خفض الفائدة المتوقع ومعنويات المخاطرة تهوي بالدولار الأمريكي

انزلق مؤشر الدولار الأمريكي (الذي يقيس العملة مقابل سلة من ست عملات رئيسية) متراجعاً بنسبة 0.2%، ليواصل خسائره التي بدأت في الجلسة السابقة. يأتي هذا التراجع مدفوعاً بعاملين رئيسيين مترابطين: تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول التي عززت التوقعات بخفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة، والتحسن الواسع في شهية المخاطرة عالمياً، مما قلل من جاذبية العملة الخضراء كـ”ملاذ آمن”.
التوجه التيسيري لباول وتوقعات خفض الفائدة من الفيدرالي
كان للتوجه “التيسيري” (Dovish) الذي تبناه رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في خطابه يوم الثلاثاء، وزن كبير على تسعير الدولار الأمريكي. فقد أشار باول إلى أن سوق العمل الأمريكي لا يزال عالقاً في حالة من “الركود” تتميز بانخفاض معدلات التوظيف والتسريح. هذا الوصف الدقيق لسوق العمل، الذي يفتقر إلى بيانات “ساخنة” تثير مخاوف التضخم، يمنح البنك المركزي مرونة أكبر للنظر في تيسير سياسته النقدية.
هذا التقييم، رغم غياب البيانات الاقتصادية الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي، فتح الباب واسعاً أمام توقعات خفض الفائدة. وتشير بيانات مجموعة بورصات لندن (LSEG) إلى أن الأسواق تُسعّر حالياً خفضاً بمقدار ربع نقطة مئوية في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي المقبل، يليه خفض آخر في ديسمبر، وهي خطوة نادرة تشير إلى تحول جذري في التوقعات، تتبعها توقعات بثلاثة تخفيضات إضافية خلال العام التالي.
ويعلّق محللو بنك DBS على ذلك بأن السوق يتداول حالياً في ظل سيناريو “غوديلوكس” (Goldilocks) الاقتصادي. ويقصد بهذا السيناريو المفضّل أن الاقتصاد قوي بما يكفي لتجنب الركود، ولكنه ليس قوياً لدرجة إثارة التضخم وتشديد السياسة النقدية، حيث يتم دعم أصول المخاطرة بفضل نمو اقتصادي متين مقترن بظروف نقدية مُيسَّرة أو متوقع تيسيرها. ويشيرون إلى أن “التوترات التجارية، والإغلاق الحكومي، ومخاوف التضخم… يتم وضعها جانباً في الوقت الحالي” لصالح التفاؤل ببيئة “Goldilocks” التي تضغط بشكل طبيعي على الدولار الأمريكي.
تحسن شهية المخاطرة يقلل من جاذبية الدولار الأمريكي
عادةً ما يعمل الدولار الأمريكي كملاذ آمن عالمي في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي أو الاقتصادي. إلا أن التحسن العام في المعنويات العالمية أدى إلى تراجع الطلب عليه كأصل دفاعي، مما ضغط على قيمته للأسفل.
ويوضح فرانشيسكو بيسول، خبير استراتيجيات العملات الأجنبية لدى بنك ING، أن تحسن المعنويات بشأن المخاطر كان سبباً مباشراً في إضعاف الدولار الأمريكي، مؤكداً وجود علاقة عكسية واضحة. وأشار بيسول إلى أن تقارير أرباح الشركات التي جاءت جيدة في يوم الثلاثاء، وتحسن أداء مؤشر S&P 500 خلال اليوم، ساعد في إضعاف العملة الخضراء التي كانت تستفيد من التدفقات الآتية من تدهور شهية المخاطرة سابقاً. وأكد أن “الأرباح، سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة، تميل إلى إضعاف جاذبية الدولار إذا كانت إيجابية”، لأن المستثمرين يفضلون توجيه رؤوس الأموال نحو الأسهم والأصول ذات العائد الأعلى بدلاً من الاحتفاظ بها في السندات الحكومية الآمنة المقومة بالدولار.
العملات الأخرى تتألق مستفيدةً من ضعف الدولار
في ظل تراجع الدولار، شهدت عملات رئيسية أخرى ارتفاعات ملحوظة مستغلةً تدفقات المخاطرة:
- اليورو: ارتفع بنسبة 0.17%، مدعوماً بتزايد التفاؤل في الأسواق الأوروبية. ويعود جزء من هذا التفاؤل إلى تعافي المعنويات بشأن المشهد السياسي الفرنسي بعد اقتراح الحكومة تعليق إصلاحات التقاعد، مما أزال “علاوة المخاطر السياسية” التي كانت تثقل كاهل العملة الموحدة.
- الين الياباني والدولار الأسترالي (AUD): كانتا العملتان الأبرز أداءً، حيث واصلتا التعافي القوي من الانخفاضات الحادة التي شهدتاها الأسبوع الماضي مقابل الدولار الأمريكي. وقد ارتفع الدولار الأسترالي الحساس للمخاطر بنسبة 0.5% إلى 0.652 دولار، رغم استمرار الخلافات التجارية الجمركية المحدودة بين بكين وواشنطن، مدعوماً بالإشارة الإيجابية القادمة من الصين.
- اليوان الصيني: تلقى دعماً كبيراً من قرار بكين بتحديد سعر الصرف الرسمي لليوان الصيني أقوى من مستوى 7.1 مقابل الدولار لأول مرة منذ نوفمبر الماضي. وتُعتبر هذه الخطوة مؤشراً قوياً على ثقة صانعي السياسة الصينيين في استقرار عملتهم وقدرتهم على إدارة سعر الصرف، مما يقلل من مخاوف هروب رؤوس الأموال.
- الجنيه الإسترليني: ارتفع بنسبة 0.33%، مرتدّاً من تراجعه السابق. وقد جاء هذا الارتفاع على الرغم من البيانات الرسمية التي أظهرت تباطؤ نمو الأجور، مدعوماً بتأكيد وزيرة المالية البريطانية راشيل ريفز النظر في كل من رفع الضرائب وخفض الإنفاق في ميزانيتها القادمة، وهو ما أثلج صدور الأسواق التي ترى في هذه الالتزامات مؤشراً على المسؤولية المالية والعمل على تحقيق التوازن في الدفاتر.
الخلاصة والآفاق المستقبلية للدولار الأمريكي
تُشير حركة الدولار الأمريكي الحالية إلى أن الأسواق باتت أكثر تركيزاً على احتمال تخفيف السياسة النقدية الأمريكية والتحسن العام في المناخ الاقتصادي العالمي. ومع استمرار رهانات خفض الفائدة وتجاوز أصول المخاطرة للمخاوف التجارية والسياسية مؤقتاً، يواجه الدولار ضغطاً بيعياً متزايداً. ومع ذلك، يجب التذكير بأن أي تغيير مفاجئ في توقعات التضخم أو أي تصعيد للتوترات الجيوسياسية العالمية يمكن أن يُلغي بسرعة سيناريو “غوديلوكس” ويعيد الدولار الأمريكي إلى واجهة العملات الملاذ الآمن بقوة.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد