هبوط الأسهم الأمريكية بسبب مخاوف القروض المتعثرة في القطاع المالي

أغلقت الأسهم الأمريكية تعاملات يوم الخميس على تراجع حاد ومفاجئ، لتتبخر المكاسب التي حققتها في وقت سابق من الجلسة، وذلك على خلفية موجة بيع واسعة وقوية طالت أسهم البنوك الإقليمية على وجه الخصوص. وتأتي هذه التراجعات مدفوعة بالتصاعد الحاد للمخاوف بشأن ارتفاع مستويات القروض المتعثرة ضمن القطاع المالي، مما أثار شبح التضييق الائتماني. وقد تزامن هذا القلق الداخلي مع استمرار التوترات التجارية الجيوسياسية بين القوى العظمى، بالإضافة إلى إغلاق الحكومة الأمريكية المستمر الذي يُلقي بظلال من عدم اليقين على مستقبل البيانات الاقتصادية. هذا المزيج من الضغوط الداخلية والخارجية عزز من حالة التردد والهشاشة التي تسيطر على معنويات المستثمرين.
مؤشرات السوق الرئيسية تسجل انخفاضات ملحوظة
شهدت المؤشرات الرئيسية في وول ستريت تراجعاً ملموساً عكس ضعف قناعة المشترين، حيث فقد مؤشر داو جونز الصناعي 301.07 نقطة، أو ما يقرب من 0.7%، ليغلق عند مستوى 45,952.24 نقطة. وقد خسر المؤشر كل مكاسبه التي وصلت إلى 170 نقطة سجلها في بداية اليوم، في إشارة إلى أن الأخبار السلبية المتعلقة بالبنوك كانت كفيلة بإحداث انعكاس حاد وكامل.
وعلى نحو مماثل، أغلق مؤشر S&P 500 منخفضاً بنسبة 0.6% عند 6,629.07 نقطة، بينما تراجع مؤشر ناسداك المركب بنسبة 0.5% ليغلق عند 22,562.54 نقطة. ويؤكد هذا التراجع السريع في اتجاهات السوق، الذي امتد ليشمل قطاعات أوسع من مجرد القطاع المالي، على الهشاشة الحالية التي تخيم على معنويات المستثمرين، إذ أصبح السوق شديد الحساسية لأي إشارات سلبية تتعلق بسلامة الائتمان.
صدمة القروض المتعثرة تضرب البنوك الإقليمية
كان القطاع المصرفي، وخاصة البنوك الإقليمية، هو القائد بلا منازع لهذه الانخفاضات بسبب انكشافها المباشر على مخاطر الإقراض المحلي. فقد تراجعت أسهم بنوك مثل “زيونز” (Zions) و “ويسترن ألاينس” (Western Alliance) إلى أدنى مستوياتها لهذا اليوم. هوى سهم “زيونز” بنسبة 13% بعد أن تكبد البنك رسوماً كبيرة بسبب قروض متعثرة مرتبطة بعدد من المقترضين؛ هذه الرسوم تشير ضمناً إلى أن البنك اضطر لتجنيب احتياطيات ضخمة لمواجهة خسائر متوقعة، مما يؤدي مباشرة إلى تآكل أرباحه المستقبلية. وفي سياق متصل، انخفض سهم “ويسترن ألاينس” بنسبة 11% إثر إعلان البنك عن تعرضه لحالة احتيال من أحد المقترضين، وهو ما يعزز المخاوف بشأن جودة محافظ القروض في عموم القطاع.
وفي هذا الصدد، علّق جيد إيلربروك، مدير المحافظ في “أرجنت كابيتال مانجمنت”، لشبكة CNBC قائلاً: “السوق يعاني من قلق حقيقي إزاء الخسائر المرتبطة بالائتمان. التعليقات الأخيرة من البنوك الإقليمية لم ترضِ السوق، ولذلك نشهد تراجعاً في معظم الأسهم الأمريكية للشركات المالية والبنوك ذات الرسملة الصغيرة اليوم”.
وتأتي هذه التطورات في أعقاب إفلاس شركتين مرتبطتين بقطاع السيارات مؤخراً، مما أثار مخاوف واسعة حول ممارسات الإقراض المتساهلة، خاصة في سوق الائتمان الخاص (Private Credit) الأقل شفافية وتنظيماً. يُعد هذا السوق صندوقاً أسود للديون، وتكشف فيه حالات الإفلاس عن احتمالية وجود مخاطر مخفية قد تنتقل إلى المؤسسات المالية الأكبر. وقد لخّص جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك “جي بي مورجان”، هذا القلق بقوله: “عندما ترى صرصوراً واحداً، فمن المحتمل أن يكون هناك المزيد”، مشيراً إلى أن مشكلة القروض قد تكون أعمق من الحالات المعلنة، وأن العدوى قد تنتشر لتصبح خطراً نظامياً يهدد استقرار السوق.
التجارة والشلل الحكومي يضخمان خسائر الأسهم الأمريكية
تزامنت هذه الانخفاضات في سوق الأسهم الأمريكية مع ارتفاع مؤشر التقلب (VIX) إلى أعلى مستوياته منذ مايو الماضي، وهو ما يعكس حالة القلق المتزايدة بين المستثمرين والانتقال من حالة اليقظة إلى حالة الخوف. كما شهدت عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات انخفاضاً، لتتجاوز حاجز الـ 4% نزولاً، حيث يهرع المستثمرون إلى أصول الملاذ الآمن، بينما خسر مؤشر الدولار الأمريكي نحو 0.5%.
إلى جانب المخاوف المصرفية، لا تزال التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين تشكل ضغطاً إضافياً. ورغم تليين النبرة بعد تهديد الرئيس دونالد ترامب بفرض تعريفة إضافية بنسبة 100% على السلع الصينية – وهي خطوة من شأنها أن تعرقل سلاسل الإمداد العالمية وتزيد تكاليف الشركات الأمريكية – عادت التوترات لتتصاعد إثر تهديد ترامب بحظر تجاري على زيت الطهي الصيني. هذا النمط من المفاجآت الجيوسياسية يغذي الغموض ويجعل التخطيط المؤسسي شبه مستحيل.
ويشير إيلربروك إلى أن “إدارة ترامب ترغب في التأثير والتحكم في أمور أكثر بكثير مما فعلت الإدارات السابقة… لذلك فهم يهزّون السوق باستمرار بطرق غير متوقعة”. ويضيف أن هذا الواقع الجديد يجب على المستثمرين أن يتقبلوه وأن يكونوا على أهبة الاستعداد بشكل دائم، لأن عدم اليقين السياسي أصبح عاملاً هيكلياً في تقييم الأسهم الأمريكية.
أخيراً، يواصل المستثمرون مراقبة تطورات إغلاق الحكومة الأمريكية المستمر للأسبوع الثالث، والذي أدى إلى توقف غير محدد لبيانات اقتصادية حاسمة تصدرها الوكالات الفيدرالية. يُجبر هذا الإغلاق المعلوماتي المستثمرين على اتخاذ القرارات “وهم معصوبي الأعين” دون الاطلاع على تقارير حيوية مثل بيانات التضخم (CPI) أو تقارير الوظائف الشهرية، مما يزيد من حالة عدم اليقين في السوق ويحد من دقة التوقعات الاقتصادية.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد