الدولار الأمريكي ينخفض تحت ضغط خفض الفائدة وصراع المعادن النادرة

يشهد أداء الدولار الأمريكي (USD) تذبذباً ملحوظاً في الأسواق العالمية، متأثراً بحزمة من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية المتشابكة، أبرزها التكهنات المتزايدة بشأن خفض وشيك لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي (Fed)، وتصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، خاصة فيما يتعلق بملف المعادن النادرة. وقد دفع هذا المشهد المعقد مؤشر الدولار للتراجع للأسبوع الثالث على التوالي مقابل اليورو، بينما ارتفع بشكل طفيف مقابل الين الياباني.
التوقعات المُتزايدة لخفض أسعار الفائدة تضغط على الدولار
يمثل مسار السياسة النقدية الأمريكية حالياً الضغط الأكبر على قوة الدولار الأمريكي. فقد أظهر كتاب “بيج بوك” (Beige Book) الصادر عن الفيدرالي مؤشرات على ضعف اقتصادي ناشئ، بما في ذلك ارتفاع معدلات تسريح العمالة وتراجع الإنفاق بين الأسر ذات الدخل المتوسط والمنخفض. وقد عزز هذا التقرير الدعوات داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي لتسريع وتيرة التيسير النقدي.
حاكم الفيدرالي ستيفن ميران، على سبيل المثال، صرّح مؤخراً بأن خفض أسعار الفائدة أصبح الآن “أكثر أهمية”، مشيراً إلى أن المخاطر الاقتصادية المتزايدة تستدعي تحركاً عاجلاً قبل تفاقم التباطؤ. وفي ظل هذه التصريحات والبيانات، انخفض مؤشر الدولار (DXY)، الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنحو 0.05% ليحوم حول مستوى 98.64، متجهاً نحو تسجيل تراجع أسبوعي بنحو 0.3%.
بالإضافة إلى ذلك، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى قرب أدنى مستوياتها في عدة أسابيع فوق مستوى 4% بقليل، مما يقلل من جاذبية الأصول الدولارية للمستثمرين العالميين. ورغم أن بعض المحللين، مثل نيكولا جوليان من Candriam، عادوا إلى موقف “محايد” بعد تحقيق الأرباح، إلا أنهم يرقبون أي ضعف إضافي للدخول في مراكز شراء طويلة الأجل على السندات، مما يعكس توقعات السوق بمزيد من التيسير النقدي.
صراع المعادن النادرة يعيد التوتر التجاري إلى الواجهة
عامل آخر شديد التأثير على معنويات السوق وعلى الدولار هو تجدد الحرب التجارية بين واشنطن وبكين. فقد كثف المستثمرون التدقيق في قرار الصين الأخير بتوسيع قيودها على صادرات المعادن الأرضية النادرة، وهو ما انتقدته الولايات المتحدة بشدة كتهديد محتمل لسلاسل الإمداد العالمية الحرجة. تشكل هذه المعادن، التي تعد مكونات أساسية في صناعات التكنولوجيا المتقدمة والدفاع (مثل أشباه الموصلات، والبطاريات، والمعدات العسكرية)، ورقة ضغط استراتيجية بيد بكين التي تهيمن على نحو 70% من إمداداتها العالمية. تصعيد كهذا يثير القلق بين الشركات الأمريكية والأوروبية التي تعتمد على هذه المواد الخام، ما يضيف طبقة جديدة من عدم اليقين الجيوسياسي الذي غالباً ما يؤثر سلبًا على شهية المخاطرة ويدفع إلى البحث عن الملاذات الآمنة.
ويرى كريس تورنر، الرئيس العالمي للأسواق في بنك ING، أن “السؤال المطروح على الأسواق المالية هو ما إذا كانت القيود الصينية المقترحة على صادرات المعادن النادرة مجرد ورقة تفاوضية لكسب تنازلات أكبر من الولايات المتحدة”. هذه الأجواء المشحونة تزيد من حالة عدم اليقين، خاصة مع اقتراب موعد اللقاء المرتقب بين الرئيسين في كوريا الجنوبية، مما يهدد بتعطيل المحادثات الجارية. وتدفع هذه التطورات رؤوس الأموال نحو الأصول الملاذ الآمن. ومن المفارقات أن اليوان الصيني نفسه ارتفع إلى أعلى مستوى له في أسبوعين مقابل الدولار، بعد أن حدد البنك المركزي الصيني أقوى سعر صرف يومي له في عام كامل، ما يشير إلى ثقة الصين بقدرتها على إدارة تأثير هذه التوترات والتعامل مع التقلبات التجارية الجديدة.
العملات الرئيسية الأخرى: اليورو والين
في خضم تراجع الدولار الأمريكي، سجل اليورو ارتفاعاً طفيفاً ليلامس أعلى مستوى له في أسبوع عند 1.1651 دولار، رغم الأجواء السياسية في فرنسا بعد نجاة رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو من أول تصويت لحجب الثقة. ويشير المحللون إلى أن تأجيل إصلاح المعاشات حتى ما بعد عام 2027 قد خفف من حدة الأزمة مؤقتاً، مما سمح لليورو بالصمود.
أما الين الياباني (JPY)، فقد ارتفع لفترة وجيزة إلى 150.51 للدولار قبل أن يستقر عند 151.22. ورغم الدعم المتوقع للين من نهاية تشديد الفيدرالي، إلا أن الأوضاع السياسية الداخلية في اليابان – وتوقعات بتبني سياسات مالية توسعية بعد الانتخابات المرتقبة لرئاسة الحزب الليبرالي الديمقراطي – تُبقي على حالة من عدم اليقين. ويرجح الخبراء، مثل شينيتشيرو كادوتا من Barclays، الإبقاء على مراكز شراء الدولار مقابل الين، مع ترقب مخاطر التدخل الحكومي أو رفع أسعار الفائدة من قبل بنك اليابان.
ختاما يبقى الدولار الأمريكي في مفترق طرق، يواجه ضغوطاً هبوطية من التوقعات بخفض الفائدة وتأثير التوترات التجارية المتزايدة. ومع استمرار صراع النفوذ حول المعادن النادرة، تبقى الأسواق في حالة ترقب، ما يجعل التحليل الدقيق لبيانات الاحتياطي الفيدرالي أمراً حاسماً لتحديد الاتجاه القادم للعملة الخضراء.
اقرأ أيضا…