صعود الدولار الأمريكي في ظل تباين قرارات البنوك المركزية

شهد مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعاً قوياً لجلسة ثانية على التوالي، متجاوزاً مستوى 99.5 نقطة، وذلك مدفوعاً بتصريحات رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، التي قللت من توقعات خفض أسعار الفائدة مستقبلاً. يحلل هذا المقال العوامل الاقتصادية والسياسية التي تقف وراء قوة الدولار الأمريكي الأخيرة، وخاصة التباين الواضح في سياسات البيدرالي وبنك اليابان، وتأثيرها على الأسواق العالمية.
الدولار الأمريكي يرتفع: رسالة باول تخفض سقف التوقعات
على الرغم من قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، كما كان متوقعاً يوم الأربعاء، إلا أن الأثر الفعلي على الدولار الأمريكي كان معاكسا للتوقعات التقليدية.
جاء هذا الصعود على خلفية تشديد رئيس الفيدرالي، جيروم باول، على أن خفضاً إضافياً في سعر الفائدة خلال شهر ديسمبر ليس أمراً مضموناً أو مسلماً به. هذه التصريحات، التي حملت نبرة أكثر حذراً، أدّت إلى انخفاض حاد في احتمالات السوق لخفض جديد في ديسمبر، حيث تراجعت من نحو 90% قبل الاجتماع إلى حوالي 68% فقط.
ووصل مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) في آخر تداول إلى 99.49 نقطة بارتفاع 0.35% على أساس يومي، مسجلاً أعلى مستوى له عند 99.72 منذ 1 أغسطس الماضي.
وبينما تتوقع الأسواق أن يكون ضعف سوق العمل مبرراً لخفض الفائدة، إلا أن باول أشار إلى أن الانقسام في آراء أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، بالإضافة إلى عدم توفر صورة كاملة عن البيانات الحكومية، قد يضع خفض سعر الفائدة بعيد المنال هذا العام. ويعد هذا التباين في وجهات النظر داخل البنك المركزي، الذي تمثل في معارضة اثنين من الأعضاء للقرار، سبباً إضافياً لقوة الدولار الأمريكي المستمرة.
الين الياباني يعزز قوة الدولار
العامل الثاني والأكثر تأثيراً في صعود الدولار الأمريكي مقابل عملات رئيسية أخرى، خصوصاً الين، هو موقف بنك اليابان (BOJ). ففي الوقت الذي أقدم فيه الفيدرالي على خفض، وإن كان مشروطاً، حافظ بنك اليابان على أسعار الفائدة مستقرة.
أرسل محافظ بنك اليابان، كازو ويدا، إشارة قوية تفيد بإمكانية رفع سعر الفائدة في وقت لاحق من العام، لكن المحللين اعتبروا لهجته أقل تشدداً مما كان متوقعاً. وجاءت خيبة الأمل للمضاربين على ارتفاع الين من استمرار البنك في “التريث” وعدم تقديم تفاصيل واضحة حول التوقيت الدقيق لرفع الفائدة.
لقد أدى هذا التناقض الصارخ بين تواصل الفيدرالي “الحذر” بشأن خفض إضافي، وتواصل بنك اليابان “المتريث” بشأن أي رفع، إلى قفزة كبيرة في سعر الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني، حيث ارتفع بنسبة 0.98%، مسجلاً أعلى مستوياته منذ منتصف فبراير الماضي.
صفقات التجارة وتأثيرها الهادئ
على الصعيد الجيوسياسي، اختتم الاجتماع بين الرئيسين ترامب وشي بتخفيض الولايات المتحدة للرسوم الجمركية على الواردات الصينية بنسبة 10%، في المقابل تعهدت بكين بزيادة مشتريات فول الصويا الأمريكية.
وعلى الرغم من أهمية هذه النتائج على المدى الطويل، إلا أن الأسواق كانت قد استوعبت هذه التوقعات بالفعل، لذا لم يكن تأثيرها فورياً أو حاداً على مؤشر الدولار الأمريكي، الذي ظل يتلقى دعمه الأساسي من تباين سياسات أسعار الفائدة.
اليورو والجنيه الإسترليني يتبعان نفس المسار
لم يكن الين العملة الوحيدة التي تأثرت بقوة الدولار الأمريكي. فقد ظل اليورو عند مستويات منخفضة بعد قرار البنك المركزي الأوروبي (ECB) بالإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير للجلسة الثالثة على التوالي، دون تقديم أي تلميحات واضحة للمستقبل. كما تراجع الجنيه الإسترليني متأثراً بتوقعات متزايدة بأن بنك إنجلترا سيتجه نحو خفض أسعار الفائدة قريباً.
إن قوة الدولار الأمريكي الحالية هي انعكاس مباشر للتباين في السياسات النقدية العالمية. فالحذر الذي أبداه جيروم باول يقلل من جاذبية العملات الأخرى، في حين أن التريث الذي أظهره بنك اليابان يجعل الين عرضة للضغط. ما دامت البنوك المركزية الكبرى تتبع مسارات متباينة، فمن المرجح أن يحافظ الدولار الأمريكي على موقعه المهيمن في السوق.
اقرأ أيضا…
 
				 
					 
					 
					


