أسعار الذهب تعوض جزء من خسائرها يدعمها عدم اليقين وتوقعات خفض الفائدة

عاد المعدن الأصفر إلى دائرة الضوء، حيث سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً طفيفاً يوم الأربعاء، مستعيدة جزءاً من خسائرها الكبيرة التي سجلتها في الجلسة السابقة. هذا الانتعاش لم يكن مجرد تصحيح فني، بل جاء نتيجة عمليات شراء “عند الهبوط” من قبل المستثمرين عند مستويات أقل، مدفوعاً بحالة عدم اليقين الاقتصادي الأوسع وتزايد التوقعات بشأن خفض محتمل لأسعار الفائدة الأمريكية. إن الاعتقاد الراسخ بأن الذهب يمثل تحوطاً حقيقياً ضد المخاطر النظامية هو ما حفز عمليات الشراء هذه، خاصة وأن المستويات التي تم الهبوط إليها اعتبرت نقطة دخول مغرية.
ارتداد بعد تراجع حاد وعمليات شراء عند مستويات الدعم
ارتفعت أسعار الذهب الفورية بنسبة 0.3% لتصل إلى 4,134.37 دولاراً للأونصة (حسب توقيت 0803 بتوقيت جرينتش)، بينما صعدت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لشهر ديسمبر بنسبة 1% تقريباً لتسجل 4,147.10 دولاراً للأونصة. ويأتي هذا الارتداد بعد تراجع حاد للمعدن الثمين، حيث كان قد هبط في وقت سابق إلى 4,003.39 دولاراً، مواصلاً خسائر بلغت 5.3% يوم الثلاثاء، والتي مثلت أشد انخفاض يومي له منذ أغسطس 2020. هذا التراجع الحاد يعتبر في نظر المحللين “تطهيراً” فنياً صحياً للسوق.
وفي هذا السياق، علقت المحللة رونا أوكونيل من StoneX، مشيرة إلى أن “التصحيح كان ضرورياً لأن السوق كان في حالة تشبع شرائي حقيقي، يتحرك بدافعه الخاص”. وتوضح هذه النقطة أن الارتفاعات السابقة كانت سريعة جداً وغير مستدامة فنياً، مما جعل الهبوط الأخير ضرورياً لـ “تنظيف” المراكز المضاربة. وأضافت أوكونيل: “الجميع لا يزالون في حقبة مشحونة بحالات عدم اليقين، وهذا على الأرجح يعني أن أي انخفاضات جوهرية… ستولد اهتماماً جديداً بالشراء”. وهذا يؤكد أن الدافع الأساسي لارتفاع أسعار الذهب، وهو الخوف من المخاطر، لا يزال قائماً.
العوامل الدافعة للارتفاع: الفيدرالي والتوترات الجيوسياسية
يُعتبر الذهب ملاذاً آمناً تقليدياً، ويزدهر بشكل خاص في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. وتترقب الأسواق تقرير مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الأمريكي المقرر صدوره يوم الجمعة، والذي سيوفر رؤى حاسمة حول مسار الاحتياطي الفيدرالي بشأن تخفيض أسعار الفائدة. يعد هذا التقرير هو الاختبار الحقيقي لمستوى التضخم، فإذا جاءت البيانات أضعف من المتوقع، فإنها ستعزز بشكل كبير توقعات تسريع وتيرة خفض الفائدة، مما يؤدي إلى انخفاض تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب (الذي لا يدر عائداً)، ويدفع أسعار الذهب إلى الصعود مباشرة. ويشير استطلاع أجرته “رويترز” للاقتصاديين إلى أن البنك المركزي سيخفض سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس الأسبوع المقبل ومرة أخرى في ديسمبر، رغم الانقسام حول التوقعات طويلة الأجل.
على الصعيد الجيوسياسي، استمرار حالة عدم اليقين يصب بقوة في صالح الذهب. وقد أُرجئت قمة مزمعة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين يوم الثلاثاء، بينما يظل الغموض مخيماً حول اجتماع محتمل بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ. هذه الإخفاقات الدبلوماسية لا تخلق حالة من القلق العام فحسب، بل تزيد من المخاطر النظامية، مما يفرض “علاوة جيوسياسية” على أسعار الذهب، حيث يفضل المستثمرون العودة إلى الأصل الذي لا يرتبط بدولة معينة أو عملة معينة كأصل وقائي. هذه التوترات العالمية تزيد من جاذبية الذهب كأصل وقائي.
الذهب يتجه نحو أداء قياسي وتدفقات مؤسسية قوية
سجل الذهب ارتفاعاً هائلاً بنسبة 57% حتى الآن هذا العام، وهو في طريقه لتسجيل أقوى أداء سنوي له منذ عام 1979. هذا الأداء القوي مدعوم بالاضطرابات الجيوسياسية والاقتصادية، وتوقعات تخفيض أسعار الفائدة الأمريكية، والتدفقات القوية لصناديق المؤشرات المتداولة (ETFs). إن مقارنة الأداء بعام 1979 – الذي شهد ارتفاعات ضخمة في أسعار النفط وتضخماً مزمناً – يشير إلى أن المستثمرين يقيّمون المخاطر الحالية على أنها مخاطر هيكلية طويلة الأجل وليست مجرد تقلبات عابرة. تؤكد التدفقات الكبيرة لـ ETFs أن الأموال المؤسسية الكبيرة تتبنى استراتيجية التحوط بالذهب، مما يعطي مزيداً من الدعم والزخم لأسعار الذهب.
وفي سياق المعادن الأخرى، ارتفعت أسعار الفضة الفورية بنسبة 0.2% لتصل إلى 48.84 دولاراً للأونصة، متعافية قليلاً بعد انخفاض بنسبة 7.1% يوم الثلاثاء، متبعةً في ذلك مسار الذهب كملجأ آمن.
اقرأ أيضا…