أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تتخطى 4,200 دولار بدعم من توقعات بخفض الفائدة وتصاعد التوترات الجيوسياسية

شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً قياسياً لتتجاوز حاجز الـ 4,200 دولار للأوقية لأول مرة، مسجلة بذلك إنجازاً تاريخياً في الأسواق العالمية. يأتي هذا الارتفاع الصاروخي مدفوعاً بتفاؤل المستثمرين بشأن خفض محتمل لسعر الفائدة الأمريكي، إلى جانب استمرار الغموض الاقتصادي والجيوسياسي الذي يزيد من جاذبية المعدن الأصفر كملاذ آمن تقليدي.

وإن تجاوز أسعار الذهب لهذا المستوى القياسي يؤكد دوره المحوري في إدارة مخاطر المحافظ الاستثمارية العالمية. فالمعدن الأصفر، الذي يُعتبر مخزناً للقيمة عبر الأجيال، أظهر مرونة استثنائية هذا العام، محققاً مكاسب غير مسبوقة تبلغ 60% منذ بداية العام، وهي نسبة تعكس مدى القلق المتراكم في الأنظمة المالية والسياسية الكبرى.

وصل السعر الفوري للذهب إلى 4,209.49 دولار للأوقية، بعد أن لامس أعلى مستوى له على الإطلاق عند 4,217.95 دولار في وقت سابق من الجلسة. وقد ارتفعت العقود الآجلة الأمريكية للذهب تسليم ديسمبر بنسبة مماثلة لتسجل 4,227.60 دولار. وقد حقق الذهب مكاسب تجاوزت 60% حتى الآن هذا العام، مدعوماً بمزيج من العوامل الهيكلية والتحفيزية التي سنستعرضها في هذا التحليل العميق.

دور الاحتياطي الفيدرالي يدعم أسعار الذهب

يُعدّ التحول في السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) الدافع الأكبر وراء الزخم الحالي في أسعار الذهب. فبمجرد أن أشار رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى لهجة أكثر تيسيراً، تراجعت قيمة الدولار الأمريكي أمام سلة من العملات، مما جعل الذهب (المُسعّر بالدولار) أرخص للمشترين من حاملي العملات الأخرى.

هذا التوقع بتخفيف السياسة النقدية يعود جزئياً إلى مؤشرات على تباطؤ محتمل في النمو الاقتصادي الأمريكي وتراجع مستويات التضخم. فمع تزايد اليقين بأن الفيدرالي سيتجه نحو التيسير، ينخفض ما يُعرف بـ تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب. ببساطة، عندما ترتفع أسعار الفائدة، يكون الاحتفاظ بالذهب (الذي لا يدر عائداً دورياً) أقل جاذبية مقارنة بالسندات أو الودائع ذات العائد المرتفع. ولكن مع خفض الفائدة، يصبح الذهب أكثر جاذبية تلقائياً كمستودع للثروة.

ويُسعّر المتداولون حالياً احتمالية كبيرة لتخفيض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر، وتخفيض آخر مماثل في ديسمبر، مما يعكس اقتناع السوق بأن دورة التشديد النقدي قد انتهت. تاريخياً، يزدهر الذهب في بيئات أسعار الفائدة المنخفضة أو المتراجعة، حيث ينخفض العائد على السندات والأصول الأخرى التي لا تحمل فائدة.

تصاعد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية

بعيداً عن العوامل النقدية، لعبت التوترات العالمية دوراً حاسماً في تعزيز مكانة الذهب كملاذ آمن. يُنظر إلى الذهب تقليدياً على أنه تحوط ضد حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي والتضخم، وهذه المخاطر متزايدة حالياً:

  • التوترات التجارية: صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن واشنطن تدرس قطع بعض العلاقات التجارية مع الصين بعد تبادل فرض الرسوم التجارية. إن التهديد بقطع العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم لا يمثل مجرد خلاف حول الرسوم، بل يثير مخاوف عميقة بشأن سلاسل الإمداد العالمية والنمو الاقتصادي المستقبلي، مما يدفع الشركات والمستثمرين للبحث عن أصول أقل عرضة للمخاطر السيادية والتجارية.
  • الغموض السياسي: تستمر الأسواق في مراقبة المخاطر المرتبطة بالإغلاق الحكومي المستمر في الولايات المتحدة والاضطرابات السياسية في كل من فرنسا واليابان. كما أن استمرار الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة يمثل دليلاً على حالة من الشلل السياسي التي تؤثر سلباً على ثقة المستثمرين في قدرة الإدارة على إدارة التحديات الداخلية والخارجية بفعالية. كل هذه العوامل تخلق بيئة مثالية لارتفاع الطلب على أسعار الذهب كأصل محايد وموثوق به دولياً.

وفي هذا السياق، يوضح ريكاردو إيفانجيليستا، المحلل في “ActivTrades”، أن “استمرار الإغلاق الحكومي، والمزيد من التعليقات المتساهلة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، والتصعيد المستمر للتوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، من المرجح أن تدعم المزيد من المكاسب في أسعار الذهب”.

اتجاهات السوق والتوقعات المستقبلية

لم يقتصر صعود أسعار الذهب على العوامل النقدية والجيوسياسية فحسب، بل تم دعمه بطلب هيكلي قوي يشمل:

  • عمليات شراء قوية للبنوك المركزية: استمرت البنوك المركزية عالمياً في زيادة احتياطياتها من الذهب. تكتسب ظاهرة التخلي عن الدولار زخماً كبيراً، حيث تسعى القوى الاقتصادية الناشئة والكبرى إلى تقليل اعتمادها على العملة الأمريكية في التجارة والاحتياطيات. وتُعد مشتريات البنوك المركزية من الذهب جزءاً لا يتجزأ من هذه الاستراتيجية الطويلة الأجل لتنويع الأصول وتعزيز الاستقلال المالي. هذه التحركات الهيكلية، بعكس المضاربات قصيرة الأجل، توفر أرضية صلبة لثبات أسعار الذهب عند مستويات مرتفعة.
  • اتجاه التخلي عن الدولار (De-dollarisation): تزايد الاتجاه نحو تنويع الاحتياطيات بعيداً عن الدولار الأمريكي.
  • تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة (ETF): تدفقات استثمارية قوية نحو الصناديق المدعومة بالذهب.

هل يمكن أن يصل الذهب إلى 5,000 دولار؟

يرى المحللون أن هذا الهدف أصبح في الأفق. يعتقد إيفانجيليستا أن “الوصول إلى مستوى 5,000 دولار لا يبدو مستحيلاً على المدى المتوسط إلى الطويل”. وتتفق معه سوني كوماري، استراتيجية السلع في ANZ، التي تتوقع أن “تستمر مسيرة الصعود في الذهب”.

وعلى الصعيد الفني، بلغ مؤشر القوة النسبية (RSI) للذهب 85، وهو ما يشير إلى أن المعدن في منطقة ذروة الشراء. أما من الناحية الفنية، فإن وصول مؤشر القوة النسبية (RSI) إلى 85 هو إشارة فنية واضحة على أن الارتفاع الحالي كان سريعاً جداً وقد يكون السوق ‘ساخناً’ للغاية، مما قد يؤدي إلى جني أرباح محدود أو ‘استراحة’ في الأسعار قبل أن يتمكن السوق من بناء زخم جديد لاختراق حاجز الـ 5,000 دولار الذي يتوقعه المحللون. الأمر الذي قد يستدعي بعض التصحيح المؤقت قبل استئناف مسار الصعود.

حركة المعادن الثمينة الأخرى

تماشياً مع ارتفاع الذهب، سجلت المعادن الثمينة الأخرى مكاسب ملحوظة؛ ارتفعت الفضة بنسبة 2.7% لتصل إلى 52.81 دولار للأوقية، كما صعد البلاتين بنسبة 1.7% والبلاديوم بنسبة 1.6%، مدعومة بتشديد الإمدادات في السوق الفورية. هذا التأثير المعدي يؤكد على اتساع الشهية للاستثمار في فئة الملاذات الآمنة، حيث تستفيد هذه المعادن من نفس دوافع القلق الجيوسياسي وضعف الدولار.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى