استقرار أسعار النفط في ظل الاستعداد لوقف محتمل للواردات الهندية من روسيا

شهدت أسعار النفط استقراراً ملحوظاً في التعاملات الأخيرة، حيث يترقب متداولو السوق التداعيات المحتملة لقرار هندي مرتقب بوقف استيراد النفط الروسي، وهو ما قد يدفع الطلب على الإمدادات من مصادر أخرى للارتفاع. هذا الاستقرار يأتي بعد أن لامست العقود الآجلة أدنى مستوياتها منذ أوائل شهر مايو في الجلسة السابقة بسبب التوترات التجارية المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين. لقد عكست هذه الانخفاضات السابقة قلق السوق من تباطؤ محتمل في النمو الاقتصادي العالمي، مما يقلل من الشهية للمخاطرة ويخفض توقعات الطلب على الطاقة. ومع ذلك، قدمت المستجدات الجيوسياسية الأخيرة بشأن الإمدادات الروسية عاملاً تصحيحياً قوياً دعم حالة التماسك الحالية.
تحركات عقود خام برنت وغرب تكساس (WTI) وتفسير الاستقرار
في التفاصيل، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت (Brent crude futures) بمقدار 29 سنتاً، أي ما يعادل 0.47%، لتصل إلى 62.20 دولاراً للبرميل. وفي الوقت نفسه، صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط (WTI) بمقدار 31 سنتاً، أو 0.53%، لتسجل 58.58 دولاراً للبرميل.
يشير هذا الارتفاع الطفيف إلى أن السوق قد امتصت جزئياً صدمة التوترات التجارية وبدأت في تقييم العوامل الجيوسياسية التي توفر دعماً محتملاً لـ أسعار النفط. إن وصول الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ شهور، قبل أن تعاود الارتفاع، يؤكد أن المتداولين يتفاعلون بسرعة مع أي إشارات تدل على انكماش محتمل في المعروض العالمي، خاصة من المنتجين الكبار مثل روسيا.
المشهد الجيوسياسي: الهند والنفط الروسي وتحول تدفقات الخام
تعد الهند المستورد الأكبر للنفط الروسي، حيث تستحوذ على نحو ثلث وارداتها من الخام من موسكو. وقد أصبحت روسيا المورد الأول للهند بعد أن عرضت تخفيضات كبيرة في الأسعار عقب العقوبات الغربية المفروضة على موسكو. وبرزت التطورات الأخيرة بعد تصريح منسوب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تعهد بوقف شراء النفط من روسيا.
وبالفعل، تشير تقارير إلى أن بعض المصافي الهندية تستعد لتقليص تدريجي في وارداتها من الخام الروسي. وقد علق توني سيكامور، محلل السوق في IG، على هذا التطور قائلاً: “هذا تطور إيجابي لسعر النفط الخام لأنه سيزيل مشترياً كبيراً (الهند) من سوق النفط الروسي”، وهو ما يضع ضغطاً صاعداً على أسعار النفط العالمية. فإذا تحولت الهند للبحث عن إمدادات بديلة، فمن المرجح أن يزيد طلبها على خامات الشرق الأوسط أو إفريقيا، مما يشدد العرض في تلك الأسواق. وفي المقابل، سيتعين على روسيا العثور على مشترين جدد لنفطها، وهو ما يزيد من الضغط التنازلي على أسعارها الخاصة، لكنه يرفع التكاليف اللوجستية العالمية.
ومع ذلك، سارعت الهند يوم الخميس إلى تأكيد أن هدفها الرئيسي هو ضمان استقرار أسعار الطاقة وتأمين الإمدادات، دون الإشارة إلى أي التزام محدد بوقف الاستيراد. كما أعربت روسيا عن ثقتها في استمرار شراكتها في مجال الطاقة مع نيودلهي.
قيود الإمدادات والعقوبات البريطانية: تأثير على منتجات النفط والناقلات
ما يضع أرضية داعمة قوية لـ أسعار النفط هو القيود المستمرة على الإمدادات الروسية الناجمة عن الضربات الأوكرانية المتواصلة بالطائرات المسيّرة على المصافي الروسية. هذه الضربات لا تؤثر فقط على قدرة روسيا على تكرير الخام، بل تؤدي إلى نقص في المنتجات المكررة مثل الديزل والبنزين في السوق العالمية، مما يرفع أسعار المنتجات ويدعم أسعار الخام بشكل غير مباشر. وقد أعلن وزير الطاقة الروسي عن تأجيل أعمال الصيانة المخطط لها للمصافي، في محاولة لإشباع السوق وتعويض النقص الحاصل بعد الهجوم على مصفاة ساراتوف.
وفي هذا السياق، يرى تاماس فارغا، محلل PVM، أن “التناقص السريع في توافر المنتجات والنفط الخام الروسي يجب أن يضع حداً أدنى للسوق. ومن المحتمل أن يصبح اختراق أدنى مستوى لبرنت هذا العام، البالغ 58.40 دولاراً للبرميل والذي تم التوصل إليه في أبريل، مهمة شاقة”.
وعلى صعيد العقوبات، أعلنت الحكومة البريطانية عن عقوبات جديدة استهدفت اثنتين من أكبر شركات الطاقة في العالم، وهما روسنفت (Rosneft) ولوك أويل (Lukoil). الأهم من ذلك، شملت العقوبات الجديدة أربع محطات نفطية، ومصفاة شاندونغ يولونغ للبتروكيماويات الخاصة في الصين، و44 ناقلة ضمن “الأسطول المظلل” الذي ينقل النفط الروسي، بالإضافة إلى مصفاة نايارا إنيرجي المحدودة المملوكة لروسيا في الهند. إن استهداف “الأسطول المظلل” يمثل خطوة مهمة لزيادة التكاليف والمخاطر التشغيلية لنقل النفط الروسي، مما يقلل من قدرة موسكو على تجاوز سقف الأسعار ويشدد المعروض في السوق العالمية. هذه الخطوات تزيد من التعقيد اللوجستي والتشغيلي لسلسلة الإمداد العالمية.
ختاما يظهر أن السوق النفطية تخضع حالياً لتوازن دقيق بين ضغوط صاعدة ناجمة عن انخفاض الإمدادات الروسية المحتمل (سواء بسبب الضربات أو التغيرات في الطلب الهندي) والقيود الجيوسياسية الأوسع. هذا التوازن يدعم حالة الاستقرار الحالية، مع ترجيح المحللين أن القيود المفروضة على المعروض الروسي ستضع سقفاً منخفضاً جداً أمام أي انخفاض كبير في أسعار النفط في المدى القريب، مما يشير إلى مرونة ملحوظة في وجه تقلبات الطلب المتأثرة بالتوترات التجارية.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد