أسعار النفط تتجه نحو التراجع الشهري الثالث: ضغوط الدولار والمعروض العالمي

تتجه أسعار النفط الخام لتسجيل انخفاضها الشهري الثالث على التوالي، مؤكدة هيمنة الاتجاه الهبوطي في السوق، وهي ظاهرة تشير إلى تحول جذري في تركيز المستثمرين. يأتي هذا التراجع اللافت، الذي يوشك أن يسجل انخفاضاً بنحو 3.5% لخامي برنت وغرب تكساس الوسيط (WTI) خلال شهر أكتوبر، ليؤكد أن ديناميكيات العرض والطلب العالمية، بالإضافة إلى عوامل الاقتصاد الكلي، هي المحركات الرئيسية لحركة أسعار النفط في الوقت الراهن، متفوقة على أي مخاوف جيوسياسية قصيرة الأجل.
الدولار القوي وتباطؤ الطلب الصيني يفاقمان الضغوط
تُعدّ قوة الدولار الأمريكي من أبرز العوامل الضاغطة على أسواق السلع. فقد اقترب الدولار من أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر مقابل العملات الرئيسية، وهي قوة مدفوعة بتوقعات استمرار تشديد السياسة النقدية من قبل الاحتياطي الفيدرالي في ظل التضخم المستمر. هذا الارتفاع يجعل شراء السلع المقومة بالدولار، مثل النفط الخام، أكثر تكلفة بشكل مباشر بالنسبة للمشترين الذين يستخدمون عملات أضعف، مما يقلل من قوتهم الشرائية ويحد من جاذبية النفط، وبالتالي يقلل من الطلب العالمي الفوري.
في الوقت نفسه، تلقى الطلب العالمي صدمة سلبية من بيانات النشاط الصناعي في الصين، ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم. فقد أظهر مسح رسمي أن نشاط المصانع الصينية قد انكمش للشهر السابع على التوالي في أكتوبر. هذا الانكماش المطول يثير المخاوف حول صحة النمو الاقتصادي في الصين ويؤثر بشكل مباشر على استهلاك الوقود الصناعي، مثل الديزل وزيت الوقود الثقيل، المستخدم في قطاعات التصنيع والنقل. وقد انعكس هذا التباطؤ مباشرة على عقود خام برنت الآجلة التي انخفضت لتسجل 64.62 دولاراً للبرميل، فيما وصل خام غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى 60.19 دولاراً للبرميل.
سياسة “أوبك+” الدفاعية ووفرة المعروض الخليجي
تأتي الضغوط الأكبر من جانب المعروض العالمي، حيث كثفت منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفاؤها (“أوبك+”) من إنتاجها بهدف استعادة حصتها في السوق في بيئة تزداد فيها المنافسة. تشير التقارير إلى أن أعضاء “أوبك+” يتجهون نحو الموافقة على زيادة متواضعة أخرى في الإنتاج خلال اجتماعهم المقبل، وهي خطوة تعكس المرونة في استراتيجيتهم المتمثلة في ضخ ما يزيد عن 2.7 مليون برميل يومياً على مدار الأشهر الماضية. هذا الارتفاع المتعمد في الإنتاج، الذي يمثل حوالي 2.5% من الإمدادات العالمية، هو خطوة دفاعية للحفاظ على الحصة السوقية في مواجهة ارتفاع الإنتاج خارج المجموعة.
وفي خطوة تعكس وفرة الإمدادات، أفادت تقارير بأن المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، قد تُخفض سعر خامها لشهر ديسمبر للمشترين الآسيويين إلى أدنى مستوى له منذ عدة أشهر. هذا الإجراء التنافسي يهدف إلى تأمين الطلب في السوق الآسيوية سريعة النمو ويأتي كاستجابة مباشرة لوفرة الإمدادات العالمية ولتأمين حصتها في مواجهة النفط الروسي الذي يجد طريقه إلى كبار المشترين مثل الصين والهند على الرغم من العقوبات الغربية. وقد عززت الصادرات السعودية، التي بلغت أعلى مستوياتها في ستة أشهر عند 6.407 مليون برميل يومياً في أغسطس، هذا الاتجاه الهبوطي في أسعار النفط.
الإنتاج الأمريكي القياسي يضع سقفاً للإمدادات
لم تقتصر زيادة المعروض على جهود “أوبك+” فحسب، بل تم تعزيزها بالقفزات القياسية في الإنتاج الأمريكي. فقد سجلت الولايات المتحدة إنتاجاً قياسياً بلغ 13.6 مليون برميل يومياً الأسبوع الماضي، وفقاً لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA). ويُعزى هذا الإنتاج غير المسبوق إلى تحسن كفاءة الحفر والتقدم التكنولوجي في مناطق النفط الصخري الرئيسية، وخاصة في حوض بيرميان. هذا التدفق المستمر للإمدادات الأمريكية يرسخ من وضعها كأكبر منتج للنفط في العالم، ويوفر سقفاً فعلياً يحد من قدرة أسعار النفط على الارتفاع، بغض النظر عن قرارات “أوبك+”.
وفي سياق العوامل الجيوسياسية والتجارية التي تؤثر على التوقعات المستقبلية، ورغم إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن اتفاق الصين على بدء شراء الطاقة الأمريكية، فإن المحللين لا يزالون متشككين حول الأثر الفوري لذلك. ويرجع هذا التشكك إلى أن تحقيق صفقات طاقة ضخمة يتطلب وقتاً طويلاً لتطوير البنية التحتية اللازمة (مثل خطوط الأنابيب ومحطات التصدير)، كما أن التوترات التجارية المستمرة بين البلدين تخلق بيئة استثمارية متقلبة، مما يجعل أي دفعة فورية وكبيرة للطلب الصيني أمراً غير مرجح في المدى القريب.
ختاما إن الاتجاه الحالي لأسواق الطاقة يعكس مزيجاً معقداً من ضغوط الاقتصاد الكلي المتمثلة في قوة الدولار وضعف مؤشرات الطلب الآسيوي، إلى جانب وفرة المعروض التي تشارك فيها استراتيجيات “أوبك+” لضمان الحصة السوقية والإنتاج القياسي غير المسبوق في الولايات المتحدة. هذه العوامل مجتمعة ترسم صورة هبوطية مستمرة لأسواق النفط، حيث يتفوق التركيز على زيادة حصص السوق على الرغبة في تقييد الإمدادات ودفع الأسعار للارتفاع.
اقرأ أيضا…
 
				 
					 
					 
					


