أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تنتعش بعد خسائر حادة: صراع بين التخمة والعقوبات يلوح في الأفق

تشهد أسعار النفط العالمية حالة من الترقب والتوازن الدقيق، حيث سجلت الأسعار ارتفاعاً طفيفاً يوم الخميس، لتأخذ قسطاً من الراحة بعد سلسلة من الخسائر الحادة التي منيت بها في الجلسة السابقة. يأتي هذا التحرك الصعودي البسيط في الوقت الذي يزن فيه المستثمرون بين عاملين متناقضين: القلق المستمر بشأن الإمدادات العالمية الفائضة التي تخنق الأسواق، والتهديد الوشيك بفرض عقوبات غربية إضافية على شركة “لوك أويل” الروسية العملاقة، وهو ما قد يقلص المعروض.

يهدف هذا المقال إلى تحليل الأسباب الكامنة وراء هذه التحركات المتقلبة في أسعار النفط، وتأثير العوامل الجيوسياسية والاقتصاد الكلي على استقرار سوق الطاقة، مع تقديم نظرة مبسطة للقارئ العام حول ديناميكيات التسعير.

تحليل الأرقام: ارتفاع يكسر حاجز الهبوط ويعكس التردد

بعد أن شهدت الأسواق تراجعاً كبيراً ومفاجئاً في اليوم السابق، بدأت المؤشرات الرئيسية للنفط في استعادة جزء من خسائرها، ما يشير إلى حالة من التردد والبحث عن نقطة توازن جديدة في السوق:

  • خام برنت: ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 32 سنتاً، لتصل إلى 63.03 دولار للبرميل. ويأتي هذا الارتفاع الطفيف كبادرة لوقف النزيف بعد هبوط حاد وغير مسبوق نسبته 3.8% في اليوم الذي سبقه، مما دفع بالسوق إلى مستويات حرجة.
  • خام غرب تكساس الوسيط (WTI): زادت أسعار الخام الأمريكي (WTI) بمقدار 28 سنتاً، لتصل إلى 77 دولاراً للبرميل، عقب انخفاض قوي بنسبة 4.2% يوم الأربعاء. يمثل خام غرب تكساس معياراً مهماً لاحتياجات الطاقة في الولايات المتحدة، ويعكس ارتفاعه الضئيل أن المخاوف بشأن نقص الإمدادات الروسية المحتمل لها وزنها مقابل ضغوط العرض.

يشير هذا الانتعاش الخجول والمحدود إلى أن السوق لم يستسلم بعد لضغوط البيع الناتجة عن التخمة، بل وجد سبباً قوياً لوقف هذا النزيف، متطلعاً إلى التطورات الجيوسياسية بدلاً من أساسيات العرض والطلب البحتة.

العوامل المتضاربة التي تحرك أسعار النفط

يخضع سوق النفط حالياً لتأثير قوتين متعارضتين تخلقان حالة من التقلب والضبابية التي تصعّب التنبؤ باتجاه أسعار النفط:

1. ضغط التخمة ومخاوف الإمداد الزائد (العامل الهابط)

تمثل المخاوف بشأن تخمة المعروض العالمي الضاغط الأكبر والأكثر استمرارية على أسعار النفط. يعود هذا القلق لعدة أسباب متداخلة، أبرزها:

  • ارتفاع مستويات المخزونات: سجلت المخزونات التجارية في العديد من الدول المستهلكة الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، مستويات أعلى من المتوقع. عندما تزيد المخزونات، فإنها تمنح المشترين مرونة أكبر وتضعف قوة البائعين، مما يضغط على الأسعار.
  • تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي: هناك توقعات واسعة بتباطؤ أو حتى انكماش النمو الاقتصادي في مناطق رئيسية. يرتبط الطلب على الوقود ارتباطاً مباشراً بالنشاط الصناعي والتجاري والنقل. أي تراجع في هذا النشاط يعني انخفاضاً تلقائياً في الطلب على النفط، مما يزيد من الفجوة بين العرض والطلب.
  • زيادة الإنتاج من مصادر غير تقليدية: استمرار زيادة إنتاج النفط من مصادر خارج تحالف “أوبك+” يساهم في إغراق السوق.

عادةً ما يدفع ارتفاع المعروض مقابل طلب أقل أسعار النفط نحو الانخفاض، وهو ما تسبب في موجة البيع الحادة التي شهدتها الجلسة السابقة.

2. العقوبات المرتقبة على “لوك أويل” الروسية

في المقابل، شكلت الأنباء المتعلقة باحتمالية فرض عقوبات جديدة على شركة “لوك أويل” (Lukoil)، وهي واحدة من أكبر منتجي النفط في روسيا والمساهمين الرئيسيين في الإمدادات العالمية، عاملاً داعماً قوياً لارتفاع أسعار النفط.

لماذا العقوبات مهمة للسوق؟ لأن أي قيود جديدة مفروضة على شركات نفطية كبرى مثل “لوك أويل” تهدد بخفض كميات النفط الخام والمنتجات المكررة المتاحة في السوق العالمية بشكل فوري. يترجم هذا الخطر الجيوسياسي إلى “نقص محتمل” ومخاطر في سلاسل الإمداد، مما يدفع المتعاملين والمضاربين إلى الشراء الاحترازي. هذا السلوك يرفع أسعار النفط لتعكس ما يسمى بـ “علاوة المخاطرة الجيوسياسية”، وهي تكلفة إضافية يفرضها السوق لتعويض احتمال انقطاع الإمدادات. هذا العامل كان له الدور الأكبر في كبح جماح الهبوط الذي بدأته مخاوف التخمة.

النظرة المستقبلية لأسعار النفط

إن الارتفاع الطفيف الذي شهدته أسعار النفط يوم الخميس ليس مؤشراً على نهاية التقلبات، بل هو انعكاس لاستمرار حالة الشد والجذب المعقدة بين أساسيات العرض والطلب طويلة الأجل (التخمة) والعوامل الجيوسياسية قصيرة الأجل (العقوبات). بالنسبة للقارئ العام، هذا يعني أن سوق الطاقة يظل حساساً للغاية لأي إعلان يتعلق بتطورات المخزونات الأسبوعية أو أي تطور سياسي جديد في الشرق الأوسط أو أوروبا. للحصول على استقرار مستقبلي ومستدام، يجب على السوق أن يجد توازناً مستداماً بين التخمة الحالية في المعروض والتأثير الفعلي المحتمل للعقوبات على التدفقات النفطية الروسية. وحتى ذلك الحين، تبقى أسعار النفط تحت رحمة الأخبار العاجلة والتحليلات المتغيرة يوماً بعد يوم.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى