أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

الدولار الأمريكي: عوامل متعارضة تدفع العملة الخضراء في الأسواق العالمية

شهدت الأسواق العالمية حركة متقلبة اليوم، حيث تراجع الجنيه الإسترليني على نحو مفاجئ مقابل الدولار الأمريكي بعد بيانات التضخم البريطانية، بينما سجل الين الياباني أدنى مستوياته مقابل العملة الخضراء وسط ترقب لحزمة تحفيز جديدة. تأتي هذه التحركات وسط بيئة اقتصادية وسياسية معقدة في الولايات المتحدة، تحدد مسار مؤشر الدولار الأمريكي وتوقعات الاحتياطي الفيدرالي (Fed) بشأن أسعار الفائدة. وتؤكد هذه التباينات الاقتصادية العالمية الدور المحوري الذي تلعبه العملة الأمريكية كملجأ آمن وكمحرك رئيسي لتدفقات التجارة والاستثمار الدولية.

الجنيه الإسترليني في حالة من الضعف يصب في صالح الدولار الأمريكي

كان الجنيه الإسترليني أضعف العملات الرئيسية أداءً اليوم الأربعاء، بعد أن أظهرت بيانات التضخم في بريطانيا استقراراً غير متوقع عند 3.8% في شهر سبتمبر، وهو ما خالف توقعات الاقتصاديين وبنك إنجلترا (BoE) على حد سواء. وعلى الرغم من أن معدل 3.8% لا يزال مرتفعاً، إلا أن فشله في تجاوز التوقعات، خصوصاً بعد سلسلة من الإشارات المتشددة التي أطلقها مسؤولو بنك إنجلترا مؤخراً، كان العامل الأكثر تأثيراً.

أدت هذه المفاجأة إلى هبوط الجنيه الإسترليني بما يصل إلى 0.5% مقابل الدولار الأمريكي، ليستقر آخر مرة متراجعاً بنسبة 0.17% عند مستوى 1.335. يرى المحللون، مثل فرانشيسكو بيسول، محلل العملات الأجنبية في ING، أن هذا التطور يقوض وجهة النظر “المخالفة للإجماع” التي تبناها بنك إنجلترا، والتي كانت تعتمد على توقع أن يثبت التضخم قوته بشكل أكبر مما توقعه السوق. ونتيجة لذلك، انتقلت التدفقات الرأسمالية نحو الأصول الأكثر أماناً، وفي مقدمتها الدولار الأمريكي.

تعكس الأسواق حالياً احتمالاً مرتفعاً بنسبة 75% بأن يخفض بنك إنجلترا أسعار الفائدة بحلول نهاية العام، مرتفعة بشكل حاد من 46% قبل صدور البيانات. ووفقاً لمحللين في غولدمان ساكس، فإن هذه البيانات توفر دليلاً حقيقياً وملموساً على تراجع التضخم، ما يرفع من مخاطر قدوم خفض الفائدة القادم من بنك إنجلترا قبل اجتماع فبراير المتوقع، الذي كان يعتبر السيناريو الأساسي. إن تزايد التباعد في السياسة النقدية بين بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي يدعم قوة الدولار الأمريكي النسبية في سلة العملات العالمية.

الين الياباني: حزمة تحفيز جديدة تضعف العملة وتثير تحديات التنسيق

في آسيا، تراجع الدولار الأمريكي بنسبة طفيفة بلغت 0.05% مقابل الين الياباني، ليسجل 151.865 يناً. ويأتي هذا بعد أن وصل الين إلى أدنى مستوى له في أسبوع يوم الثلاثاء، إثر تقارير أشارت إلى أن رئيسة الوزراء الجديدة سانا إي تاكايتشي تُعد حزمة تحفيز اقتصادي ضخمة من المرجح أن تتجاوز 13.9 تريليون ين (92.19 مليار الدولار الأمريكي) لمساعدة الأسر على مواجهة التضخم.

لقد فقد الين 2.5% من قيمته هذا الشهر، مسجلاً أكبر تراجع شهري له مقابل الدولار الأمريكي منذ يوليو. يعزو المستثمرون هذا الانخفاض القوي إلى التوقعات بالسياسة المالية التوسعية التي تضخ سيولة ضخمة في السوق، والعلاقة المتوترة المحتملة بين الحكومة والبنك المركزي الياباني (BoJ)، وكلاهما يضغط على الين. وقد عززت تصريحات تاكايتشي الأخيرة، والتي دعت فيها إلى عدم “تفاقم أي ضعف في الين في الوقت الحالي”، من حالة عدم اليقين بشأن التنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية.

تعهدت تاكايتشي، الداعمة لسياسات التيسير الكمي، يوم الثلاثاء بأن تحديد تفاصيل السياسة النقدية يعود للبنك المركزي. وفي المقابل، أكدت وزيرة المالية الجديدة ساتسوكي كاتاياما يوم الأربعاء على ضرورة تنسيق الجهود بين الحكومة وبنك اليابان لجعل السياسات الاقتصادية والنقدية فعالة. هذه البيئة المزدوجة من التيسير المالي (التحفيز الحكومي) والتيسير النقدي المحتمل أو البقاء على سياسة الفائدة المنخفضة للغاية، تجعل الين جذاباً كعملة تمويل في صفقات “تجارة المراجحة” (Carry Trade)، ما يزيد من ضغط البيع عليه مقابل العملات ذات العائد الأعلى مثل الدولار الأمريكي. ومن المقرر أن يعلن بنك اليابان قراره الأخير بشأن سياسته النقدية في 30 أكتوبر، حيث تشير العقود الآجلة إلى احتمال بنحو 20% لرفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 0.75%.

مؤشر الدولار الأمريكي: خلاف داخلي يلقي بظلاله على قرارات الفيدرالي

في الولايات المتحدة، ارتفع مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس قوة العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، قليلاً ليتم تداوله عند 98.932، بعد ثلاث جلسات متتالية من المكاسب.

ومع ذلك، فإن الخلاف السياسي الداخلي حول الميزانية يضيف تعقيداً كبيراً على المشهد الاقتصادي. حيث رفض الرئيس دونالد ترامب يوم الثلاثاء طلباً من كبار المشرعين الديمقراطيين للاجتماع ما لم ينتهِ الإغلاق الحكومي الذي دام ثلاثة أسابيع. هذا الموقف يعقد المهمة الملقاة على عاتق الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعه المرتقب يوم 29 أكتوبر، حيث أن الإغلاق الحكومي يقلل من موثوقية البيانات الاقتصادية ويضعف ثقة المستهلك والأعمال، مما قد يدفع صانعي القرار إلى تبني موقف حذر.

على الرغم من التعقيدات السياسية، لا يزال من المتوقع أن يخفض البنك المركزي الأمريكي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس الأسبوع المقبل، ومرة ​​أخرى في ديسمبر، وفقًا لاستطلاع أجرته رويترز للاقتصاديين، الذين يبقون منقسمين حول مسار الفائدة في العام التالي. وتفيد بيانات LSEG بأن عقود الدولار الأمريكي الآجلة تشير إلى احتمال شبه مؤكد يبلغ 97% لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. ويشير هذا التوقع شبه الإجماعي إلى أن الأسواق قد استوعبت بالفعل خفض الفائدة، ما يحد من قدرة هذا القرار على إحداث صدمة كبيرة في سعر الدولار الأمريكي، ما لم يأتِ الاحتياطي الفيدرالي بلهجة مفاجئة.

وفي سياق آخر، ارتفع اليورو بنسبة 0.03% مقابل الدولار الأمريكي إلى 1.16 دولار، بعد تأجيل قمة كانت مقررة بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عقب رفض روسيا وقف إطلاق النار الفوري في أوكرانيا.

خلاصة التحليل ومسار الدولار الأمريكي المستقبلي

تستمر التطورات الاقتصادية العالمية في التأثير على قيمة الدولار الأمريكي، حيث يعمل ضعف التضخم البريطاني والسياسات المالية التوسعية في اليابان كعوامل دعم مؤقتة لقوته النسبية وسط توجهات الابتعاد عن المخاطرة. ومع ذلك، يواجه الدولار الأمريكي ضغوطاً داخلية قوية ناتجة عن التوقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، بالإضافة إلى حالة الجمود السياسي التي تزيد من حالة عدم اليقين الاقتصادي. سيبقى اجتماع الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل هو العامل المحدد والأساسي للمسار الواضح للعملة الخضراء في الربع الأخير من العام، حيث سيترقب المستثمرون أي إشارات حول وتيرة الخفض المستقبلية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى