أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

الأغلاق الحكومي يهدد أول راتب لموظفي الكونجرس وتداعياته تتفاقم على الاقتصاد الأمريكي

شهدت الولايات المتحدة دخول أزمتها السياسية الحالية مرحلة جديدة من التوتر، مع استمرار الأغلاق الحكومي الفيدرالي الذي بدأ في الأول من أكتوبر نتيجة الفشل في التوصل إلى اتفاق حول تشريع المخصصات المالية. وبينما كان المحللون يرجحون في البداية إغلاقاً قصيراً، تشير التقديرات الحالية إلى احتمالية استمراره لأسابيع، ما يجعله من أطول الإغلاقات في التاريخ الحديث، ويُفاقم من تبعاته.

وبينما كانت التداعيات الاقتصادية تتركز في البداية على مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين في الوكالات التنفيذية، وصلت الأزمة الآن إلى أروقة الكونغرس نفسه، حيث صدر تحذير رسمي بأن موظفي مجلس النواب قد يفقدون راتبهم القادم. هذا التطور يسلط الضوء على الأثر المباشر والموجع للأزمة على أكبر قوة عاملة في البلاد، ويكشف عن عمق الانقسام السياسي حول قضايا التمويل والرعاية الصحية.

موظفو الكونجرس في عين العاصفة: تأخير الرواتب والتعليم

في تحذير غير مسبوق يكشف مدى عمق الأزمة، أخطرت كبيرة المسؤولين الإداريين في مجلس النواب الأمريكي، كاثرين سزيندور، الموظفين بأن شيكات رواتبهم التي تغطي الفترة من 1 إلى 31 أكتوبر، والمقرر دفعها في 31 أكتوبر، ستتأخر. وأوضحت المذكرة بوضوح أن عدم إقرار تشريع مخصصات التمويل يعني تأخير الرواتب لحين انتهاء الأغلاق الحكومي وإعادة فتح الحكومة. ويُشكل هذا التأخير ضغطاً مضاعفاً على موظفي الكونجرس، الذين غالباً ما يتقاضون أجوراً متواضعة نسبياً مقارنة بتكاليف المعيشة المرتفعة في واشنطن العاصمة وضواحيها.

ولا يقتصر الأثر على الرواتب الشهرية، بل يمتد ليشمل برنامج المساعدة التعليمية الهام الذي يقدمه الكونجرس، حيث لن يتمكن البرنامج من تسديد أقساط القروض الطلابية للموظفين، مما يضعهم أمام تحدي مالي جديد يستوجب منهم الاتصال بمُقرضيهم لترتيب دفعات بديلة بشكل فوري. عضو الكونجرس جيمس والكينشو (ديمقراطي من فرجينيا)، وهو مشرع يمثل العديد من موظفي الكونجرس، أكد صعوبة الموقف، مشيراً إلى أن الإغلاقات “صعبة… خاصة على موظفي الكونجرس، الذين لا يتقاضى الكثير منهم رواتب عالية مقابل ساعات عملهم الطويلة”. وعلى الرغم من أن الاتحادات الائتمانية المحلية تحاول التخفيف من حدة الأزمة عبر تقديم قروض منخفضة الفائدة، إلا أن العبء المالي والنفسي على الموظفين يظل جسيماً.

الإغلاق الحكومي يضرب معيشة الموظفين الفيدراليين

يُعد موظفو الكونجرس أحدث الفئات انضمامًا لقائمة المتضررين التي تضم بالفعل مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين الذين يعيشون تحت وطأة انعدام اليقين المالي. لقد تخطى حوالي 658,000 موظف مدني في وزارات الدفاع، والصحة والخدمات الإنسانية، وشؤون المحاربين القدامى، موعد استلام أول راتب كامل مستحق لهم في إطار هذا الشلل. وتضم هذه الأعداد الضخمة موظفين أساسيين، مثل مراقبي الحركة الجوية و مسؤولي إدارة أمن النقل، الذين يُطلب منهم الاستمرار في العمل لضمان سلامة الأمة ولكن دون الحصول على أجر، مما أدى في إغلاقات سابقة إلى ارتفاع معدلات التغيب.

في المقابل، يواجه حوالي 750,000 موظف فيدرالي آخر إما إجازة قسرية غير مدفوعة الأجر (Furlough) أو العمل دون تلقي رواتبهم، وهو ما يضع ضغطاً هائلاً على الأسر التي يعتمد الكثير منها على الراتب الشهري لتغطية نفقاتها الأساسية. إيميلدا أفيلا-توماس، الموظفة في قسم الأجور والساعات بوزارة العمل، عبرت عن سخرية الموقف، قائلة: “المفارقة أنني أعمل في قسم يضمن حصول الناس على أجورهم بشكل صحيح”. هذا التوقف المفاجئ في الدخل يهدد مباشرة قدرة هذه الأسر على دفع الإيجارات وأقساط الرهن العقاري، كما يُعرّض ملايين آخرين لفقدان المساعدات الغذائية في حال استمرار الأغلاق الحكومي حتى نوفمبر.

جدل “الأجر بأثر رجعي” يثير فزع العمال

أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق والجدل السياسي هو التهديد الصادر عن البيت الأبيض بإمكانية حجب الأجور المتأخرة (الأجر بأثر رجعي) عن الموظفين المُجازين بعد انتهاء الأغلاق الحكومي. يمثل هذا التهديد خروجاً عن سابقة تاريخية جرت في جميع الإغلاقات السابقة، وتتعارض بشكل مباشر مع قانون المعاملة العادلة لموظفي الحكومة (GEFTA) لعام 2019، الذي يُلزم الحكومة بدفع رواتب الموظفين بأثر رجعي، سواء عملوا خلال الإغلاق أم لم يعملوا.

وقد خلق التلويح بهذا التهديد حالة من الفوضى والغضب بين العمال، حيث يقول أحد الموظفين الفيدراليين، والذي يعمل حالياً دون أجر: “أعتقد أن المزاج العام تجاوز القلق ودخل في مرحلة الغضب الشديد”. وبينما وصفه البعض بأنه مجرد “تهديد تكتيكي” أو “خدعة” للضغط على الكونجرس، فقد اعترف بعض الجمهوريين أنفسهم، مثل السيناتور توم تيليس، بأن التلويح بحجب الأجور المتأخرة هو “استراتيجية سيئة” و “رسالة غير جيدة لإرسالها” إلى أشخاص لا يتقاضون رواتبهم بالفعل. هذا الجدل لا يثير التساؤلات حول التزام الإدارة بالقانون فحسب، بل يزيد أيضاً من الشعور بالإحباط العميق بين القوة العاملة التي عانت بالفعل من موجات تسريح سابقة خلال هذا العام.

الخلاصة والتوقعات الاقتصادية

يستمر الأغلاق الحكومي الأمريكي في الكشف عن التكلفة البشرية والاجتماعية الباهظة للجمود السياسي. فإلى جانب التأثير المباشر على معيشة الموظفين، يحذر المحللون الاقتصاديون من أن الأزمة بدأت بالفعل في سحب ما يتراوح بين 0.1 إلى 0.2 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي أسبوعياً، مع تزايد المخاطر على مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي الرئيسية.

وبينما يتقلص حجم القوة العاملة الفيدرالية بالفعل بأكثر من 200,000 موظف هذا العام، فإن استمرار الأزمة وتهديدات تسريح العمال والتلاعب بالأجور يزيد من حالة الغضب والتوتر بين الموظفين، ويهدد بشكل مباشر ثقة المستهلكين ويؤثر على مؤشرات النمو الاقتصادي للربع الأخير.

إن هذا الشلل الفيدرالي، الذي أدى إلى تأجيل أكثر من 1400 رحلة جوية وإغلاق المرافق العامة، لا يُعطل وظائف الحكومة فحسب، بل يهدد الاستقرار الاقتصادي العام. يبقى حل الأزمة معلقاً على قدرة الكونغرس الأمريكي على تجاوز الانقسام الحزبي العميق الذي بات يُكلّف دافعي الضرائب والموظفين والبلاد ككل ثمناً باهظاً.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى