أسعار الذهب تنتعش مجددا ترقبا لقرار الفيدرالي وتفاؤل المباحثات التجارية

شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً ملحوظاً يوم الأربعاء، مدعومة بشكل أساسي بعمليات “الشراء عند المستويات المنخفضة” (Bargain Hunting) التي دخلت السوق بقوة. جاء هذا الانتعاش عقب تراجع المعدن الأصفر إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أسابيع خلال الجلسة السابقة، وهو ما دفع المستثمرين ذوي الرؤى الطويلة الأجل لاقتناص الفرصة للشراء، معتبرين أن مستوى الهبوط الأخير يمثل نقطة دعم جاذبة. وتترقب الأسواق بحذر بالغ حالياً نتائج اجتماع الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بشأن سعر الفائدة، والذي سيصدر في وقت لاحق اليوم، لمعرفة التوجهات النقدية المستقبلية.
سجل سعر الذهب الفوري ارتفاعاً بنسبة 0.7% ليصل إلى 3,977.30 دولاراً للأونصة (حسب بيانات الساعة 06:34 بتوقيت غرينتش)، مؤكداً التعافي من أدنى مستوى بلغه منذ 7 أكتوبر يوم الثلاثاء. وفي إشارة موازية لارتفاع الطلب، صعدت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 0.2% مسجلة 3,990.60 دولاراً للأونصة. هذه المستويات السعرية تشير إلى أن السوق بدأ يرى في التصحيح الأخير فرصة وليس تحولاً جذرياً في الاتجاه.
عودة المشترين وتأثير التفاؤل التجاري على تدفقات رأس المال
يشير المحللون إلى أن التراجع الأخير في أسعار الذهب يعود جزئياً إلى تحوّل جذري في تفضيلات المستثمرين. فمع انحسار المخاطر، يحدث تحوّل في تدفقات رأس المال من أدوات الملاذ الآمن، كالذهب، نحو أصول أكثر استجابة للنمو، مثل أسواق الأسهم العالمية، التي تغذيها رياح التفاؤل بشأن إمكانية التوصل إلى تسوية تجارية.
وفي هذا السياق التحليلي، أوضح كيلفن وونغ، كبير محللي الأسواق في OANDA، أن “الوقود لهذا التصحيح قصير الأجل في الذهب هو إعادة تعديل لأدوات الملاذ الآمن لصالح أصول أكثر استجابة مثل الأسهم العالمية، بسبب التفاؤل التجاري المتصاعد”. وأشار وونغ إلى أن الذهب يواجه ضغوطاً من فئة المستثمرين المضاربين الذين يستخدمون الرافعة المالية قصيرة الأجل، والذين يسارعون في تعديل مراكزهم عند اختراق مستويات فنية معينة. واستطرد قائلاً: “على الرغم من هذه الضغوط الهبوطية الفنية الناتجة عن تعديل المراكز، تظل الأساسيات لأسعار الذهب صعودية وقوية على المدى الطويل، حيث لم تتغير بعد العوامل الهيكلية التي تدعم ارتفاعه”.
محادثات التجارة وقرارات البنوك المركزية تدعم أسعار الذهب
ساهم التقدم الملموس في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل مباشر في تراجع الطلب على الأصول الآمنة مثل الذهب. حيث نجح المسؤولون الصينيون والأمريكيون في وضع إطار عمل لصفقة تجارية تهدف ليس فقط إلى وقف فرض رسوم جمركية أمريكية أكثر صرامة، بل وتناول قضية ضوابط الصادرات الصينية للتربة النادرة. هذا الإطار من شأنه أن يخفف من حالة عدم اليقين التي خنقت النمو العالمي لفترة طويلة. ومن المتوقع أن يلتقي الرئيس دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية يوم الخميس لتوقيع الاتفاق المبدئي.
ويرى تقرير استراتيجي صادر عن ANZ أن التراجع الأخير في الطلب على الذهب، نتيجة لتخفيف التوترات التجارية، قد يمثل “فرصة ذهبية للبنوك المركزية لزيادة مشترياتها” من المعدن الثمين. ويعود هذا المنطق إلى أن البنوك المركزية تعتبر الذهب أداة استراتيجية لـتنويع الاحتياطيات والتحوط ضد مخاطر العملات السيادية، مما يجعل أي تراجع في أسعار الذهب نقطة دخول مثالية للمشترين الاستراتيجيين ذوي الأفق الزمني الطويل.
في الوقت نفسه، من المتوقع على نطاق واسع أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في ختام اجتماعه اليوم، في خطوة احترازية لدعم النمو الاقتصادي في مواجهة التباطؤ العالمي. ومن المعروف أن الذهب، وهو أصل لا يدر عائداً، يزدهر بشكل خاص في بيئات أسعار الفائدة المنخفضة وأوقات عدم اليقين الاقتصادي. لذلك، لا يراقب المستثمرون قرار الخفض بحد ذاته فحسب، بل يراقبون عن كثب أي تعليقات توجيهية مستقبلية من رئيس الفيدرالي، جيروم باول، بحثاً عن إشارات حول ما إذا كان هذا الخفض هو نهاية دورة التيسير، أم أنه مجرد خطوة ضمن سلسلة من الخفض المتوقع.
الأداء القياسي للذهب في العام الحالي وأفق المستقبل
شهدت أسعار الذهب أداءً استثنائياً بارتفاعها بنحو 52% منذ بداية العام الجاري، ووصلت إلى ذروة تاريخية غير مسبوقة عند 4,381.21 دولاراً في 20 أكتوبر. وقد تم دعم هذا الارتفاع القياسي بعوامل متعددة أهمها عدم اليقين الجيوسياسي (كالتوترات في مناطق النفوذ العالمية) والمخاوف الاقتصادية بشأن تباطؤ النمو العالمي. إضافة إلى ذلك، لعبت توقعات خفض أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، واستمرار عمليات شراء البنوك المركزية للمعدن النفيس، دوراً محورياً في دعم الأسعار عند مستوياتها المرتفعة.
على صعيد المعادن الأخرى، ارتفعت الفضة الفورية بنسبة 1.5% إلى 47.73 دولاراً للأونصة، وزاد البلاتين 0.1% إلى 1,587.70 دولاراً، وصعد البلاديوم 0.9% إلى 1,405.99 دولاراً. هذه التحركات الإيجابية للمعادن الثمينة الأخرى تعكس أيضاً حالة من التفاؤل الحذر في الأسواق، خاصة وأن الفضة والبلاتين والبلاديوم تتأثر أكثر من الذهب بالطلب الصناعي، مما يشير إلى تحسن محتمل في النظرة الاقتصادية الأوسع.
اقرأ أيضا…
 
				 
					 
					 
					


