أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط: صراع الفائض والمخاوف التجارية يهدد استقرار السوق

شهدت أسعار النفط استقراراً نسبياً يوم الثلاثاء بعد التراجع الذي سجلته في الجلسة السابقة، حيث تتصدر المخاوف بشأن فائض المعروض وتراجع الطلب، إلى جانب النزاع التجاري المستمر بين الولايات المتحدة والصين، وهما أكبر مستهلكين للنفط في العالم، المشهد الاقتصادي. إن هذا التوازن الهش يعكس حالة من عدم اليقين تسيطر على سوق الطاقة العالمية.

هذه التحديات لا تقتصر على أساسيات العرض والطلب المباشرة في سوق الطاقة فحسب، بل تمتد لتلقي بظلالها على توقعات النمو الاقتصادي العالمي. فكلما تصاعدت التوترات التجارية بين القوتين الاقتصاديتين، تزداد المخاوف من تباطؤ النشاط الصناعي والتجاري، مما يعني حتماً تراجعاً في الطلب على وقود النقل والصناعة، وهذا يضغط مباشرة على أسعار النفط.

وبقيت عقود خام برنت الآجلة دون تغيير عند 61.01 دولاراً للبرميل (حتى 0832 بتوقيت جرينتش)، بينما تراجعت عقود غرب تكساس الأمريكي (WTI) لتسليم نوفمبر بمقدار 15 سنتاً إلى 57.37 دولاراً للبرميل، فيما استقرت عقود ديسمبر الأكثر نشاطاً عند 57.02 دولاراً.

دوافع الانخفاض: فائض المعروض والمناخ الاقتصادي

انخفضت أسعار النفط في الجلسة الماضية إلى أدنى مستوياتها منذ أوائل مايو، مدفوعة بالقلق المتزايد حول وفرة المعروض وتباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما تفاقم نتيجة للتصعيد الأخير في النزاع التجاري بين واشنطن وبكين.

وفي تحليل لافت، أشار أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في بنك ساكسو، إلى أن “الرهانات المضاربية على انخفاض الأسعار من المرجح أن تستمر طالما بقي سعر خام برنت أقل من 65 دولاراً”.

يُلاحظ أن كلاً من خام برنت وWTI قد تحولا إلى هياكل سوق “التأجيل” (Contango)، حيث تكون أسعار التسليم الفوري أقل من أسعار التسليم الآجل. هيكل “التأجيل” (Contango) ليس مجرد مؤشر نظري لوفرة الإمدادات، بل هو إشارة قوية إلى أن السوق فقدت “علاوة المخاطر” المتعلقة بشح الإمدادات. هذا الهيكل يخلق حافزاً للمتداولين لتخزين النفط الآن وبيعه لاحقاً بسعر أعلى، مما يزيد من الضغط على مرافق التخزين العالمية ويعكس افتقاراً ملحوظاً في ثقة المستثمرين بالطلب الفوري. تُشير هذه الظاهرة بوضوح إلى وفرة في الإمدادات القريبة وتراجع في الطلب، مما يزيد الضغط الهبوطي على النفط الخام.

سياسات “أوبك+” وتحديات التوقعات المستقبلية

تتعرض أسعار النفط لضغوط إضافية مع استمرار منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفائها، المعروفين باسم “أوبك+”، في المضي قدماً بخططهم لإضافة المزيد من النفط إلى السوق. وقد أدى هذا التوجه إلى توقعات المحللين بحدوث فائض كبير في النفط الخام هذا العام والعام المقبل.

وقد عززت وكالة الطاقة الدولية (IEA) هذه المخاوف بتوقعاتها الأسبوع الماضي التي أشارت إلى فائض عالمي يقارب 4 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2026، مما يرسم صورة قاتمة لتوازن السوق على المدى المتوسط والطويل. هذه التوقعات تشكل اختباراً حقيقياً لمدى التزام تحالف “أوبك+” بخفض الإنتاج، خاصة إذا بدأ الفائض في التراكم بمستويات تفوق قدرة السوق على الاستيعاب.

ويتوقع محللو بنك جولدمان ساكس أن يصل سعر خام برنت إلى 52 دولاراً للبرميل في الربع الرابع من عام 2026. ومع ذلك، قد يستغرق الانخفاض الفعلي في أسعار النفط بعض الوقت حتى يتحقق، مدعوماً بقوة الطلب المستمرة على تكرير الديزل. وفي الوقت ذاته، يشير تحليل جولدمان ساكس إلى عامل دعم مهم، وهو قوة هوامش تكرير الديزل. فارتفاع الطلب على الديزل، الذي يستخدم في النقل والشحن والصناعة، يدعم الطلب على النفط الخام كمادة خام أساسية للتكرير، مما يضع حداً أدنى مؤقتاً للتراجعات السريعة ويخفف من حدة الضغط الهبوطي في المدى القريب، حتى مع توقعات الأسعار المنخفضة لعام 2026.

بيانات المخزونات الأمريكية ومستقبل التجارة

أظهر استطلاع أولي أجرته رويترز يوم الاثنين أن مخزونات النفط الخام الأمريكية من المرجح أن تكون قد ارتفعت الأسبوع الماضي، وذلك قبل صدور التقارير الأسبوعية الرسمية من معهد البترول الأمريكي (API) وإدارة معلومات الطاقة (EIA). في الأسبوع المنتهي في 10 أكتوبر، كانت الزيادات في مخزونات الخام أكبر من المتوقع، في حين تراجعت مخزونات البنزين والديزل.

وفي هذا السياق، أكد المحلل أولي سفالبي من بنك SEB أن “نحن لسنا في أزمة فائض. مخزونات المشتقات تراجعت للتو، وأي مفاجآت جيوسياسية لا تزال قادرة على إحداث تحركات حادة مضادة على المدى القصير، لكن التحيز السائد هو نحو الجانب السلبي، ما لم تبطئ أوبك+ من خططها أو تحدث مفاجآت إيجابية في الاقتصاد الكلي”. إن الزيادات الأكبر من المتوقعة في المخزونات التجارية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، خاصة تلك المتوقعة في نوفمبر ويناير، تُعد عاملاً حاسماً يتم تسعيره فورياً في السوق.

بالإضافة إلى العوامل النفطية المباشرة، يمكن للتوصل إلى اتفاق أوسع في النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين أن يوفر دفعة، أو على الأقل أرضية، لـ أسعار النفط. ويعلق المستثمرون آمالهم على اجتماع مزمع بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ الأسبوع المقبل في كوريا الجنوبية، رغم أن الخلافات حول الرسوم الجمركية والتكنولوجيا والوصول إلى الأسواق لا تزال دون حل. إن أي اختراق إيجابي في محادثات كوريا الجنوبية، حتى لو لم يحل جميع القضايا العالقة، يمكن أن يُحدث تحولاً سريعاً في المعنويات، لأنه سيقلل من احتمال تباطؤ النمو العالمي، وبالتالي يدعم الطلب على النفط ويرفع من مستوى الأسعار العالمية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى