أسعار النفط ترتفع.. صراع العقوبات ومخاوف تخمة المعروض

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً اليوم، حيث يوازن المستثمرون في السوق بين المخاطر الناجمة عن العقوبات الأمريكية الأخيرة على روسيا وبين المخاوف المتزايدة بشأن تخمة المعروض النفطي العالمي. وقد سجلت العقود الآجلة لخام برنت ارتفاعاً بنسبة 1.1% لتصل إلى 64.73 دولار للبرميل، فيما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بنسبة مماثلة ليبلغ 60.78 دولار للبرميل. هذا التوازن الدقيق يضع الأسواق أمام تحدي التكهن بالاتجاه المستقبلي للطاقة، إذ يتشابك فيه التوتر الجيوسياسي مع ديناميكيات الإنتاج التقليدية.
العقوبات الأمريكية تضغط على سوق الوقود المكرر
تستمر تداعيات العقوبات الأمريكية المفروضة على شركات النفط الروسية الكبرى في التأثير على كل من أسواق الخام والوقود المكرر. وفي أكبر تداعٍ للعقوبات حتى الآن، أعلنت شركة “لوك أويل” (Lukoil) حالة القوة القاهرة في حقل نفطي عراقي تديره، وفقاً لما نقلته مصادر لرويترز. ويُعد إعلان حالة القوة القاهرة، على الرغم من كونه إجراءً قانونياً، مؤشراً قوياً على حالة الاضطراب اللوجستي والمالي التي تضرب قطاع الطاقة الروسي نتيجة لتعقيدات الامتثال المصرفي والشحن. أسعار النفط وإن كانت ترتفع بفعل هذا التوتر الجيوسياسي، إلا أن التركيز يتحول نحو منتجات الطاقة المكررة.
فقد تسببت القيود المفروضة على صادرات الوقود المكرر نتيجة لتلك العقوبات في إحداث فجوة إمدادات في الأسواق العالمية، وهو ما يدعم أسعار النفط الخام بشكل غير مباشر، متجاوزاً إشارات وجود فائض في المعروض من الخام. ويؤكد تاماس فارغا، المحلل في PVM، أن العقوبات الأمريكية الجديدة تضغط على صادرات المشتقات، مما يجعل أسواق زيت التدفئة/الغاز والديزل والبنزين تسير في اتجاه مختلف عن اتجاهات النفط الخام. هذه الديناميكية تخلق حالة من الانفصال بين أسعار الخام وأسعار المشتقات.
على سبيل المثال، وصل الفارق السعري لعقود الديزل الأوروبي مقابل خام برنت، المعروف باسم “فروق التكسير” (Crack Spreads)، إلى أعلى مستوى له في 21 شهراً متجاوزاً 31.50 دولار للبرميل، بينما وصلت هوامش أرباح البنزين الأوروبي إلى أعلى مستوياتها في 18 شهراً لتلامس 21 دولاراً للبرميل. هذا الصعود الحاد في فروق التكسير يشير إلى ضغط غير مسبوق على مصافي التكرير الأوروبية لتأمين إمداداتها من الديزل والبنزين، مما يعكس شحاً هيكلياً في المنتجات النهائية.
تخمة المعروض تكبح جماح صعود أسعار النفط
على الجانب الآخر، تظل المخاوف بشأن تخمة المعروض النفطي عاملاً رئيسياً في الحد من نطاق ارتفاع أسعار النفط. وقد اتفقت مجموعة أوبك+ (التي تضم منظمة البلدان المصدرة للنفط وحلفاءها مثل روسيا) في وقت سابق من هذا الشهر على زيادة أهداف الإنتاج لشهر ديسمبر بمقدار 137 ألف برميل يومياً، مع الموافقة على وقف مؤقت لزيادات الإنتاج خلال الربع الأول من العام المقبل.
تكمن جذور هذا القلق في قرار أوبك+ الأخير، الذي بالرغم من تضمنه لوقف مؤقت للزيادات في الربع الأول، إلا أنه أشار بوضوح إلى خطة مستمرة لزيادة الإمدادات. هذه الزيادات الممنهجة، التي أضافت مليوني برميل يومياً إلى الإنتاج منذ أبريل الماضي، تشكل الأساس لمخاوف التخمة المتوقعة. ويرى محللو “كوميرزبانك” أن سوق النفط يواجه تخمة كبيرة قادمة في العام المقبل، مما يجعل أسعار النفط عرضة للضغوط، خاصةً مع احتمال عودة الإنتاج من مصادر غير أعضاء في أوبك، مثل النفط الصخري الأمريكي، مع استقرار الأسعار فوق مستويات معينة.
ويُقدر محللو “كوميرزبانك” أن الرغبة المعلنة ضمن المجموعة في التراجع التدريجي عن التخفيضات الطوعية قد تطلق مليون برميل إضافي يومياً إلى السوق بعد انتهاء فترة التوقف المؤقت في الربع الأول، مما يزيد من الضغط الهبوطي. ولا يقتصر مؤشر التخمة على قرارات الإنتاج فحسب، بل يتجلى أيضاً في الأسواق المادية: فقد أدى تشديد العقوبات الغربية على صادرات النفط الروسي المتجهة إلى الهند والصين إلى تضاعف حجم النفط المخزن عائماً على متن السفن في المياه الآسيوية. هذا التخزين العائم هو إشارة سلبية تحمل تكاليف مالية كبيرة (رسوم الانتظار/التأخير) وتدل على صعوبة إيجاد مشترين فوريين، مما يعزز توقعات المحللين بأن الأسعار ستظل تحت ضغط كبير في المدى المتوسط.
وفي سياق أوسع لدعم الأسواق، تلقى المستثمرون دعماً من احتمالية انتهاء أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة هذا الأسبوع، بعد موافقة مجلس الشيوخ على حل وسط يعيد التمويل الفيدرالي.
اقرأ أيضا…


