أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تتراجع بعد قفزة قياسية.. والأنظار تتجه نحو بيانات التضخم الأمريكية

شهدت أسعار الذهب تراجعاً ملحوظاً اليوم الثلاثاء، متخلية عن أكثر من 1% من قيمتها، في خطوة فسرها المحللون بأنها عملية “جني أرباح” طبيعية ومنطقية بعد أن سجل المعدن الأصفر رقماً قياسياً جديداً غير مسبوق في جلسة التداول السابقة. هذا التحول يأتي رغم استمرار توقعات السوق بخفض وشيك لأسعار الفائدة الأمريكية، واستمرار الطلب القوي على الملاذات الآمنة، مما يشير إلى أن التصحيح الحالي مدفوع بالسيولة أكثر منه بتغير في العوامل الأساسية.

أسعار الذهب تشهد تراجع مؤقت أم بداية تصحيح؟

انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 1.6% ليصل إلى 4,287.89 دولار للأونصة (اعتباراً من الساعة 08:03 بتوقيت غرينتش)، وذلك بعد أن لامس يوم الإثنين مستوى تاريخياً غير مسبوق عند 4,381.21 دولار للأونصة. هذا الهبوط الفوري يُعزى بشكل أساسي إلى المستثمرين الذين يسعون إلى تسييل مكاسبهم السريعة بعد الارتفاعات الحادة، حيث يمثل المستوى القياسي نقطة إغراء لبيع جزء من المراكز المفتوحة. كما تراجعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لشهر ديسمبر بنسبة 1.3%، مسجلة 4,303.60 دولار للأونصة.

في الوقت ذاته، سجل مؤشر الدولار الأمريكي ارتفاعاً بنسبة 0.2%، وهو ما يرفع من تكلفة حيازة الذهب بالنسبة للمستثمرين من حاملي العملات الأخرى. العلاقة العكسية بين الدولار والذهب تعني أن قوة العملة الخضراء تجعل شراء الذهب المقوم بها أكثر تكلفة خارج الولايات المتحدة، مما يساهم في الضغط البيعي اللحظي على أسعار الذهب.

يؤكد نيتيش شاه، استراتيجي السلع في WisdomTree، أن “الارتفاع في أسعار الذهب كان سريعاً ومكثفاً بعض الشيء، ونتيجة لذلك، سنشهد عمليات تراجع في كل مرة يتم فيها الوصول إلى مستويات قياسية جديدة. هذه التراجعات ضرورية لتبريد السوق وتصحيح المسار قبل استئناف الصعود”.

المحركات الكلية وراء صعود الذهب الصاروخي 63%

لا يمكن النظر إلى التراجع الحالي بمعزل عن الصورة الأكبر التي دفعت أسعار الذهب للارتفاع بنسبة 63% هذا العام. ويقف خلف هذا الأداء الصاروخي مزيج من العوامل الأساسية، التي لا تزال سارية المفعول وتدعم النظرة الإيجابية طويلة الأجل:

  1. الضبابية الجيوسياسية والاقتصادية: التي تعزز مكانة الذهب كملاذ آمن بامتياز. هذا يشمل التوترات المتصاعدة في مناطق الصراع المختلفة حول العالم، بالإضافة إلى المخاوف المستمرة بشأن التباطؤ الاقتصادي العالمي ومخاطر الديون السيادية، مما يدفع رؤوس الأموال للبحث عن أصول تحافظ على قيمتها بغض النظر عن الأزمات.
  2. الشراء المستدام للبنوك المركزية: لقد شكلت شهية البنوك المركزية، خاصة في الأسواق الناشئة مثل الصين والهند وتركيا، طلباً مؤسسياً قوياً ومستمراً. وتسعى هذه البنوك إلى تنويع احتياطياتها بعيداً عن هيمنة الدولار الأمريكي، مما يوفر أرضية دعم صلبة تمنع الذهب من الانخفاضات الحادة وتؤكد دوره كأصل احتياطي عالمي موثوق.
  3. توقعات خفض الفائدة الأمريكية: يميل الذهب، كأصل لا يدر عائداً، للاستفادة بشكل كبير من بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. فعندما تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية، تقل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب مقارنة بالسندات والودائع التي تحمل عائداً. كلما زاد يقين السوق بأن الاحتياطي الفيدرالي سيتجه نحو التيسير النقدي، أصبح الذهب أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عائد مستقبلي في ظل تدهور قيمة النقود.

الرهان الكبير: كيف سيؤثر مؤشر التضخم الأمريكي؟

تتجه أنظار المستثمرين حالياً بشكل كامل نحو بيانات مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الأمريكي، والمقرر صدورها يوم الجمعة. من المتوقع أن تُظهر البيانات ارتفاعاً بنسبة 3.1% على أساس سنوي لشهر سبتمبر.

إذا جاءت البيانات متوافقة أو أقل من التوقعات (أقل من 3.1%)، فمن المرجح أن تتعزز التوقعات القائمة حالياً في السوق بأن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سيخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعه الأسبوع المقبل. هذا السيناريو، بصفته يقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب كما ذكرنا، يعد عاملاً داعماً جوهرياً لاستئناف ارتفاع أسعار الذهب وتحطيم مستويات قياسية جديدة قريباً.

على النقيض من ذلك، إذا جاءت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين أعلى بشكل مفاجئ من 3.1%، فقد تتردد السوق وتخفف من رهاناتها على خفض الفائدة الفوري. هذا التطور قد يؤدي إلى ارتفاع مؤقت في عوائد السندات والدولار، مما يتسبب في موجة بيع سريعة ومحدودة للذهب مع إعادة تقييم المستثمرين لجدول الفيدرالي الزمني.

وفي إشارة إلى مرونة السوق، يرى جيوفاني ستاونوفو، المحلل في UBS، أن “لا يزال هناك العديد من المشاركين في السوق الذين لم يتمكنوا من المشاركة في هذا الارتفاع (في الذهب) ويبحثون عن فرصة للدخول إذا حدث تراجع في الأسعار، مما يحد من الجانب السلبي في الوقت الحالي ويشير إلى وجود طلب كامن قوي”.

أداء المعادن الثمينة الأخرى

تبعاً لتراجع الذهب، شهدت المعادن الثمينة الأخرى تراجعاً حاداً، حيث انخفض سعر الفضة الفورية بنحو 4% ليصل إلى 50.39 دولار للأونصة، وتراجع البلاتين بنسبة 3.9% إلى 1,574.05 دولار، كما خسر البلاديوم 4.5% ليصل إلى 1,428.25 دولار للأونصة. يأتي هذا رغم أن التدفقات المتزايدة للفضة نحو سوق لندن قد خففت من قيود السيولة في هذا المركز العالمي للمعادن، مما يدل على أن حركة جني الأرباح كانت شاملة لقطاع المعادن الثمينة بأكمله كرد فعل على المكاسب الأخيرة.

باختصار، يمر سوق أسعار الذهب بمرحلة تصحيح صحية، لكن المحركات الأساسية التي دفعته إلى القمم القياسية لا تزال قائمة، ويبقى قرار الفيدرالي الوشيك بناءً على بيانات التضخم هو العامل الحاسم الذي سيحدد الاتجاه القادم للمعدن الأصفر.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى