أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تتراجع وسط تخمة المعروض.. والأنظار تتجه نحو واشنطن

شهدت أسعار النفط تراجعاً بنحو 1% يوم الأربعاء، إذ تعرضت لضغوط هبوطية نتيجة تخمة المعروض المستمرة في السوق العالمية. هذه التخمة، التي عززتها مستويات المخزونات المرتفعة في الاقتصادات الكبرى، هي ما أبقت السوق في حالة من الحذر. ومع ذلك، ساهمت التوقعات بانتهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة في كبح جماح الخسائر. هذا الترقب لانتهاء الأزمة السياسية في واشنطن يمثل طوق نجاة مؤقت، حيث يرى التجار أن استقرار أكبر اقتصاد في العالم ضروري لدعم الطلب على الطاقة، مما يدعم تفاؤل المستثمرين بشأن انتعاش محتمل في الطلب على الخام.

المعروض الوفير يقيد مكاسب أسعار النفط

سجلت العقود الآجلة لخام برنت انخفاضا بواقع 60 سنتاً، أي ما يعادل 0.9%، لتصل إلى 64.56 دولاراً للبرميل. وعلى المنوال ذاته، تراجعت أسعار النفط الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط (WTI) بنحو 62 سنتاً، أي حوالي 1%، لتستقر عند 60.42 دولاراً للبرميل. وتأتي هذه الانزلاقات الطفيفة بعد مكاسب ملحوظة سجلها الخام يوم الثلاثاء، مما يسلط الضوء على حالة التردد والتقلب الشديدة التي تهيمن على حركة التداول اليومية. هذا التذبذب يؤكد أن المتداولين يبحثون عن أي محفز واضح، سواء كان إيجابياً أو سلبياً، للخروج من حالة الجمود.

وفي تعليقه على هذه الحركة، أشار أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في “ساكسو بنك”، إلى أن: “سوق خام برنت وغرب تكساس لا يزال عالقاً بين القوتين المتعارضتين، وتأتي معظم أنشطة التداول من المضاربات قصيرة الأجل”. وبحسب المحللين، فإن سيطرة المضاربات تشير إلى غياب محفزات أساسية قوية كافية لتحديد اتجاه مستدام للأسعار. وتعود حالة “التعثر” هذه بالدرجة الأولى إلى التخمة في المعروض، وهو عامل حدد المحللون مسبقاً أنه يقوض أي مكاسب سعرية كبيرة.

أما بخصوص تحالف “أوبك+”، فقد اتفق في وقت سابق من هذا الشهر على تعليق خطط زيادة إنتاجه خلال الربع الأول من العام المقبل، بعد أن كان قد بدأ في التراجع عن تخفيضات الإنتاج منذ أغسطس. ورغم هذا القرار، يرى بعض المحللين أن هذا التعليق لم يكن كافياً لإحداث صدمة سعرية إيجابية، بل كان بمثابة إجراء احترازي لضمان عدم تفاقم التخمة الحالية في المعروض وتوفير قاعدة سعرية مستقرة للخام. ويظل التزام الأعضاء بهذا التعليق هو العامل الأهم الذي يراقبه السوق لتقييم مدى فاعلية إجراءات التحالف في دعم أسعار النفط العالمية.

تأثير الإغلاق الحكومي الأمريكي على استهلاك النفط

على الجانب المقابل، لعبت التطورات السياسية في الولايات المتحدة دوراً حاسماً في الحد من عمق خسائر أسعار النفط. توقعات انتهاء الإغلاق الحكومي، بعد أن وقّع مجلس النواب الذي يسيطر عليه الجمهوريون على مشروع قانون لاستعادة التمويل للوكالات الحكومية حتى 30 يناير، عززت المعنويات في السوق.

ويأتي هذا الدور الحاسم للتطورات الأمريكية نظراً لارتباط استهلاك الطاقة بشكل وثيق بالنشاط الاقتصادي وحركة النقل. إن إنهاء الإغلاق الحكومي يعني عودة مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين إلى العمل واستئناف صرف رواتبهم، مما يغذي ثقة المستهلكين وقدرتهم الشرائية بشكل فوري. كما يؤدي هذا الاستقرار إلى استئناف العمليات في العديد من الوكالات الحكومية التي تعتمد عليها الصناعات، مثل وكالات الإحصاء والبيانات الاقتصادية، مما يقلل من حالة عدم اليقين التي خنقت التخطيط الاستثماري ودفعت بالاقتصاد إلى حالة من التباطؤ الحذر.

ووفقاً لتوني سيكامور، محلل الأسواق في “آي جي”، فإن إعادة فتح الحكومة الأمريكية من شأنها أن “تعزز ثقة المستهلك والنشاط الاقتصادي”، مما يحفز بدوره الطلب على النفط الخام ويتوقع المحللون أن يترجم هذا الاستقرار السياسي إلى زيادة فورية في التنقل وحركة السفر، وبالتالي زيادة الطلب على البنزين ووقود الطائرات.

الطلب العالمي في ازدياد وتغيير في منهجية التقييم

وفي سياق متصل، قدمت وكالة الطاقة الدولية (IEA) تحديثاً مهماً لتوقعاتها طويلة الأجل. فقد توقعت الوكالة في “توقعات الطاقة العالمية” السنوية أن يستمر الطلب العالمي على النفط والغاز في النمو حتى عام 2050.

هذا التحديث الذي قدمته وكالة الطاقة الدولية له دلالات عميقة في أروقة سوق الطاقة. لقد كان التحول في التوقعات ناتجاً عن إصرار الوكالة على الابتعاد عن منهجية التنبؤ التي كانت تعتمد على الالتزامات والتعهدات المناخية التي تقدمها الدول (وهي غالباً ما تكون طموحة)، والعودة إلى نهج أكثر واقعية يأخذ في الاعتبار فقط السياسات المناسبة الحالية والمطبقة بالفعل. ويمثل هذا التوقع تحولاً عن التوقعات السابقة لوكالة الطاقة الدولية التي كانت تشير إلى أن الطلب على النفط سيبلغ ذروته هذا العقد، حيث يشير التغيير إلى اعتراف من الوكالة بأن التحول العالمي للطاقة نحو البدائل النظيفة قد يكون أبطأ مما كان متوقعاً في السابق، مما يضمن استمرار هيمنة النفط والغاز كعناصر حيوية لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة على مستوى العالم حتى منتصف القرن.

وختاماً، وعلى الرغم من هذا التفاؤل الطويل الأمد الذي تظهره وكالة الطاقة الدولية، تبقى الحقيقة أن أسعار النفط على المدى القصير ستخضع لسيف المعروض الوفير. هذه المفارقة تخلق تحدياً للمستثمرين؛ حيث يتوجب عليهم الموازنة بين الحاجة الفورية لتصريف الفائض وبين التوقعات المستقبلية التي تضمن قاعدة طلب مستدامة. ولذلك، تترقب الأسواق بحذر بالغ التقارير المرتقبة من منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، حيث ستقدم هذه التقارير بيانات محدثة حول مستويات الإنتاج والمخزونات الفعلية، مما سيشكل أرضية صلبة لتحديد اتجاه أسعار النفط في الأجل القريب والبعيد.

اقرأ أيضا….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى