أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تنتعش وآمال محادثات التجارة الأمريكية-الصينية تعوض خسائر الجمعة

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً يوم الاثنين، مستردةً جزءاً من الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها في الجلسة السابقة، والتي دفعت بها إلى أدنى مستوياتها في خمسة أشهر. يأتي هذا الارتداد وسط تركيز المستثمرين على التطورات المرتقبة بين أكبر اقتصادين في العالم، الولايات المتحدة والصين، وتنامي الآمال بإجراء محادثات قمة يمكن أن تخفف من حدة التوترات التجارية وتمنح السوق دفعة إيجابية طال انتظارها. هذه الحركة الصعودية تعد بمثابة تصحيح فني يأتي في أعقاب تراجع حاد عزته السوق إلى عاملين رئيسيين: التهدئة الجيوسياسية وتجدد شبح الحمائية التجارية الذي يهدد توقعات النمو العالمي والطلب على الطاقة.

آمال خفض التوترات تدعم أسعار النفط ومخاطر الرسوم الجمركية

كان التفاؤل الحذر بشأن إمكانية استئناف محادثات التجارة رفيعة المستوى بين واشنطن وبكين هو الدافع الرئيسي وراء انتعاش أسعار الخام. ويُعد هذا التفاؤل نقطة تحول حاسمة بعد أن شهدت الأسواق جولة جديدة من التوترات الأسبوع الماضي، والتي ألقت بظلال من القلق على مسار النمو. وتضمنت هذه التوترات توسيع الصين لضوابط تصدير المعادن النادرة، وهو ما يهدد سلاسل الإمداد التكنولوجية الأمريكية، ورد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهديد بفرض رسوم جمركية عقابية بنسبة 100% على الصادرات الصينية المتجهة إلى الولايات المتحدة. إن فرض رسوم بهذا الحجم يُنظر إليه في الأوساط الاقتصادية على أنه تصعيد خطير قادر على إدخال الاقتصاد العالمي في دوامة تباطؤ حادة، مما يقلل فوراً من التوقعات لـ أسعار النفط والطلب المستقبلي.

لقد تراجعت أسعار النفط بشكل حاد وملموس في مارس وأبريل الماضيين بالتزامن مع بلوغ التوترات التجارية ذروتها. ومع أن شكوكاً أحاطت بلقاء محتمل بين ترامب ونظيره الصيني شي جين بينغ، خاصة بعد تصريحات ترامب الأخيرة التي قللت من أهمية الاجتماع، إلا أن تصريحات الممثل التجاري الأمريكي جاميسون غرير أشارت لاحقاً إلى أن اجتماعاً قد يعقد على هامش منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في كوريا الجنوبية في وقت لاحق من الشهر. إن استعداد الطرفين للتفاوض، رغم التهديدات المتبادلة، يُعتبر إشارة إيجابية تُقلّل من مخاطر تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وبالتالي، تزيد من توقعات الطلب على الطاقة وتحد من الهبوط المحتمل.

حركة الأسعار وتأثير تفكيك “علاوة المخاطر” الجيوسياسية

في تفاصيل الحركة السعرية، ارتفعت عقود خام برنت الآجلة بمقدار 1.08 دولار، أو ما يعادل 1.7%، لتصل إلى 63.81 دولار للبرميل. كما ارتفع خام غرب تكساس الأمريكي (WTI) بمقدار 1.13 دولار، أو 1.92%، ليبلغ 60.03 دولاراً للبرميل. ويُذكر أن كلا العقدين كانا قد فقدا نحو 4% من قيمتهما يوم الجمعة، ليغلقا عند أدنى مستوى لهما منذ شهر مايو. يعكس الهبوط الحاد يوم الجمعة إزالة جزء كبير مما يُعرف بـ “علاوة المخاطرة” (Risk Premium) من الأسعار. وهي تلك الزيادة السعرية التي تفرضها السوق تحسباً لاحتمال توقف أو تعطيل إمدادات الخام في المناطق المنتجة الرئيسية.

وإلى جانب عوامل التجارة، تلقت معنويات السوق دعماً إضافياً من التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط. فقد أشارت الأسواق إلى أن الإفراج عن آخر 20 رهينة إسرائيلياً متبقين على قيد الحياة من قبل حركة حماس، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة، يُعد خطوة كبيرة نحو إنهاء عامين من الصراع في غزة. وقد علّق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على هذا الحدث معلناً عن “فجر تاريخي لشرق أوسط جديد”. ويؤكد هذا المشهد أن استقرار المنطقة يظل عنصراً حاسماً في معادلة تحديد أسعار الخام، حيث أن أي تراجع في حدة الصراع يغذي التوقعات بوفرة الإمدادات.

وفي هذا السياق، صرّح سوفرو ساركار، محلل الطاقة في بنك DBS، بأن “الانهيار السعري الذي حدث الأسبوع الماضي كان مدفوعاً إلى حد كبير بوقف إطلاق النار في غزة وعودة تقلبات التجارة الأمريكية-الصينية قبل الموعد النهائي لهدنة العاشر من نوفمبر”. وأضاف أن موجة البيع الحالية تبدو محددة بمدى استعداد واشنطن وبكين للتفاوض، مشيراً إلى أن النظرة المستقبلية القريبة لـ أسعار النفط ستتوقف على النتيجة النهائية لهذه المحادثات، حيث ستحدد ما إذا كان التركيز سيعود إلى أساسيات العرض والطلب أو سيطغى عليه قلق الحرب التجارية.

بيانات الطلب الصيني: دعم هيكلي للأسعار

على صعيد الطلب، تشير البيانات إلى أساس قوي في أكبر مستورد للخام في العالم، مما يوفر نقطة دعم هيكلية للأسواق. فقد أظهرت بيانات الجمارك الصينية ارتفاع واردات البلاد من النفط الخام في سبتمبر بنسبة 3.9% على أساس سنوي، لتصل إلى 11.5 مليون برميل يومياً. إن هذا الرقم المرتفع يعكس نشاطاً قوياً في قطاع التكرير الصيني، مدعوماً بحاجتها لزيادة المخزونات الاستراتيجية وتلبية الطلب المحلي المتزايد، بالإضافة إلى الاستمرار في دورها كمصدر رئيسي للمنتجات المكررة. يُسلط هذا الارتفاع الضوء على استمرار قوة الطلب الهيكلي في الصين، مما يضع أرضية داعمة لأسعار الخام العالمية ويخفف من المخاوف المتعلقة بالتباطؤ الاقتصادي المحتمل نتيجة النزاعات التجارية.

ختاما تظل أسعار النفط تحت تأثير مزدوج للجيوسياسة والاقتصاد الكلي. فبينما يقلل الهدوء النسبي في غزة من “علاوة المخاطرة” الجيوسياسية، فإن احتمال عقد قمة تجارية بين الولايات المتحدة والصين يمثل متنفساً حيوياً يدعم السوق، كونه يؤثر مباشرة على توقعات النمو والطلب العالمي. وفي المدى القريب، ستتركز أنظار المستثمرين على أي إشارات إيجابية حول المضي قدماً في المحادثات التجارية، والتي ستكون العامل الحاسم في تحديد ما إذا كان الانتعاش الحالي مستداماً أم مجرد ارتداد قصير الأجل ناجم عن تداول العناوين الرئيسية. تبقى تقلبات السوق مرهونة بكل تصريح سياسي جديد يصدر من العاصمتين.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى