أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

ملخص خطاب جيروم باول وتوقعات الخفض التالي

في خطوة تأتي ضمن سياق محاولات الموازنة بين دعم النمو الاقتصادي وضمان استقرار الأسعار، وافق الفيدرالي الأمريكي يوم الأربعاء على خفض سعر الفائدة القياسي لليلة الواحدة للمرة الثانية على التوالي، ليصل إلى نطاق 3.75% – 4%. يمثل هذا القرار خطوة نحو التيسير النقدي، لكنه لم يمر دون إثارة ارتباك كبير في الأسواق. فالتعليقات الحذرة التي أدلى بها رئيس البنك، جيروم باول، ألقت بظلال من الشك على أي خفض محتمل آخر في اجتماع ديسمبر المقبل، مما يضع السياسة النقدية الأمريكية عند مفترق طرق حرج ويخالف التوقعات السوقية السائدة. إلى جانب قرار الفائدة، أعلن الفيدرالي الأمريكي عن خطوة مهمة أخرى تتمثل في إنهاء عملية تقليص مشتريات الأصول، المعروفة باسم “التشديد الكمي” (Quantitative Tightening أو QT)، اعتبارًا من الأول من ديسمبر. إن هذا المزيج من خفض الفائدة وإنهاء التشديد الكمي يعكس التحديات المعقدة وغير المسبوقة التي تواجه صانعي السياسة.

جيروم باول يثير الشكوك ويهز الأسواق بتصريحات حاسمة

على الرغم من أن الأسواق كانت تتوقع خفضاً إضافياً، حيث كانت التوقعات تُسعّر باحتمالية 85% لخفض آخر في ديسمبر وفقاً لبيانات مؤشر “FedWatch” لمجموعة CME، جاءت تعليقات جيروم باول لتهدئ من هذه التوقعات. لقد حذّر باول بشدة من الافتراض بأن الخفض التالي أمر مؤكد، مشدداً على أن الوضع ليس محسوماً على الإطلاق.

قال باول بلهجة حاسمة خلال مؤتمره الصحفي: “في مناقشات اللجنة خلال هذا الاجتماع، كانت هناك آراء متباينة بشدة حول كيفية المضي قدمًا في ديسمبر… خفض إضافي في سعر الفائدة في اجتماع ديسمبر ليس نتيجة محتومة، بل هو أبعد ما يكون عن ذلك”. هذا التحذير القوي يعود جزئياً إلى تجربة الفيدرالي الأمريكي التاريخية، حيث أدت محاولات التيسير النقدي السابقة والمبكرة إلى عودة التضخم بقوة.

لذا، فإن باول يسعى لتجنب التكرار الخطير لهذه السيناريوهات عبر إبقاء خيار التشديد مطروحاً على الطاولة، حتى في ظل قرار الخفض الحالي. أدت هذه التعليقات إلى تحوّل مفاجئ في أداء الأسواق؛ حيث تراجعت أسعار الأسهم بشكل لافت بعد أن كانت مرتفعة في أعقاب الإعلان الأولي عن القرار، ما يبرهن على حساسية المستثمرين لأي تلميح بخصوص مسار التيسير المستقبلي.

تحدي البيانات الاقتصادية الغائبة وتعقيدات التضخم

يُعد خفض سعر الفائدة في هذا التوقيت أمراً استثنائياً، حيث جاء في ظل وضع تمثل في غياب البيانات الاقتصادية الحيوية. باستثناء تقرير مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الأخير، توقفت الحكومة عن إصدار جميع التقارير والبيانات، مما أدى إلى حجب مقاييس رئيسية تستخدم لتقييم صحة الاقتصاد، مثل بيانات التوظيف خارج القطاع الزراعي (Nonfarm Payrolls) ومبيعات التجزئة وسلسلة من البيانات الاقتصادية الكلية الأخرى. هذا الغياب للبيانات يجعل الفيدرالي الأمريكي يعمل في ظروف أشبه بـ “القيادة العمياء”، مما يزيد من صعوبة تقييم زخم الاقتصاد الحقيقي.

أقرت اللجنة في بيانها الصادر بعد الاجتماع بهذا الغموض، حيث عدلت صياغتها لتصف الظروف الاقتصادية بقولها إن “النشاط الاقتصادي يتوسع بوتيرة معتدلة”، وهو تعديل عن توصيف سبتمبر الذي قال إن النشاط “قد تراجع”، ما يعكس محاولة البنك لإبداء حذر أكبر. كما أقر البيان بوجود “مخاطر سلبية على التوظيف ارتفعت في الأشهر الأخيرة”، مما يشير إلى أن الفيدرالي الأمريكي بدأ يرى تدهورًا خفيفًا في صورة سوق العمل، حيث تباطأت وتيرة التوظيف حتى قبل توقف جمع البيانات. ورغم أن التضخم لا يزال “مرتفعاً إلى حد ما”، أظهر تقرير مؤشر أسعار المستهلك (الذي تم إصداره لأهميته في تعديلات تكلفة المعيشة للضمان الاجتماعي) معدلاً سنوياً بلغ 3%، مدفوعاً بشكل كبير بارتفاع تكاليف الطاقة وتأثير الرسوم الجمركية، مما يمثل تحدياً مزدوجاً للبنك في مهمته لتحقيق التوازن بين التوظيف واستقرار الأسعار.

إنهاء التشديد الكمي: رسالة توازن واستجابة لضيق السوق

بالتوازي مع قرار الفائدة، أعلن الفيدرالي الأمريكي عن إنهاء برنامج تقليص الميزانية العمومية (QT). هذا البرنامج كان بمثابة سحب للسيولة من النظام المالي من خلال السماح لسندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري بالانقضاء دون إعادة استثمار، وقد نجح في خفض حوالي 2.3 تريليون دولار من الميزانية العمومية الضخمة التي تضخمت إلى ما يقرب من 9 تريليونات دولار بعد استجابة البنك لأزمة كوفيد.

جاء قرار إنهاء QT وسط مخاوف جدية من أن عملية التقليص قد وصلت إلى حد بعيد، مما أدى إلى بعض الضيق في أسواق الإقراض قصيرة الأجل. هذا الضيق هو إشارة فنية إلى أن السيولة الاحتياطية لدى البيد بدأت بالنقصان، وهو ما دفع البنك للتدخل. يشير الإعلان المرافق للقرار إلى أن الفيدرالي الأمريكي سيعيد استثمار عائدات الأوراق المالية العقارية المستحقة في سندات الخزانة قصيرة الأجل بدلاً من الاحتفاظ بالسيولة، وهي خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة محفظة البنك وتحسين توزيع السيولة في السوق. في تحليل مستقبلي، توقع المحلل كريشنا جوها من Evercore ISI أن البنك قد يضطر بالفعل لاستئناف مشتريات الأصول في أوائل عام 2026 لأغراض “النمو العضوي”، وليس كاستجابة لأزمة، مما يؤكد أن الإدارة الحكيمة للميزانية العمومية ستظل أداة حاسمة في يد الفيدرالي الأمريكي لضبط السوق حتى في أوقات التوسع الاقتصادي.

ختاما يؤكد قرار الفيدرالي الأمريكي الأخير على أن البنك يسير بحذر شديد في مسار التيسير النقدي، مدعومًا بضرورة تكييف سياسته مع تحديات اقتصادية غير مسبوقة، بما في ذلك ندرة البيانات والمخاوف بشأن سوق العمل. وبينما يشير خفض الفائدة وإنهاء التشديد الكمي إلى تخفيف طفيف ومدروس للسياسة النقدية، فإن التحذير الصارم من رئيس البنك بشأن اجتماع ديسمبر يؤكد أن المعركة ضد التضخم لم تنتهِ بعد. يجب على الأسواق أن تدرك أن الفيدرالي الأمريكي سيظل يتخذ قراراته بناءً على أحدث المؤشرات المتاحة، وأن أي تيسير إضافي ليس مؤكداً على الإطلاق في ظل هذه الظروف الاقتصادية الغامضة.

اقرأ أيضا….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى