الدولار الأمريكي يتألق: الجنيه الإسترليني يهوي لأدنى مستوى في شهرين وسط قلق مالي

شهد الجنيه الإسترليني أسبوعاً صعباً للغاية، حيث تراجع إلى أدنى مستوى له في شهرين مسجلاً أكبر خسارة أسبوعية منذ فترة الاضطراب التي ضربت سوق السندات البريطانية في يناير الماضي. يأتي هذا التراجع مدفوعاً بشكل أساسي بعودة قوية لـالدولار الأمريكي الذي ارتفع بشكل كبير وسط أزمات سياسية غير متوقعة في مناطق عالمية حيوية مثل فرنسا واليابان على وجه الخصوص. هذا التحول يعكس “الهروب إلى الجودة” الذي يلجأ إليه المستثمرون عند تفاقم حالة عدم اليقين العالمي.
الدولار الأمريكي يفرض هيمنته على العملات العالمية وملاذات الأسواق
خسر الجنيه الإسترليني حوالي 1.4% مقابل الدولار الأمريكي هذا الأسبوع، وهي أكبر خسارة أسبوعية منذ الانخفاض بنسبة 1.8% في أوائل يناير، عندما أثارت المخاوف بشأن الاستقرار المالي البريطاني عمليات بيع واسعة في السندات الحكومية (Gilts) والجنيه نفسه.
وكان الجنيه الإسترليني قد سجل انخفاضاً يوم الجمعة بنسبة 0.2% ليصل إلى 1.32875 دولار. وفي المقابل، كان ضعف الجنيه أقل وضوحاً مقابل اليورو، حيث ارتفع اليورو بنسبة 0.2% إلى 87.11 بنس. وعلى الرغم من أن العملة الأوروبية الموحدة تعاني من شلل سياسي في فرنسا بعد الدعوة لانتخابات مبكرة، إلا أنها بالكاد أحرزت تقدماً كبيراً مقابل الجنيه هذا الأسبوع، في حين تراجعت بنسبة 1.4% مقابل الدولار الأمريكي.
ويُعدّ صعود الدولار الأمريكي إشارة واضحة إلى تفضيل المستثمرين للعملات التي تعتبر ملاذاً آمناً وذات سيولة عالية في أوقات عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي. ففي ظل التوترات السياسية في أوروبا وآسيا، يتجه رؤوس الأموال بسرعة نحو الأصول الأمريكية، ولا سيما سندات الخزانة، مما يزيد من الطلب على الدولار الأمريكي ويعزز قوته بشكل مضاعف، متجاوزاً بذلك أي مؤشرات اقتصادية بريطانية قد تكون إيجابية من الناحية النظرية.
الضغوط الداخلية تعرقل الجنيه الإسترليني والقلق يحيط بالمالية العامة
لا تقتصر ضغوط الجنيه على عوامل خارجية تتمثل في قوة الدولار الأمريكي فحسب، بل تمتد لتشمل عوامل داخلية بريطانية عميقة. فقد أظهر مسح لشركات التوظيف أن سوق التوظيف البريطاني لا يزال بطيئاً، وأن الأجور تشهد ركوداً، وهو ما يشير إلى تباطؤ في زخم الاقتصاد المحلي، مما يعقد مسار السياسة النقدية لبنك إنجلترا.
تتفاقم هذه المخاوف حيث يشعر أصحاب العمل والمستثمرون بالقلق إزاء احتمالية فرض زيادات ضريبية إضافية في ميزانية نوفمبر المقبل التي ستقدمها وزيرة المالية راشيل ريفز. ومن المتوقع على نطاق واسع أن تزيد ريفز الضرائب للحفاظ على المسار المالي العام وتحقيق أهدافها المالية الصارمة.
هذا الترقب لخطة ريفز خلق شعوراً بالاضطراب المالي. ويتزايد قلق المستثمرين بشأن استقرار الشؤون المالية للحكومة على المدى الطويل، حيث يخشون من أن يتطلب تدارك الأوضاع المالية عمليات تصحيح ضريبي كبيرة قد تعيق النمو الاقتصادي، وهو ما يتجسد بوضوح في ضعف كل من الجنيه الإسترليني والسندات الحكومية (Gilts) التي أصبحت أقل جاذبية للمستثمرين الدوليين.
تحليلات الخبراء: مخاطر السياسة المالية تطغى على العوائد
وفي تحليل للعوائد، ارتفع عائد السندات القياسية لأجل 10 سنوات بمقدار نقطتي أساس حتى الآن هذا الشهر، مقارنة بانخفاض قدره 4 نقاط أساس في كل من العوائد الأمريكية والألمانية. ومن الناحية النظرية، يجب أن يوفر هذا العائد المرتفع دعماً للجنيه لجذب رأس المال، لكن المخاوف المالية والسياسية الأوسع المتعلقة بجدوى الديون الحكومية طغت على هذه الإيجابية. وهذا يعني أن المستثمرين لا يمنحون الجنيه علاوة مقابل العائد الأعلى، لأنهم يرون أن المخاطر الأساسية للسياسة المالية البريطانية مرتفعة جداً.
علّق جورج فيسي، كبير استراتيجيي العملات الأجنبية والاقتصاد الكلي في “كونفيرا” (Convera)، قائلاً: “إن استقرار سوق العمل في المملكة المتحدة يمكن أن يوفر قوة موازنة على المدى القريب لزخم الجنيه الهابط، لكن العوامل الأكبر ما زالت تهيمن”.
وفي مذكرة استراتيجية، أكد محللو “مونيكس” (Monex) على التوقعات السلبية قصيرة المدى: “ما زلنا نتوقع أن يواجه الجنيه الإسترليني صعوبات بينما ينتظر المستثمرون إشارات أوضح بشأن السياسة المالية البريطانية وتوقيت خفض أسعار الفائدة”. إن استمرار حالة عدم اليقين يرسخ من تفوق الدولار الأمريكي كملاذ مستدام.
في الختام، يستمر الجنيه الإسترليني في مواجهة رياح معاكسة قوية، حيث تتشابك المخاوف الداخلية بشأن السياسة المالية وأداء سوق العمل مع قوة الدولار الأمريكي التي لا تزال تسيطر على ساحة التداولات العالمية، مما يضع العملة البريطانية تحت ضغط مستمر.
اقرأ أيضا…