (WTI) الأمريكي بمقدار 46 سنتاً، أي بنسبة 0.8%، ليستقر عند 59.63 دولاراً. ويُشار إلى أن كلا المؤشرين كانا قد ارتفعا بأكثر من 2% يوم الجمعة الماضي، ليُنهيا الأسبوع بمكاسب متواضعة، وذلك بعد أن أدى تعليق الصادرات من نوفوروسيسك ومحطة اتحاد خط أنابيب بحر قزوين المجاورة إلى تعطل ما يعادل 2% من الإمدادات العالمية، ما سلط الضوء على حساسية السوق الشديدة تجاه أي اضطراب مفاجئ في التدفقات الرئيسية.

الضغوط الجيوسياسية المتزايدة وعودة ميناء نوفوروسيسك

بالرغم من الإعلان عن استئناف ميناء نوفوروسيسك لعمليات تحميل النفط يوم الأحد، وفقاً لمصادر صناعية وبيانات مجموعة بورصة لندن (LSEG)، إلا أن تداعيات الهجمات الأوكرانية على البنية التحتية النفطية الروسية لا تزال تشكل محور قلق رئيسي في الأسواق العالمية. لم تقتصر الهجمات الأخيرة على تعليق مؤقت للشحن، بل طالت منشآت حيوية مثل مصفاة ريازان النفطية ومصفاة نوفوكويبيشيفسك في منطقة سمارا الروسية. استهداف مصافي التكرير، وليس فقط آبار النفط، يهدف إلى الضغط على قدرة روسيا على معالجة الخام وتحويله إلى وقود، مما قد يؤثر على صادرات المنتجات المكررة (كالديزل والبنزين) بالإضافة إلى النفط الخام.

ويوضح المحلل توشيكا تازاوا من “فوجيتومي سيكيوريتيز” أن “المستثمرين يحاولون تقدير كيف ستؤثر هجمات أوكرانيا على صادرات روسيا من الخام على المدى الطويل”. هذا التقييم يشير إلى أن استمرار حالة عدم اليقين بشأن قدرة روسيا على الحفاظ على تدفقات التصدير هو ما يمنع أسعار النفط من التراجع الكبير ويُبقي على “علاوة مخاطر” ضمنية تدعم الأسعار في ظل أي تهديد مستقبلي للإمداد.

تشديد العقوبات وقرارات أوبك+ تؤثر على أسعار النفط

تتفاقم حالة عدم اليقين في السوق مع استمرار مراقبة المستثمرين لتأثير العقوبات الغربية واسعة النطاق على الإمدادات والتدفقات التجارية الروسية. وقد فرضت الولايات المتحدة مؤخراً عقوبات تحظر التعامل مع شركات النفط الروسية الكبرى مثل “لوك أويل” و “روس نفط” بعد تاريخ 21 نوفمبر، حيث تهدف واشنطن من خلال هذه الإجراءات إلى الضغط الاقتصادي المتزايد على موسكو.

بالإضافة إلى ذلك، أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأحد إلى أن الجمهوريين يعملون على تشريع يفرض عقوبات ثانوية على أي دولة تتعامل تجارياً مع روسيا، مضيفاً أن إيران قد تُضاف إلى تلك القائمة. هذا النوع من العقوبات الثانوية يمثل خطراً تصعيدياً كبيراً، حيث يمكن أن يمنع بشكل فعال المشترين في جميع أنحاء العالم من التعامل مع النفط الروسي أو الإيراني خوفاً من فقدان الوصول إلى النظام المالي الأمريكي، مما سيؤدي إلى تضييق السوق بشكل حاد ويدعم بالتالي صعود أسعار النفط.

في سياق إدارة العرض، اتفقت مجموعة أوبك+ في وقت سابق من هذا الشهر على زيادة مستهدفة للإنتاج لشهر ديسمبر بمقدار 137 ألف برميل يومياً، وهو نفس مستوى الزيادة لشهر أكتوبر ونوفمبر، مع الاتفاق على تجميد هذه الزيادات خلال الربع الأول من العام المقبل. هذا التجميد يعكس حذراً استباقياً من المجموعة تجاه توقعات الفائض المحتملة في بداية عام 2026، وهي خطوة تهدف إلى دعم استقرار أسعار النفط وتفادي أي ضغط هبوطي ناجم عن زيادة الإنتاج في وقت لا يزال فيه الطلب غير مؤكد.

التوقعات المستقبلية: فائض هيكلي ومخاطر إمداد حادة

تشير تقارير تحليلية إلى أن سوق النفط من المتوقع أن يظل في حالة “فائض كبير” حتى عام 2026، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة “آي إن جي” (ING). يعود هذا التوقع في جزء كبير منه إلى النمو المطرد في إمدادات المنتجين من خارج مجموعة أوبك+، خاصة من الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، مما يفوق توقعات نمو الطلب العالمي المتواضعة نسبياً. لكن التقرير حذر في الوقت ذاته من المخاطر المتزايدة على الإمدادات، خاصة بسبب هجمات الطائرات بدون طيار الأوكرانية التي تستهدف منشآت الطاقة الروسية. كما أشار التقرير إلى خطر آخر يتمثل في استيلاء إيران على ناقلة في خليج عمان بعد عبورها مضيق هرمز. يُعد هرمز طريقاً حيوياً لمرور حوالي 20 مليون برميل يومياً من تدفقات النفط العالمية، وأي تعطيل فيه لا يهدد تدفق النفط فحسب، بل يرفع أيضاً تكاليف التأمين والشحن بشكل كبير، مما يؤدي إلى زيادة في الأسعار الفورية.

وفي سياق التوقعات الإيجابية، يتوقع المحلل جيوفاني ستونوفو من “يو بي إس” (UBS) أن تظل أسعار النفط مدعومة بشكل جيد. وأوضح في مذكرة أن ارتفاع مستويات “النفط العائم” (النفط المحمل على السفن والذي لم يتم تفريغه بعد) لم يؤد بعد إلى زيادة في المخزونات البرية. هذه النقطة محورية، إذ تشير إلى أن الطلب الحقيقي يمتص التدفقات بسرعة، مما يدعم قاع السعر. وبينما يتوقع ستونوفو انخفاض الأسعار إلى الجزء الأدنى من نطاق التداول خلال الأشهر القادمة، فإنه يحمل “نظرة أكثر تفاؤلاً للنصف الثاني من عام 2026″، وهو ما قد يرتبط بالتعافي الاقتصادي المتوقع وارتفاع الطلب الموسمي. وقد عززت بيانات التموضع الأخيرة هذه النظرة، حيث زاد المضاربون صافي المراكز الطويلة في خام برنت الآجلة، مدفوعين في الغالب بتغطية المراكز القصيرة، مما يعكس تردد المستثمرين في الرهان على الهبوط في ظل حالة عدم اليقين المرتبطة بالعقوبات ومخاطر الإمداد.

ختاما تتحرك أسعار النفط في الوقت الحالي تحت وطأة ضغوط متضاربة ومركبة: ضغط هبوطي ناجم عن استئناف الإمدادات الروسية وتوقعات الفائض المستقبلي، وضغط صعودي قوي سببه تصاعد التوترات الجيوسياسية والعقوبات الغربية، بالإضافة إلى الدعم المستمر من مستويات المخزونات البرية المستقرة. تظل السوق حذرة، حيث يواجه المشهد توازناً هشاً بين العرض والمخاطر، مع ميل واضح نحو دعم الأسعار على المدى الطويل بسبب المخاوف الجيوسياسية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى