تراجع أسعار النفط تحت ضغط تخمة المعروض وتصعيد التوترات التجارية العالمية

أسعار النفط تواصل مسارها الهبوطي مع بداية الأسبوع، مدفوعة بزيادة المخاوف بشأن تخمة المعروض العالمي وتصاعد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، مما يهدد بتباطؤ النمو الاقتصادي و تراجع الطلب على الطاقة. هذا المقال يقدم تحليلًا مفصلاً للعوامل المتشابكة التي تدفع أسعار النفط للأسفل، مسلطاً الضوء على آليات السوق وهياكل العقود الآجلة التي تعكس هذه الضغوط الهبوطية.
خام برنت وغرب تكساس يتراجعان وتأثيره على التوقعات
شهدت العقود الآجلة لخام برنت تراجعاً بنسبة 0.3% لتصل إلى 61.11 دولاراً للبرميل، بينما انخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط (WTI) بنسبة مماثلة إلى 57.37 دولاراً للبرميل. يأتي هذا التراجع بعد انخفاض قياسي للأسبوع الثالث على التوالي لكلا المعيارين القياسيين، مع تحول اهتمام المتداولين بشكل جذري من مخاوف نقص الإمدادات إلى التخوف من فائض كبير في المعروض. يعكس هذا التحول تغييرًا في الثقة بالسوق، حيث بدأ المستثمرون يتوقعون أن الجهود الرامية لخفض الإنتاج لن تكون كافية لمواجهة التباطؤ في الاستهلاك العالمي.
ويشير هيكل العقود الآجلة لخام برنت، المعيار العالمي، إلى تحول كبير في معنويات السوق. حيث تحول الفارق الزمني لستة أشهر لخام برنت إلى هيكل “الكونتنجو” (Contango) للمرة الأولى منذ ظهور وجيز في مايو. تعني هذه الظاهرة أن العقود ذات التحميل المبكر يتم تداولها بأسعار أقل من العقود ذات التحميل اللاحق، وهو ما يشجع التجار على تخزين النفط الآن وبيعه مستقبلاً بأسعار أعلى. هذه الآلية تبرر التكلفة العالية لتخزين النفط – سواء في صهاريج برية أو ناقلات عائمة – وتؤكد وجود فائض حقيقي في الإمدادات يتجاوز الطلب الفوري.
التوترات التجارية تضرب آفاق الطلب وتُعطّل الشحن
أكبر ضغط على المدى الطويل على أسعار النفط يأتي من التدهور في الآفاق الاقتصادية العالمية. حذرت رئيسة منظمة التجارة العالمية مؤخراً من أن فك الارتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين قد يقلل من الناتج الاقتصادي العالمي بنسبة تصل إلى 7% على المدى الطويل. هذه النسبة الهائلة تُترجم مباشرة إلى تباطؤ في النشاط الصناعي والتجاري العالمي، وبالتالي تراجع في الطلب على الطاقة.
وقد استأنف أكبر مستهلكين للنفط في العالم حربهما التجارية بفرض رسوم إضافية على السفن التي تنقل البضائع بينهما، في تحركات تبادلية قد تؤدي إلى تعطيل كبير في تدفقات الشحن العالمية. هذه الرسوم الجديدة لا تزيد فقط من تكلفة البضائع، بل تخلق أيضاً اختناقات لوجستية في الموانئ وسلاسل الإمداد. ونظراً لاعتماد قطاعي التصنيع والنقل بشكل كبير على الوقود، فإن أي تباطؤ في التجارة العالمية يترجم مباشرة إلى انخفاض في استهلاك الديزل ووقود السفن، مما يضغط سلبًا على أسعار النفط ويقلل من توقعات نمو الطلب في آسيا وأمريكا الشمالية.
عوامل الإمداد والجيوسياسية تزيد من عدم اليقين
إلى جانب مخاوف تراجع الطلب، تساهم عدة عوامل في زيادة جانب العرض وتفاقم الغموض:
- توقعات وكالة الطاقة الدولية (IEA): ساهمت توقعات وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي بوجود “تخمة معروض متنامية” بحلول عام 2026 في الضغط الهبوطي. وتستند هذه التوقعات إلى مرونة إنتاج النفط من خارج أوبك بلس، خصوصاً في الأمريكتين، بالإضافة إلى استمرار تحسن كفاءة استخدام الطاقة عالمياً.
- الإنتاج الأمريكي والنفط الصخري: أعلنت شركة بيكر هيوز (Baker Hughes) لخدمات الطاقة أن شركات الطاقة الأمريكية أضافت منصات حفر الأسبوع الماضي للمرة الأولى منذ ثلاثة أسابيع. يعتبر عدد منصات الحفر مؤشرًا قياديًا لنشاط الحفر المستقبلي؛ هذه الزيادة، وإن كانت صغيرة، تبعث برسالة قوية إلى السوق مفادها أن منتجي النفط الصخري في الولايات المتحدة مستعدون للرد بسرعة على أي ارتفاع في أسعار النفط عن طريق ضخ المزيد من البراميل، مما يضع سقفاً غير مباشر لارتفاع الأسعار.
- الغموض الجيوسياسي الروسي: لا يزال الغموض يحيط بالإمدادات الروسية، حيث جدد الرئيس دونالد ترامب تحذيره من أن واشنطن ستحافظ على تعريفات “ضخمة” على الهند ما لم تتوقف عن شراء النفط الروسي. مثل هذه التهديدات يمكن أن تعيد تشكيل طرق التجارة النفطية العالمية وتفرض تكاليف لوجستية إضافية، مما يضيف طبقة من عدم اليقين إلى المشهد الجيوسياسي للإمدادات ويؤثر على سهولة تدفق النفط عالميًا.
في الختام، يواجه سوق الطاقة مزيجاً معقداً من زيادة المعروض العالمي (الذي يعكسه هيكل الكونتنجو العميق) ورياح معاكسة اقتصادية قوية ناجمة عن التوترات التجارية التي تخنق النمو. هذه العوامل مجتمعة تضع أسعار النفط تحت ضغط هبوطي مستمر يصعّب مهمة المنتجين في دعم الأسعار.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد