أخبار الأسواقأخبار البيتكوينعملات رقمية

لماذا تراجع سعر البيتكوين (Bitcoin) فجأة بعد تشديد نبرة الاحتياطي الفيدرالي؟

تصفية 400 مليون دولار

شهد سوق العملات المشفرة موجة بيع حادة يوم الإثنين، 3 نوفمبر، حيث تراجعت القيمة السوقية الإجمالية للسوق بنسبة تقارب 3% لتصل إلى 3.69 تريليون دولار. كان المحرك الرئيسي وراء هذا التراجع الجماعي هو ضعف معنويات المخاطرة عالمياً، مدفوعاً بتصريحات حذرة وغير متوقعة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed)، مما ألقى بظلال من الشك على آفاق التيسير النقدي. جاء هذا التفاعل العنيف بسبب حالة التفاؤل المفرط التي سبقت الإعلانات، حيث كانت الأسواق قد بنت مراكزها على يقين شبه تام بأن الفيدرالي سيلتزم بمسار خفض الفائدة، مما جعلها هشة وعرضة للتصحيح الحاد بمجرد أن تعرضت هذه التوقعات للطعن.

تصفية عقود بـ 400 مليون دولار

كانت التأثيرات المباشرة على متداولي المشتقات حادة ومؤلمة. تشير بيانات “CoinGlass” إلى أن أكثر من 162 ألف متداول قد تمت تصفية مراكزهم خلال 24 ساعة الماضية، ليبلغ إجمالي الخسائر في العقود الآجلة حوالي 395.7 مليون دولار.

الملاحظة الأهم هنا هي أن 334.7 مليون دولار من هذا المبلغ كانت مراكز شراء (Long Positions). وهذا يدل بوضوح على أن المتداولين الذين استخدموا الرافعة المالية للمراهنة على ارتفاعات إضافية في سعر البيتكوين والعملات البديلة قد فوجئوا بالانعكاس المفاجئ، مما أدى إلى تفعيل عمليات التصفية المتتالية التي زادت من ضغط البيع.

إن حقيقة أن الغالبية العظمى من التصفية كانت لمراكز الشراء تسلط الضوء على مستوى الرافعة المالية المفرط الذي كان سائداً في السوق قبل التصحيح. عندما بدأ سعر البيتكوين في الانزلاق، تسببت أوامر وقف الخسارة والتصفية الإجبارية في بيع آلي لكميات كبيرة، مما أدى إلى تأثير متسلسل (Cascading Effect)، حيث يزيد كل بيع جديد من الضغط على السعر، مما يصفّي المزيد من المراكز. هذا النوع من “الضغط على المراكز الطويلة” (Long Squeeze) هو ما يحول التراجع البسيط إلى انهيار حاد في الأسعار في غضون ساعات قليلة.

تأثير نبرة الفيدرالي المتشددة على سعر البيتكوين

جاء هذا الهبوط في أعقاب تعليقات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، الذي أشار إلى أن خفض سعر الفائدة في ديسمبر/كانون الأول “ليس أمراً حتمياً”، بعد أن كان السوق يتوقع تخفيضاً مؤكداً بنسبة 25 نقطة أساس في أكتوبر. كانت الأسواق تتشبث بأمل ما يسمى بـ “الهبوط الناعم” (Soft Landing)، وهو سيناريو يتم فيه ترويض التضخم دون إحداث ركود اقتصادي مؤلم.

في الوقت نفسه، زادت تصريحات وزير الخزانة سكوت بيسنت من القلق، بتحذيره من أن تشديد الفيدرالي “ربما دفع أجزاء من الاقتصاد، وخاصة قطاع الإسكان، إلى حالة ركود”. ولكن تعليقات باول التي خففت من احتمالية خفض الفائدة، مقترنة بتحذير وزير الخزانة من الركود في قطاع حيوي كالإسكان، قلبت هذه الرواية رأساً على عقب.

وأصبحت الرسالة الآن: إذا جاء التخفيض، فقد يكون دليلاً على أن الاقتصاد يتدهور بالفعل، وليس دليلاً على النجاح. هذه التعليقات عززت فكرة أن التخفيضات المحتملة في أسعار الفائدة قد تأتي نتيجة للضعف الاقتصادي وليس ثقة في “الهبوط الناعم” (Soft Landing)، مما يقلل من جاذبية الأصول عالية المخاطر مثل البيتكوين.

وبالنسبة لأصول المخاطرة مثل البيتكوين، التي تعتبر أداة ذات “معامل بيتا مرتفع” مقابل سوق الأسهم، فإن حالة الركود المتوقعة تعني بيعاً مباشراً وهرباً لرؤوس الأموال بحثاً عن أمان السندات والدولار، مما يفسر التراجع العنيف.

نتيجة لذلك، انخفضت احتمالية خفض أسعار الفائدة في ديسمبر، وفقاً لأداة CME FedWatch، إلى 69.3%، بعد أن كانت أعلى بكثير في وقت سابق.

هروب رؤوس الأموال المؤسسية وتدفقات ETFs

تزامنت حالة عدم اليقين الكلي هذه مع بيانات سلبية من الصناديق المتداولة في البورصة (ETFs) الخاصة بالبيتكوين في الولايات المتحدة. أظهرت بيانات “Fairside” أن صناديق البيتكوين الفورية سجلت سحوبات كبيرة الأسبوع الماضي، بلغت 1.15 مليار دولار، بقيادة صناديق من بلاك روك (BlackRock) وآرك إنفست (ARK Invest) وفيدلتي (Fidelity).

وإن قيادة هذه الصناديق الكبرى لعمليات السحب أمر بالغ الأهمية، حيث أنها تعتبر منارة توجه المستثمرين المؤسسيين الأقل خبرة. هذا يشير إلى تحول منهجي في موقف مديري الأصول الكبار، الذين يفضلون تقليل انكشافهم بشكل استباقي في بيئة ترتفع فيها عائدات السندات ويزداد فيها خطر تباطؤ النمو الاقتصادي، مفضلين السيولة على العوائد المحتملة للأصول الرقمية.

يشير هذا التراجع في تدفقات صناديق البيتكوين المتداولة إلى أن المستثمرين المؤسسيين يقللون من انكشافهم على الأصول الرقمية وسط حالة الضبابية الاقتصادية وتراجع الزخم الصعودي.

العملات البديلة تتحمل العبء الأكبر

تسببت عمليات تصفية العقود في دفع سعر البيتكوين إلى ما دون مستوى 107,500 دولار، مما أشعل موجة بيع أوسع. تحملت العملات البديلة (Altcoins) خسائر أثقل، حيث تراجعت أفضل 50 عملة بنسبة تقارب 4% في 24 ساعة. يعود ذلك إلى كونها تفتقر إلى عمق سيولة البيتكوين، مما يجعلها أكثر عرضة للتقلبات الحادة في أوقات الذعر. ففي حين أن البيتكوين يمثل قاعدة الأصول الرقمية، فإن معظم متداولي العملات البديلة يستخدمون رافعة مالية أعلى بكثير، ما يعرضهم للتصفية بشكل أسرع وأكثر عنفاً. العملات ذات الرأسمال السوقي الأصغر شهدت انخفاضات تجاوزت الـ 8% في بعض الحالات.

  • الإيثيريوم (ETH): انخفض بنسبة 4.4% إلى 3,734 دولاراً.
  • بينانس كوين (BNB): تراجع بنسبة 4.8% إلى 1,039 دولاراً.
  • سولانا (SOL): شهدت تصفية عقود بقيمة 35 مليون دولار.

وبينما تتراجع العملات البديلة، ارتفعت هيمنة البيتكوين (Bitcoin Dominance) إلى 60.15%، مما يعكس تحولاً في السوق نحو الأصول الأكثر استقراراً نسبياً كطريقة لتقليل المخاطر. هذه هي إشارة كلاسيكية على أن المستثمرين يبيعون العملات البديلة الأشد خطورة، ويحولون السيولة المتبقية إلى البيتكوين كـ “ملاذ آمن نسبي” داخل عالم العملات المشفرة، على أمل أن يكون هو أول من يتعافى. ويحذر المحللون من أن هبوط البيتكوين إلى ما دون 106,000 دولار قد يطلق موجة تصفية إضافية تصل قيمتها إلى 6 مليارات دولار، مما يفاقم التصحيح الحالي.

خلاصة وتوقعات السوق

أغلق البيتكوين شهر أكتوبر على تراجع بنسبة 3.7%، مسجلاً أسوأ أداء له في شهر “أكتوبر الصاعد” (Uptober) منذ عام 2018. ويبقى مؤشر “الخوف والجشع” للعملات المشفرة في منطقة “الخوف” عند 42، مما يؤكد الحذر المستمر في السوق.

يظل المتداولون في حالة ترقب حذر لتقرير الوظائف الأمريكي الذي سيصدر يوم الجمعة، والذي يُتوقع أن تكون له كلمة الفصل في تحديد الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي. هذا التقرير، الذي يشمل أرقام التوظيف في القطاعات غير الزراعية (Non-Farm Payrolls)، يُعد مقياساً حاسماً للصحة الاقتصادية العامة والضغط التضخمي المحتمل من سوق العمل.

إن أي مفاجأة صعودية أو هبوطية فيه يمكن أن تعيد تسعير كامل توقعات خفض الفائدة، مما يؤثر بشكل مباشر وفوري على جاذبية الأصول ذات المخاطر العالية مثل العملات المشفرة. حتى يتحسن الوضوح الاقتصادي الكلي وتتلاشى حالة عدم اليقين، من المرجح أن يستمر المستثمرون في تقليص مراكز المخاطرة.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى