أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

الفيدرالي الأمريكي يخفض الفائدة للمرة الثانية

أقر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، يوم الأربعاء، خفضا ثانيا متتاليا لسعر الفائدة الرئيسي، وهي خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع رغم قلة الوضوح الأخيرة بشأن المشهد الاقتصادي بسبب الإغلاق الحكومي. ويأتي هذا القرار ليسلط الضوء على التوازن الدقيق الذي يسعى إليه الفيدرالي الأمريكي بين تحقيق العمالة الكاملة واستقرار الأسعار، مع تداعيات مباشرة على تكاليف الاقتراض للمستهلكين والأسواق العالمية. يُرسّخ هذا الخفض سعر الإقراض لليلة واحدة ضمن نطاق 3.75% و4%، وهو المعدل الذي يُعتبر حجر الزاوية في النظام المالي، حيث يؤثر بشكل مباشر على تكلفة التمويل في جميع أنحاء الاقتصاد، بدءاً من قروض السيارات والرهون العقارية وصولاً إلى أسعار بطاقات الائتمان.

التفاصيل الجوهرية لقرار سعر الفائدة والانقسام في الآراء

صوّتت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) بـ 10 أصوات مقابل صوتين على خفض سعر الإقراض لليلة واحدة إلى نطاق يتراوح بين 3.75% و4%. هذا السعر هو المعيار الأساسي لمجموعة واسعة من المنتجات الاستهلاكية، بما في ذلك قروض السيارات، والرهون العقارية، وبطاقات الائتمان، مما يجعل تخفيفه أمراً مرحباً به للمقترضين.

الخلاف في الرأي:

شهد التصويت انقساماً بسيطاً يعكس التحديات التي تواجه صانعي السياسة داخل الفيدرالي الأمريكي في تقييم المخاطر الاقتصادية المتضاربة:

  • عارض المحافظ ستيفن ميران القرار، مفضلاً خفضاً أسرع بمقدار نصف نقطة مئوية، ما يشير إلى قلقه الأكبر إزاء تباطؤ النمو الاقتصادي والحاجة إلى تحفيز مالي أقوى.
  • انضم إليه رئيس الفيدرالي الأمريكي في كانساس سيتي، جيفري شميد، الذي خالف القرار لسبب معاكس تماماً، حيث فضل عدم إجراء أي خفض على الإطلاق، معتبراً أن الاقتصاد لا يزال قوياً بما يكفي لتحمل أسعار فائدة أعلى قليلاً، خاصة في ظل استمرار التضخم في الارتفاع.

ويأتي الخفض على الرغم من أن الفيدرالي الأمريكي كان يفتقر مؤخراً إلى البيانات الاقتصادية الأساسية، باستثناء مؤشر أسعار المستهلك (CPI) الذي صدر الأسبوع الماضي، نظراً لتعليق الحكومة لجمع وإصدار التقارير الرئيسية.

الإغلاق الحكومي وعدم اليقين الاقتصادي وتضخم الطاقة

إن افتقار الفيدرالي الأمريكي إلى البيانات يُعدّ تحدياً غير مسبوق، إذ أن الإغلاق الحكومي أوقف إصدار تقارير حيوية مثل بيانات الوظائف غير الزراعية ومبيعات التجزئة ومجموعة كبيرة من البيانات الكلية الأخرى. هذه المقاييس هي الركائز التي يعتمد عليها صناع القرار في تقييم مدى قرب الاقتصاد من تحقيق الولاية المزدوجة المتمثلة في الحد الأقصى للعمالة واستقرار الأسعار. عملياً، كان الفيدرالي الأمريكي “يطير أعمى” في بيئة تحتاج إلى أقصى درجات الدقة.

أقرت اللجنة في بيانها الصادر بعد الاجتماع بحالة عدم اليقين المصاحبة لنقص البيانات، مما أدى إلى تعديل في كيفية تصنيفها للظروف الاقتصادية العامة. وقد أشار البيان إلى أن: “المؤشرات المتاحة تشير إلى أن النشاط الاقتصادي يتوسع بوتيرة معتدلة. تباطأت مكاسب الوظائف هذا العام، وارتفع معدل البطالة بشكل طفيف ولكنه ظل منخفضاً حتى أغسطس… وارتفع التضخم منذ وقت سابق من العام وظل مرتفعاً إلى حد ما”.

كان التضخم قد ظل أعلى بكثير من هدف الفيدرالي الأمريكي السنوي البالغ 2%. وأظهر تقرير مؤشر أسعار المستهلك الأخير، والذي سُمح بإصداره نظراً لأهميته في تعديلات تكلفة المعيشة للضمان الاجتماعي، أن المعدل السنوي بلغ 3%. وقد غذت هذا الارتفاع تكاليف الطاقة المرتفعة بالإضافة إلى عدد من البنود ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة بالتعريفات الجمركية المفروضة من قبل الرئيس دونالد ترامب. كما أعاد البيان التأكيد على المخاوف بشأن سوق العمل، مشيراً إلى أن “المخاطر السلبية على التوظيف ارتفعت في الأشهر الأخيرة”، مما يعكس تزايد الأدلة على تباطؤ وتيرة التوظيف حتى قبل الإغلاق.

إنهاء التشديد الكمي (QT) والميزانية العمومية: خطوة نحو إدارة السيولة

بالتوازي مع قرار سعر الفائدة، أعلن الفيدرالي الأمريكي عن إنهاء عملية تقليص حيازاته من السندات، المعروفة باسم التشديد الكمي (Quantitative Tightening أو QT)، في الأول من ديسمبر. وقد نجح هذا البرنامج في خفض نحو 2.3 تريليون دولار من محفظة الفيدرالي الأمريكي من سندات الخزانة والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، والتي بلغت قيمتها الإجمالية 6.6 تريليون دولار.

دلالات إنهاء التشديد الكمي:

يرجع قرار الإيقاف هذا بشكل أساسي إلى الرغبة في تخفيف علامات التشدد في أسواق الإقراض قصيرة الأجل، وهي مؤشرات بدأت تثير القلق حول مستويات السيولة الكافية في النظام المالي. كان الفيدرالي الأمريكي يسمح للعائدات من الأوراق المالية المستحقة بالتدحرج خارج الميزانية العمومية دون إعادة استثمار، لكن هذا الإجراء بدأ يسبب ضيقاً في أسواق الإقراض قصيرة الأجل (مثل أسواق الريبو).

لذا، أشارت مذكرة تنفيذية مرافقة للقرار إلى أن الفيدرالي الأمريكي سيقوم الآن بإعادة استثمار العائدات من الأوراق المالية المستحقة في فواتير قصيرة الأجل، بدلاً من الأوراق المالية ذات آجال الاستحقاق المماثلة كما كان الحال سابقاً. هذا التحول يهدف إلى تقليل مدة المحفظة الإجمالية للبنك المركزي، مما يوفر مرونة أكبر في إدارة احتياطيات البنوك دون العودة إلى التوسع الكمي.

التوقعات المستقبلية ومفارقة التيسير النقدي في الأسواق الصاعدة

كانت الأسواق تتوقع إنهاء “التشديد الكمي” إما في أكتوبر أو بحلول نهاية العام. وقد أكد رئيس الفيدرالي الأمريكي جيروم باول سابقاً، أنه على الرغم من ضرورة تقليص الحيازات التي نمت بشكل كبير خلال أزمة كورونا، دافعاً الميزانية العمومية من 4 تريليونات دولار إلى ما يقرب من 9 تريليونات دولار، فإنه لا يتوقع عودة الميزانية العمومية إلى مستويات ما قبل الجائحة.

يشير المحلل كريشنا جوها من Evercore ISI إلى عمق السياسة، حيث يتوقع سيناريو قد يعود فيه الفيدرالي الأمريكي إلى إعادة شراء الأصول في أوائل عام 2026 لأغراض “النمو العضوي” مع تحول ظروف السوق. هذه الخطوة الأخيرة هي جزء من مفارقة اقتصادية، حيث نادراً ما تخفف البنوك المركزية سياستها النقدية خلال فترات التوسع الاقتصادي والأسواق الصاعدة. فبينما كان متوسطات الأسهم الرئيسية تحقق سلسلة من الارتفاعات القياسية، مدعومة بمكاسب أسهم التكنولوجيا الكبرى وموسم أرباح قوي، اختار الفيدرالي الأمريكي التيسير.

في حين أن التاريخ أظهر أن السوق يميل إلى الاستمرار في الصعود عندما يقطع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة في ظل هذه الظروف، فإن السياسة النقدية الأكثر مرونة تنطوي أيضاً على خطر ارتفاع التضخم وتضخم محتمل في فقاعات الأصول. وقد كانت هذه الحالة هي التي أجبرت الفيدرالي الأمريكي على سلسلة من التخفيضات العنيفة في أسعار الفائدة في الماضي، وهو ما يضع صانعي السياسة أمام تحدٍ دقيق للموازنة بين دعم التوظيف والسيطرة على الأسعار.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى