أسعار الذهب تتجاوز 4100 دولار للأوقية

شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً قياسياً غير مسبوق يوم الثلاثاء، متجاوزة حاجز الـ 4,100 دولار للأونصة للمرة الأولى، في ظل مزيج من التوقعات النقدية المتفائلة وتصاعد حدة التوترات الجيوسياسية. هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول كبرى في مسيرة المعدن الثمين، ويؤكد دوره المتنامي كأصل احتياطي في المشهد الاقتصادي العالمي المضطرب. وسجل سعر الذهب الفوري 4,128.49 دولار للأونصة في تمام الساعة 08:05 بتوقيت غرينتش، بعد أن لامس في وقت سابق من الجلسة مستوى قياسياً عند 4,179.48 دولار.
كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 0.3% لتصل إلى 4,144.10 دولار، ما يعكس ثقة السوق في استمرار زخم الصعود.
تطلعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية تدعم أسعار الذهب
يظل التفاؤل بشأن قرب خفض أسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (Fed) هو المحرك الأساسي لارتفاع أسعار الذهب. ويأتي الذهب، باعتباره أصلاً لا يدر عائداً، ليجد بيئة استثمارية مواتية في فترات انخفاض أسعار الفائدة، حيث يقلل ذلك من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر مقارنة بالسندات والأصول الأخرى ذات العائد. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي خفض الفائدة عادة إلى ضعف الدولار الأمريكي، مما يجعل الذهب المقوم بالعملة الأمريكية أرخص للمشترين من حاملي العملات الأخرى، وبالتالي يرتفع الطلب عليه عالمياً.
ويترقب المستثمرون خطاب رئيس الفيدرالي، جيروم باول، في الاجتماع السنوي لرابطة NABE يوم الثلاثاء للحصول على مزيد من الإشارات حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية. وقد عززت تصريحات آنا بولسون، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في فيلادلفيا، التوقعات بضرورة إجراء المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة الأمريكية لمواجهة المخاطر المتزايدة التي تهدد سوق العمل. وتشير هذه التصريحات إلى تحول محتمل في تركيز الفيدرالي من محاربة التضخم إلى دعم استقرار سوق العمل، وهو ما يصب مباشرة في مصلحة المضاربين على ارتفاع الذهب، ويؤكد أن البيئة النقدية الداعمة للمعدن الأصفر قد بدأت بالتشكل فعلياً.
التوتر التجاري والملاذ الآمن
ساهم تجدد التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، في دفع أسعار الذهب إلى ما هو أبعد من المستوى النفسي البالغ 4,100 دولار. ففي أوقات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي، يتجه المستثمرون إلى الذهب كـ “ملاذ آمن” لحماية رؤوس أموالهم من التقلبات. لقد أثبت التاريخ مراراً أن الذهب هو الأصل المفضل خلال النزاعات التجارية، حيث يراه المستثمرون تحوطاً فعالاً ضد تدهور قيمة العملات والنمو الاقتصادي العالمي البطيء الناتج عن فرض التعريفات الجمركية.
في هذا السياق، علّق هان تان، كبير محللي السوق في Nemo.money، بالقول: “إن المخاوف المتجددة بشأن حرب تجارية عالمية دفعت الذهب لتجاوز مستوى 4,100 دولار النفسي”. وأضاف تان أن “القفزة التالية نحو منتصف مستوى 4 آلاف دولار قد تتطلب مفاجآت تيسيرية من اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) لهذا الشهر”.
وفي حين أكد وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ماضٍ في لقاء نظيره الصيني شي جين بينغ في كوريا الجنوبية أواخر أكتوبر، تتجه الدولتان لفرض رسوم على شركات الشحن البحري، مما يزيد من حدة التوتر التجاري بينهما. ويعتبر فرض رسوم الموانئ على شركات الشحن خطوة تصعيدية تؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإمداد العالمية، من الألعاب الموسمية إلى النفط الخام، مما يرفع تكاليف الواردات ويُغذي المخاوف من تباطؤ عالمي، وهو ما يعزز مكانة الذهب كمخزن للقيمة في وجه المخاطر الاقتصادية المتصاعدة.
الزخم المستمر لأسعار الذهب وتوقعات الخبراء
شهدت أسعار الذهب ارتفاعاً لافتاً بنسبة 57% منذ بداية العام، مدعومة بعوامل هيكلية تشمل المشتريات القوية من البنوك المركزية والتدفقات الكبيرة على صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs). تُعد مشتريات البنوك المركزية، خاصة في الاقتصادات الناشئة، مؤشراً على تحول استراتيجي في إدارة الاحتياطيات بعيداً عن الدولار، مما يوفر دعماً طويل الأجل ومستداماً لـ أسعار الذهب، كونه يمثل حصة أساسية من الأصول الأكثر موثوقية عالمياً.
على صعيد المعادن الثمينة الأخرى، تراجع سعر الفضة الفورية بنسبة 0.1% إلى 52.27 دولاراً، بعد أن سجلت مستوى قياسياً بلغ 53.60 دولاراً، مستفيدة من ذات العوامل الداعمة للذهب، بالإضافة إلى ضيق السوق الفورية. ويشير تان إلى أن “الضغط البيعي القصير (Short Squeeze) في سوق لندن كان المحفز الواضح لارتفاع الفضة القياسي الجديد، حتى مع استفادة المضاربين على الارتفاع بالفعل من التوجه العام نحو الملاذات الآمنة”. هذا إلى جانب أن الفضة تستفيد من الطلب الصناعي المتزايد، مما يمنحها محركاً مزدوجاً للارتفاع يختلف عن الذهب الخالص. وفيما يخص التوقعات طويلة الأمد، يتوقع محللون بارزون في بنك أوف أمريكا وسوسيتيه جنرال أن يصل سعر الذهب إلى 5,000 دولار للأونصة بحلول عام 2026، بناءً على استمرار هذه العوامل الهيكلية والجيوسياسية.
كما سجلت المعادن الأخرى ارتفاعات، حيث صعد البلاتين بنسبة 0.6% إلى 1,654.65 دولاراً، والبلاديوم بنسبة 0.2% إلى 1,477.95 دولاراً، مما يؤكد الزخم الإيجابي الذي يشهده قطاع المعادن الثمينة بأكمله.
ختاما إن الارتفاع القياسي في أسعار الذهب هو نتيجة تفاعل قوي بين السياسة النقدية المتمثلة في احتمالية خفض الفائدة، والمخاوف الجيوسياسية التي تدعم الطلب على الملاذ الآمن. هذا التداخل يخلق بيئة فريدة حيث يُنظر إلى الذهب ليس فقط كأداة للتحوط من التضخم، بل كأصل أساسي لـ “إدارة المخاطر” في محفظة أي مستثمر جاد. وستبقى عيون السوق مُسلطة على أي مستجدات حول قرار الفيدرالي الأمريكي والقمة المرتقبة بين واشنطن وبكين لتحديد الاتجاه القادم للمعدن الثمين، مع الأخذ في الاعتبار أن اختراق مستويات المقاومة الرئيسية قد يفتح الباب أمام تحقيق التوقعات الأكثر تفاؤلاً للسنوات القادمة.
اقرأ أيضا…