أسعار النفط ترتفع 2% وسط تفاؤل باتفاقيات التجارة العالمية وتراجع المخزونات

سجلت أسعار النفط ارتفاعاً قوياً لليوم الثاني على التوالي يوم الأربعاء، محققة زيادة بنحو 2%، مدعومة بتزايد الآمال حول إحراز تقدم في صفقات التجارة الثنائية الرئيسية، لا سيما بين الولايات المتحدة وكل من الصين والهند، بالإضافة إلى بيانات تشير إلى تراجع في المخزونات الأمريكية.
صعدت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 96 سنتاً، أو 1.6%، لتصل إلى 62.28 دولاراً للبرميل اعتباراً من الساعة 09:24 بتوقيت غرينتش، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط (WTI) بمقدار 95 سنتاً، أو 1.7%، لتسجل 58.19 دولاراً. ويعكس هذا الارتفاع السريع مدى حساسية أسعار النفط ليس فقط للعوامل الاقتصادية الكلية، ولكن أيضاً للأخبار الجيوسياسية وتحالفات التجارة الدولية التي تعيد تشكيل خارطة تدفقات الطاقة العالمية.
آمال الهند وأمريكا تحرّك سوق النفط وتغير مسار الإمدادات
كانت التقارير التي أشارت إلى اقتراب الولايات المتحدة والهند من إبرام صفقة تجارية هي المحرك الأبرز للأسعار. وفي هذا الصدد، علقت سوجين كيم، محللة في بنك MUFG، بقولها: “ارتفعت أسعار النفط بعد أن أشارت التقارير إلى أن الولايات المتحدة والهند تقتربان من إنهاء صفقة تجارية قد تشهد تخفيض الهند تدريجياً لوارداتها من الخام الروسي، مما قد يرفع الطلب على درجات الخام الأخرى”.
ويعتبر هذا التحول الاستراتيجي في الهند، وهي واحدة من أكبر مستهلكي الطاقة في العالم، ذا أهمية قصوى. فعندما تقلل الهند من مشترياتها من النفط الروسي الذي غالباً ما يباع بأسعار مخفضة أو بعيداً عن الأسعار القياسية، فإنها تضطر للعودة إلى السوق العالمية التنافسية للحصول على إمداداتها. هذا الطلب المتزايد والمحول يدعم بشكل مباشر الهياكل السعرية للخامين القياسيين برنت وغرب تكساس الوسيط. وتأكد هذا التوجه بعدما أشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى محادثة مع رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، حيث أكد الأخير أن الهند ستحد من مشترياتها النفطية من روسيا.
بالإضافة إلى الأبعاد الجيوسياسية للطاقة، ذكرت صحيفة “مينت” الهندية أن البلدين يقتربان من اتفاق تجاري طال تأجيله، من شأنه أن يخفض الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات الهندية من 50% إلى ما بين 15-16%. ويُتوقع أن يؤدي هذا الانفراج التجاري إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية وفتح آفاق لزيادة نمو الناتج المحلي الإجمالي في كلا البلدين، مما يدعم توقعات الطلب العالمي على الطاقة.
تطورات محادثات التجارة بين واشنطن وبكين
يتابع المستثمرون كذلك عن كثب التقدم المحرز في المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث من المقرر أن يلتقي مسؤولون من البلدين هذا الأسبوع في ماليزيا. وعلى الرغم من تفاؤل ترامب بإمكانية التوصل إلى اتفاق “عادل” مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلا أن تصريحاته اللاحقة أضافت عنصراً من عدم اليقين حول موعد حدوث هذا الاجتماع.
هذا التذبذب في الخطاب السياسي يساهم في خلق بيئة تداول متقلبة لأسعار النفط، حيث يتفاعل السوق بقوة مع أي إشارة بشأن احتمالية تصاعد أو تراجع الحرب التجارية. فالتصعيد التجاري يهدد بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وهو ما يترجم فوراً إلى تراجع في توقعات الطلب على الطاقة. وعلى النقيض، فإن أي بوادر للتهدئة تدعم التوقعات الاقتصادية وتدفع الأسعار للأعلى.
على صعيد آخر، عادت المخاوف المتعلقة بالإمدادات لتظهر مجدداً في المشهد الجيوسياسي. فقد زادت التوترات بسبب الأنباء عن تأجيل قمة كانت مرتقبة بين الرئيس ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي الوقت ذاته، تتصاعد الضغوط التي تمارسها الحكومات الغربية على المشترين الآسيويين للحد من مشترياتهم من النفط الروسي، وهو ما يثير مخاوف بشأن اضطراب تدفقات الإمدادات، خاصة في الأسواق الآسيوية الحيوية. هذا المزيج من آمال الطلب في آسيا ومخاوف نقص الإمدادات يضع ضغطاً صعودياً على أسعار النفط.
تراجع المخزونات ودعم الاحتياطي الاستراتيجي: مؤشرات فنية وطلب حكومي
لم يكن تفاؤل التجارة والعوامل الجيوسياسية العاملين الوحيدين في دعم أسعار النفط. فقد أشارت مصادر السوق، نقلاً عن أرقام معهد البترول الأمريكي (API) يوم الثلاثاء، إلى أن مخزونات الخام والبنزين والمشتقات الأمريكية شهدت انخفاضاً الأسبوع الماضي، وهو ما يبعث على التفاؤل بشأن الطلب. وتُعد أرقام API مؤشراً أولياً حاسماً، يمهد الطريق لتقرير إدارة معلومات الطاقة (EIA) الأكثر تأثيراً في اليوم التالي، وغالباً ما تحدد نغمة التداول لجلسة التداول التالية. انخفاض المخزونات يوحي بزيادة في الاستهلاك المحلي أو الصادرات، مما يقلل من فائض المعروض.
بالإضافة إلى ذلك، عززت وزارة الطاقة الأمريكية (DOE) من توقعات الطلب بقرارها شراء مليون برميل من النفط الخام للاحتياطي البترولي الاستراتيجي (SPR)، مستغلةً الأسعار المنخفضة نسبياً للمساعدة في تجديد المخزون. لا يمثل هذا الشراء الحكومي مجرد دعم مادي للطلب، بل يبعث برسالة قوية إلى السوق بأن الحكومة الأمريكية تعتبر أن أسعار النفط الحالية مغرية بما يكفي لبناء مخزونها الطارئ، مما يخلق أرضية نفسية داعمة للأسعار ويحد من احتمالات الانخفاض الحاد.
اقرأ أيضا…