لماذا تراجع سعر البيتكوين اليوم ؟
تحليل أسباب تدفقات صناديق ETF وعمليات التصفية

شهدت سوق العملات المشفرة موجة بيع حادة مؤخراً، كان بطلها الرئيسي تراجع سعر البيتكوين الذي هوى إلى أدنى مستوياته منذ أواخر يونيو، ليلامس حوالي $103,849. لم يكن هذا التراجع مجرد تصحيح عابر، بل كان نتيجة لتضافر عدة عوامل ضخمة، أبرزها التدفقات الخارجة الكبيرة من صناديق المؤشرات المتداولة للبيتكوين (ETFs) وعمليات التصفية الهائلة للمراكز المرفوعة. هذا المستوى السعري يمثل نقطة دعم حرجة؛ فإذا تم اختراقها باستمرار، فقد يشير ذلك إلى تحول أعمق في هيكل السوق على المدى القريب، مما يزيد من القلق بين المستثمرين الذين دخلوا السوق مؤخراً.
الضغط المزدوج: صناديق ETF وعمليات التصفية الكبرى
يشير التحليل الاقتصادي إلى أن الانخفاض الأخير في سعر البيتكوين، والذي سجل تراجعاً بنسبة 17.5% من ذروة أكتوبر التي تجاوزت $126,000، قد تم تسريعه بفعل آليتين رئيسيتين:
- نزيف صناديق ETF والآلية السلبية: مثلت التدفقات الخارجة من صناديق البيتكوين المتداولة في البورصة (Spot Bitcoin ETFs) ضغطاً سلبياً كبيراً. فمع قيام المستثمرين باسترداد حصصهم في هذه الصناديق، يضطر مديرو الصناديق إلى بيع ما يقابلها من عملات البيتكوين لتمويل هذه الاستردادات. تخلق هذه الآلية حلقة مفرغة من “ردود الفعل السلبية” (Negative Feedback Loop) حيث تزيد المبيعات من الضغط الهبوطي على سعر البيتكوين، مما يزيد من المخاوف ويشجع المزيد من عمليات السحب. وقد سجلت هذه الصناديق، بما فيها صناديق الإيثيريوم الفورية، سحوبات بمئات الملايين من الدولارات في فترات قصيرة. هذه الاستردادات غالباً ما تأتي من المستثمرين المؤسسيين الأوائل الذين يجنون الأرباح بعد فترة من الارتفاع القوي، مما يشير إلى تحول في تخصيص الأصول نحو فئات أكثر أماناً مؤقتاً.
- موجة التصفية الضخمة (Liquidation Event) وتأثير الشلال: تزامن التراجع مع حدث تصفية تاريخي، حيث تم مسح ما قيمته 1.37 مليار دولار أمريكي من المراكز المرفوعة (Leveraged Positions) في سوق المشتقات. وكانت الغالبية العظمى من هذه التصفية هي مراكز شراء (Long Positions)، مما يعني أن المتداولين الذين راهنوا على استمرار ارتفاع الأسعار اضطروا إلى البيع القسري عند وصولهم إلى مستوى الهامش. هذه التصفية القسرية تزيد من ضغوط البيع الفورية وتساهم في زيادة تقلبات السوق وتقليل السيولة، مما يدفع سعر البيتكوين إلى الانزلاق بشكل أسرع وأعمق في ما يعرف باسم “تأثير الشلال” أو “Long Squeeze”.
النفور العالمي من المخاطرة والشكوك الاقتصادية الكلية
لا يمكن فصل الأداء الأخير للعملات المشفرة عن المشهد الاقتصادي الكلي الأوسع. فالتراجع الحاد يغذي “شعور النفور من المخاطرة” (Risk-Off Sentiment)، حيث يميل المستثمرون إلى الانسحاب من الأصول الأكثر خطورة، مثل العملات المشفرة، والتحول إلى الملاذات الأكثر أماناً مثل الدولار الأمريكي أو سندات الخزانة.
وتساهم عدة عوامل في تأجيج هذا الشعور، منها:
- السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي: حالة عدم اليقين المستمرة بشأن مسار أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وإشارات التشدد النقدي، تخفض شهية المستثمرين للمضاربة في الأصول الرقمية. فكلما ارتفعت أسعار الفائدة، زادت تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بأصل لا يدر عائداً مثل البيتكوين مقارنة بالاستثمار في سندات الخزانة ذات العائد المضمون، مما يسحب السيولة المؤسسية.
- المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة: تزيد التوترات الجيوسياسية العالمية من القلق العام وتدفع رؤوس الأموال للابتعاد عن الأسواق المتقلبة. أي تصعيد كبير في الصراعات الإقليمية أو التوترات التجارية يمكن أن يتسبب في “هروب” جماعي نحو الأصول الاحتياطية.
- البيانات الاقتصادية الضعيفة: القلق بشأن صحة الاقتصاد العالمي وضعف بيانات التصنيع الأمريكية يضيف مزيداً من الأسباب لـ”تجميد” الاستثمارات في الأصول عالية المخاطر. فتباطؤ النمو يعني توقع انخفاض السيولة المتاحة للمضاربة.
تداعيات التراجع على الإيثيريوم وسوق العملات المشفرة الإجمالي
لم يسلم الإيثيريوم (Ethereum)، ثاني أكبر عملة مشفرة، من هذه الضغوط، حيث انخفض سعر العملة بنحو 6% ليصل إلى $3,630، موسعاً خسائره الشهرية إلى حوالي 19%. وقد أدت هذه الضغوط المتزايدة إلى هبوط القيمة السوقية الإجمالية لقطاع العملات المشفرة بأكمله إلى ما يقرب من 3.5 تريليون دولار أمريكي. يُنظر إلى أداء الإيثيريوم على أنه مقياس رئيسي لصحة سوق العملات البديلة (Altcoins) الأوسع، ويشير ضعفه إلى انكماش المخاطرة عبر القطاع بأكمله.
على الرغم من الزخم الهبوطي، تظهر إشارات تقنية خاصة بالإيثيريوم تشير إلى وجود مناطق دعم قوية. تشير البيانات على السلسلة (On-chain signals) إلى أن هناك مناطق تراكم كبيرة لعملة الإيثيريوم بالقرب من نطاق $3,649 – $3,686. هذا التراكم يمثل عادةً محافظ الحائزين على المدى الطويل (Long-Term Holders) الذين يرون أن الأسعار الحالية فرصة للشراء، مما يوفر حماية ضد المزيد من الانخفاضات الحادة في الأجل القريب ويشكل جداراً قوياً للمشترين.
الخلاصة: نظرة حذرة تتطلع إلى الدعم التاريخي والأسس الهيكلية
يتضح أن ضعف سعر البيتكوين الحالي مدفوع بشكل أساسي بالتدفقات الخارجة من صناديق المؤشرات والتصفية القاسية للمراكز المرفوعة، وكلتاهما تعملان كعوامل مضخمة لـ”موجة النفور من المخاطرة” التي تسود الأسواق العالمية. وبينما تبقى التوقعات على المدى القريب حذرة بسبب استمرار المخاطر الكلية المتعلقة بقرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي والصحة الاقتصادية، تشير الأنماط التاريخية إلى أن البيتكوين غالباً ما تجد مستويات دعم وتستعيد توازنها بعد أن تتلاشى مثل هذه الأحداث المفاجئة. يجب على المستثمرين مراقبة مناطق الدعم الرئيسية، خاصة وأن الأسس الهيكلية للسوق (مثل التبني المؤسسي والتطور التقني للشبكة) لم تتغير. هذا التراجع يمثل اختباراً لقناعة المتداولين الجدد، لكن التعافي يظل رهناً بتحسن شهية المخاطرة العالمية.
اقرأ أيضا…


