أسعار النفط تتجه نحو خسارة أسبوعية ثانية وسط مخاوف التخمة وتراجع الطلب الأمريكي

تبدو أسعار النفط العالمية في طريقها لتسجيل انخفاض أسبوعي ثانٍ على التوالي، لتؤكد بذلك استمرار الضغط الهبوطي الذي تواجهه الأسواق. ويأتي هذا التراجع، رغم ارتفاع طفيف شهدته عقود النفط يوم الجمعة، مدفوعاً بثلاثة أيام من الخسائر المتتالية التي غذتها المخاوف المتجددة بشأن فائض المعروض وتباطؤ الطلب في الولايات المتحدة. هذه الإشارات السلبية غلبت تأثير أي محاولات صعودية في السوق.
وقد استقرت العقود الآجلة لخام برنت بارتفاع بنسبة 0.9% لتصل إلى 63.93 دولار للبرميل، فيما ارتفع خام غرب تكساس (WTI) بنسبة 1% ليبلغ 60.03 دولار. ومع ذلك، لا يزال كلا المعيارين يتجهان لتسجيل انخفاض أسبوعي يتجاوز 1.5%، في ظل مؤشرات واضحة على أن كبار المنتجين العالميين يزيدون من مستويات الإنتاج، وهو ما وصفه بعض المحللين بأنه “موازنة مستمرة بين الفائض الصاعد والإشارات الكلية المختلطة”.
التخمة في المعروض تعود إلى الواجهة وتكشف عن ضبابية الطلب
يُشير المحللون الاقتصاديون إلى أن السوق تستمر في الموازنة بين الزيادة المحتملة في فائض النفط وبين الإشارات الاقتصادية الكلية المختلطة. وقد تفاقمت مخاوف التخمة بشكل خاص بعد إعلان إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) عن زيادة غير متوقعة في مخزونات النفط الخام بلغت 5.2 مليون برميل. هذا الارتفاع الكبير في مخزونات الخام الأمريكية، والذي جاء خلافاً لتوقعات السوق التي كانت تميل للانخفاض، يُلقي بظلاله على التوقعات.
وتُعزى هذه الزيادة إلى ارتفاع الواردات وانخفاض نشاط التكرير المحلي، وهو ما يوحي بأن مصافي التكرير تتوقع تباطؤاً في الطلب على المنتجات المكررة مثل البنزين والديزل في الأسابيع المقبلة، مما يقلل حاجتها لتخزين الخام. هذا السيناريو يُشعل المخاوف بشأن ضعف الطلب في أكبر مستهلك للنفط في العالم.
وتعكس القرارات الأخيرة للمنتجين هذا القلق والحذر:
- قرار أوبك+: على الرغم من أن تحالف “أوبك+” قرر زيادة الإنتاج بشكل طفيف في ديسمبر، إلا أنه أوقف المزيد من الزيادات المخطط لها للربع الأول من العام المقبل، تحسباً لوفرة المعروض. قرار “أوبك+” بإيقاف الزيادات المستقبلية يعكس تقييماً واقعياً لضبابية المشهد الاقتصادي العالمي، ويُظهر خوفاً من تكرار سيناريو التخمة السابقة في ظل تباطؤ محتمل في النمو.
- المملكة العربية السعودية: أعلنت الرياض عن تخفيض حاد في أسعار نفطها للمشترين الآسيويين لشحنات ديسمبر، وهي خطوة تعكس التقييم الحذر لحالة السوق المتمتعة بوفرة الإمدادات. هذا التخفيض في الأسعار الآسيوية يُعدّ مؤشراً قوياً على احتدام المنافسة على الحصص السوقية في القارة الآسيوية، التي تُعدّ المحرك الرئيسي لنمو الطلب العالمي على المدى الطويل.
ضغوط الطلب الأمريكي وتأثير الإغلاق الحكومي على الشفافية
بالإضافة إلى بيانات المخزونات، فقد تأثرت أسعار النفط بالضغوط الناجمة عن المخاوف المتعلقة بتأثير أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة. لقد خلق هذا الإغلاق حالة من عدم اليقين في السوق، ليس فقط بسبب تأثيره المباشر على الاقتصاد الفعلي (مثل تراجع الحركة الجوية بعد أمر بخفض عدد الرحلات الجوية في المطارات الرئيسية بسبب نقص المراقبين الجويين)، بل أيضاً لأنه يعطل نشر البيانات الرسمية الموثوقة، مما يضطر التجار إلى الاعتماد على التقارير الخاصة التي تفتقر للدقة اللازمة.
كما تشير تقارير غير رسمية إلى ضعف في سوق العمل الأمريكي خلال أكتوبر، وتترجم المخاوف من ضعف سوق العمل إلى توقعات مباشرة بانخفاض استهلاك الطاقة، حيث يقل استخدام الوقود اللازم للتنقل الشخصي والتجاري مع تراجع الثقة في الاقتصاد وتزايد احتمالات الركود. هذه العوامل تساهم مجتمعة في الضغط السلبي على توقعات الطلب على الوقود والنقل.
العقوبات الجيوسياسية تقدم دعماً محدوداً وتخلق حالة من الترقب
في المقابل، قدمت التوترات الجيوسياسية دعماً محدوداً لـ أسعار النفط العالمية. فقد أدت العقوبات الأوروبية والأمريكية على روسيا وإيران إلى تعطيل الإمدادات الموجهة لأكبر مستوردين في العالم، وهما الصين والهند، مما يمنع وصول كميات كبيرة من النفط إلى الأسواق العالمية ويخفف من حدة التخمة.
وفي هذا السياق، أظهرت بيانات الجمارك أن واردات الصين من النفط الخام في أكتوبر ارتفعت بنسبة 2.3% مقارنة بسبتمبر، وبنسبة 8.2% مقارنة بالعام الماضي. ويرى المحللون أن استمرار الصين في استيراد كميات كبيرة من النفط واستخدام مصافيها بمعدلات مرتفعة يسحب هذه البراميل من السوق، وخاصة من أسواق دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) حيث لا تزال المخزونات منخفضة نسبياً.
ويُضاف إلى المشهد الجيوسياسي قرار شركة “غونفور” السويسرية لسوق السلع الأساسية بسحب عرضها لشراء أصول تابعة لشركة “لوك أويل” الروسية، بعد أن وصفتها الخزانة الأمريكية بـ “العميل الروسي”. ويُنظر إلى هذا التطور على أنه دليل على استمرار واشنطن في حملة “الضغط الأقصى” على روسيا، مما يشير إلى تشديد محتمل في تطبيق العقوبات على كيانات روسية كبرى. هذا الضغط يساهم في إبقاء حالة من عدم اليقين بخصوص الإمدادات الروسية، مما يوفر نقطة دعم نفسية للأسعار العالمية في مواجهة زخم التخمة.
الخلاصة والتوقعات
رغم الارتفاع الطفيف في نهاية الأسبوع، لا يزال الاتجاه العام يشير إلى أن أسعار النفط تحت ضغط مستمر بفعل قوى العرض والطلب. إن التخمة المتزايدة في المعروض العالمي، مدعومة بزيادة الإنتاج وارتفاع المخزونات الأمريكية، تفوق حالياً الدعم المقدم من العقوبات الجيوسياسية وارتفاع الطلب الصيني. وسيظل التركيز منصباً على بيانات الطلب الأمريكي المستقبلية والتحركات التكتيكية لتحالف أوبك+، خاصة وأن إيقاف الزيادات المستقبلية يوحي بأن المجموعة تتجهز للتدخل بقوة في حال استمرت المخاوف بشأن التخمة في التزايد، لتحديد المسار الذي ستسلكه أسعار النفط خلال الربع القادم.
اقرأ أيضا…


