الدولار الأمريكي يتأرجح بين السياسة والمخاطر الائتمانية والتوترات التجارية

التطورات السياسية في اليابان وأثرها على سعر الدولار
كان لليابان الدور الأبرز في تحديد حركة الدولار الأمريكي مقابل الين (JPY). فقد أدت التوقعات باقتراب تولي ساناي تاكايتشي منصب رئاسة الوزراء إلى إضعاف الين. هذا الاحتمال، المدعوم بائتلاف جديد يميل لليمين، أثار مخاوف المستثمرين بشأن احتمال التوسع المالي، مما قد يضغط على قيمة العملة اليابانية.
تُشكل هذه التطورات تحولاً ملحوظاً في المشهد السياسي الياباني، حيث يُنظر إلى الائتلاف الجديد على أنه يميل بقوة نحو زيادة الإنفاق العام. هذا التوجه نحو التوسع المالي يُفهم في الأسواق على أنه يضع ضغطاً هبوطياً على الين، لاسيما وأن التيسير المالي يميل إلى التعارض مع أي جهود مستقبلية لبنك اليابان لتضييق سياسته النقدية.
وتترقب الأسواق نتائج اجتماع بنك اليابان المقرر في 30 أكتوبر، حيث تبلغ الاحتمالات الضمنية لرفع سعر الفائدة ربع نقطة 23%، وهي نسبة تعكس الشكوك حول قدرة البنك على المضي قدماً في التشديد في ظل الرياح المعاكسة للسياسة المالية الجديدة. في هذا السياق، ارتفع الدولار الأمريكي بنسبة 0.1% ليسجل 150.73 ين. ورغم أن عضو مجلس إدارة بنك اليابان، هاجيمي تاكاتا، كرر دعوته لاستئناف رفع أسعار الفائدة – مما دعم الين جزئياً – إلا أن مؤشر نيكاي الياباني أغلق على ارتفاع بأكثر من 3%، مسجلاً أعلى مستوى له على الإطلاق، مدفوعاً بتوقعات السياسة المالية التوسعية.
اليورو والمخاطر الائتمانية الأمريكية
على الجانب الآخر، حافظ اليورو على استقراره مقابل الدولار الأمريكي عند 1.1653 دولار، حيث هدأت حدة التوترات السياسية في فرنسا مؤقتاً بعد قرار الحكومة تجميد إصلاحات التقاعد. ومع ذلك، لا يزال الحذر يسيطر على المستثمرين، إذ لم تسعر الأسواق بالكامل “المخاطر الفرنسية”.
على الرغم من أن تجميد إصلاحات التقاعد في فرنسا خفف بعض الضغط السياسي قصير الأجل، إلا أن المشكلات الهيكلية المتعلقة بالميزانية الفرنسية لا تزال قائمة، مما يفرض سقفاً على أي ارتفاعات قوية لليورو. ومن جهة أخرى، يظل التركيز الأكبر منصباً على المخاطر الائتمانية في الولايات المتحدة. فاحتمالية تعطيل الحكومة الأمريكية أو تكرار أزمة سقف الدين تغذي حالة من عدم اليقين، وتدفع المستثمرين للتحول نحو أصول الملاذ الآمن أو إعادة تقييم المخاطر المرتبطة بـ الدولار الأمريكي، مما يجعله عرضة للمزيد من التقلبات الحادة. وفي تقييم لمستقبل الزوج، أشار فرانشيسكو بيسولي، خبير استراتيجيات الصرف الأجنبي في ING، إلى أن التركيز سيبقى على الولايات المتحدة هذا الأسبوع، محذراً من أن “أي تدهور إضافي في المعنويات الائتمانية قد يضع اليورو على مسار نحو 1.180 دولار”.
التحديات الداخلية والخارجية التي يواجهها الدولار الأمريكي
شهد مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس قيمته مقابل سلة من العملات الرئيسية، ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 0.05% ليصل إلى 98.58. ورغم هذا الارتفاع الطفيف، يواجه الدولار الأمريكي اختباراً حقيقياً على جبهات متعددة، وفقاً لتحذيرات خبراء الاقتصاد:
- تعطيل الحكومة الأمريكية: أكد كلاوس بادر، كبير الاقتصاديين العالميين في سوسيتيه جنرال، أن الإغلاق الحكومي يضر بالنشاط الاقتصادي بشكل مباشر وغير مباشر. وإضافةً إلى التوتر السياسي، يشير الاقتصاديون إلى أن الآثار السلبية لتعطيل الحكومة الأمريكية تتجاوز الأضرار المباشرة (مثل توقف دفع رواتب الموظفين الفيدراليين)، لتشمل تراجعاً في ثقة المستهلكين والشركات وتجميد القرارات الاستثمارية.
- التوترات التجارية مع الصين: لا تزال التوترات بين الولايات المتحدة والصين تشكل مصدر قلق رئيسي للسوق.
- تأثير التعريفات الجمركية: التعريفات المفروضة بالفعل تواصل تأثيرها السلبي، مما يبطئ نمو دخل الأسر الحقيقي ويضغط على هوامش ربح الشركات. أما فيما يخص التعريفات الجمركية، فإن تأثيرها السلبي يكمن في أنها تعمل كضريبة خفية، حيث يتم تمرير تكاليف استيراد السلع المرتفعة إلى المستهلك النهائي، مما يؤدي إلى تباطؤ نمو الدخل الحقيقي للأسر، وفي الوقت ذاته، تضغط على هوامش الأرباح لشركات الاستيراد والإنتاج.
بالإضافة إلى ذلك، حذر بنك باركليز من أن غياب أي محفز واضح لإنهاء الإغلاق الحكومي قد يمدد الأزمة حتى نوفمبر، مما سيزيد من الضغوط السياسية والاقتصادية على العملة الأمريكية.
المؤشرات العالمية: صمود الاقتصاد الصيني
في سياق متصل، ارتفع الدولار الأسترالي قليلاً بعدما أظهرت البيانات الصادرة عن الصين (أكبر شريك تجاري لأستراليا) أن اقتصادها أكثر مرونة مما كان متوقعاً في مواجهة التعريفات الأمريكية. فقد نما الاقتصاد الصيني بنسبة 1.1% في الربع الثالث، متجاوزاً التوقعات، وارتفع الناتج الصناعي بنسبة 6.5%.
ورغم أن معدل النمو السنوي البالغ 4.8% هو الأضعف منذ عام، إلا أنه أبقى البلاد على مسار تحقيق هدف النمو الرسمي المحدد بحوالي 5%. يُعتبر هذا الصمود النسبي للاقتصاد الصيني مؤشراً مهماً على أن سلاسل الإمداد العالمية قد تكون بدأت في التكيف مع البيئة التجارية الحالية، وهو ما يخفف بدوره من الضغط المتوقع على شركاء الصين التجاريين مثل أستراليا.
اقرأ أيضا…