أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

لماذا تتراجع أسعار النفط؟

التوترات التجارية وتقرير الوكالة الدولية للطاقة يضغطان على السوق

شهدت أسعار النفط العالمية تراجعاً ملحوظاً، محوّلةً مكاسبها المبكرة إلى خسائر، وذلك في ظل غيوم من عدم اليقين تلوح في الأفق الاقتصادي العالمي. لقد تجاوز تأثير الأنباء الجيوسياسية المعتادة ليلامس عصب الاقتصاد الحقيقي، متمثلاً في التوترات التجارية المتصاعدة بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم، الولايات المتحدة والصين. تزامن هذا مع بيانات سلبية من وكالة الطاقة الدولية (IEA)، مما شكّل ضغطاً مزدوجاً على أسعار النفط الخام.

هذا التراجع، الذي دفع بعقود خام برنت وعقود غرب تكساس الوسيط (WTI) نحو أدنى مستوياتها في خمسة أشهر، يسلط الضوء على الهشاشة التي يتميز بها سوق الطاقة. فبحلول نهاية التداولات، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 1.6% لتستقر حول 62.31 دولاراً للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط بنسبة مماثلة ليصل إلى 58.54 دولاراً للبرميل. هذا التذبذب الحاد يشير إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر حساسية تجاه المخاطر الاقتصادية الكلية مقارنة بالتأثيرات اللحظية للإمدادات.

أسعار النفط تحت رحمة التوترات التجارية الأمريكية-الصينية

تعتبر العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين بمثابة البوصلة التي توجه التوقعات الاقتصادية العالمية، وبالتالي، أسعار النفط. إن أي تصعيد في هذه التوترات يترجم فوراً إلى مخاوف بشأن تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، مما يعني انخفاضاً متوقعاً في الطلب على الطاقة والنقل.

وقد علق المحلل في PVM Oil، توماس فارغا، على أن الأسواق لا تزال في مرحلة “تقييم العواقب المحتملة” لعدة عوامل، من ضمنها الهجمات المستمرة على منشآت النفط في أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى “إمكانية إشعال حرب تجارية جديدة بين العملاقين الاقتصاديين في العالم”. هذه العوامل مجتمعة تزيد من حالة عدم اليقين.

على الرغم من إعلان وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، عن التزام الرئيس دونالد ترامب بلقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية هذا الشهر لتهدئة التوترات، إلا أن التطورات الأخيرة كانت أكثر تأثيراً في سلبية المعنويات العامة للسوق:

  1. قيود التصدير والتعريفات: هدد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100% وقيود على تصدير البرمجيات بدءاً من الأول من نوفمبر، بينما قامت بكين بتوسيع ضوابط التصدير على المعادن الأرضية النادرة، وهي مكونات حيوية للعديد من الصناعات المتقدمة.
  2. العقوبات المتبادلة: أعلنت بكين مؤخراً عن فرض عقوبات ضد خمس شركات تابعة لباني السفن الكوري الجنوبي “هانوا أوشن” والمرتبطة بالولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، سيبدأ البلدان بفرض رسوم إضافية على الموانئ لشركات الشحن البحري، وهي تكلفة سيتم نقلها في النهاية إلى المستهلكين وستزيد من تكلفة التجارة العالمية، بما في ذلك شحن النفط الخام نفسه.

هذا المزيج من التهديدات والإجراءات الفعلية يخلق بيئة لا تشجع على التوسع الاقتصادي، وهو ما يضع ضغطاً مباشراً على أسعار النفط بسبب تراجع توقعات الطلب المستقبلي.

تقرير الوكالة الدولية للطاقة (IEA): معادلة عرض تتغير

بالتوازي مع الرياح المعاكسة القادمة من آسيا وأمريكا الشمالية، جاء تقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA) الشهري ليضيف عبئاً على معنويات السوق. يُعد تقرير IEA مصدراً رئيسياً للتوقعات المتعلقة بالعرض والطلب، وقد رسم صورة أقل تفاؤلاً للمستثمرين في قطاع الطاقة.

ارتفاع توقعات العرض

قامت الوكالة الدولية للطاقة برفع توقعاتها لنمو إمدادات النفط العالمية لهذا العام. ويأتي هذا التعديل نتيجة مباشرة لقرار مجموعة “أوبك+” (منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها، بما في ذلك روسيا) بزيادة الإنتاج. يعني هذا أن السوق سيشهد توفر كميات أكبر من النفط عما كان متوقعاً في السابق.

كما أكدت مجموعة أوبك+ في تقريرها الشهري الصادر يوم الاثنين أن عجز الإمدادات في السوق النفطية سيتقلص بشكل ملحوظ بحلول عام 2026، وذلك مع المضي قدماً في خططها لزيادة الإنتاج. هذه التوقعات تشير بوضوح إلى أن الضغط الذي كان يمارسه نقص المعروض على أسعار النفط بدأ يتلاشى تدريجياً.

تخفيض توقعات الطلب

في المقابل، خفّضت IEA توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط. وعزت الوكالة هذا التخفيض إلى “خلفية اقتصادية أكثر تحدياً”، في إشارة واضحة إلى الآثار السلبية المحتملة للتوترات التجارية والتباطؤ الاقتصادي العام. عندما تتراجع توقعات الطلب وتزداد توقعات العرض، فإن النتيجة الحتمية هي هبوط في أسعار النفط.

مؤشرات السوق الفنية: تضييق الفروقات كدليل على وفرة المعروض

لم تقتصر الإشارات السلبية على الأخبار الاقتصادية والتقارير الرسمية فحسب، بل امتدت لتظهر في المؤشرات الفنية لسوق المشتقات النفطية.

يشير تضييق الفروقات (Spreads) في العقود الآجلة، خاصة الفارق بين تسليمات الأجل القريب والأجل الأبعد، إلى تغير في نظرة المستثمرين لمدى توفر النفط. يُعرف المصطلح الفني الـ Backwardation في السوق بأنه الحالة التي تحصل فيها التسليمات الفورية (الآن) على سعر أعلى (علاوة) من التسليمات الآجلة (المستقبل). وهذا عادة ما يحدث عندما يكون هناك نقص في المعروض الحالي.

ولكن ما حدث مؤخراً هو تراجع في هذه العلاوة:

  • تم تداول فارق عقود خام برنت الآجلة لأجل ستة أشهر عند أدنى علاوة له منذ أوائل شهر مايو.
  • وصل فارق عقود غرب تكساس الوسيط (WTI) إلى أضيق مستوى له منذ يناير 2024.

يعني تضييق الـ Backwardation أن المستثمرين يجنون أرباحاً أقل من بيع نفطهم في السوق الفورية. وهذا التحول هو مؤشر قوي على أن السوق أصبح يرى أن المعروض القريب أصبح وفيراً ومناسباً، مما يخفف الضغط على أسعار النفط الفورية ويدفعها للانخفاض.

مستقبل أسعار النفط مرتبط بالسياسة والتوازن

يواجه سوق الطاقة مزيجاً معقداً من الضغوط. فالتوترات التجارية بين القوتين العظميين تخلق سحابة من عدم اليقين تهدد الطلب المستقبلي، بينما تعمل تقارير المنظمات الدولية مثل IEA على تغيير توقعات التوازن بين العرض والطلب لصالح وفرة المعروض.

يجب على المستثمرين والجمهور العام المهتم بالاقتصاد مراقبة التطورات الجيوسياسية عن كثب، وخاصة أي نتائج تترتب على اللقاء المرتقب بين الرئيس ترامب والرئيس شي جين بينج. إن تحديد مسار أسعار النفط في الفترة المقبلة لن يتوقف على قرار الإنتاج من أوبك+ فحسب، بل سيعتمد بشكل كبير على ما إذا كانت أكبر الاقتصادات في العالم ستتمكن من تجاوز خلافاتها التجارية وتأمين مسار للنمو الاقتصادي المستدام.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى