أسعار الذهب تتوقف عن تحطيم الأرقام القياسية مؤقتاً ولكن في طريقها لمكاسبها الأسبوعية الثامنة

على الرغم من موجة جني الأرباح الحتمية التي أعقبت صعوده التاريخي متجاوزاً عتبة 4,000 دولار للأونصة في وقت سابق من هذا الأسبوع، ظل المعدن الأصفر ثابتاً على مساره لتحقيق مكسب أسبوعي هو الثامن على التوالي. هذا الزخم القوي مدعوم باستمرار حالة عدم اليقين الجيوسياسي والمخاوف الاقتصادية الأوسع، بالإضافة إلى التوقعات المتزايدة في السوق بشأن التخفيضات المرتقبة في أسعار الفائدة الأمريكية. هذه السلسلة من المكاسب الأسبوعية هي مؤشر نادر وقوي على أن الذهب تجاوز مرحلة التقلبات العابرة وأصبح مدعوماً بدوافع هيكلية عميقة.
وانخفض سعر الذهب الفوري بشكل طفيف بنسبة 0.1%، ليتم تداوله عند 3,970.11 دولار للأونصة اعتبارًا من الساعة 09:01 بتوقيت جرينتش. ورغم هذا التراجع الهامشي، فقد سجل المعدن ارتفاعًا إجماليًا بنسبة 2.3% حتى الآن هذا الأسبوع، مؤكداً على قوة الزخم طويل الأمد. وفي الوقت ذاته، ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لشهر ديسمبر بنسبة 0.3% لتصل إلى 3,983.70 دولار، مما يشير إلى ثقة المتداولين في استمرار الارتفاع على المدى القريب.
جني الأرباح يوقف الارتفاع الجنوني.. واستراتيجية الذهب طويلة الأمد
أثار تجاوز سعر الذهب للحاجز النفسي الضخم عند 4,000 دولار عمليات جني أرباح مكثفة بين المضاربين والمتداولين قصيري الأجل الذين يسعون لتأمين مكاسب سريعة. ومع ذلك، يرى الخبراء أن هذا المستوى القياسي يمثل ما هو أبعد من مجرد قيمة رقمية؛ إنه نقطة تأكيد حاسمة للمستثمرين على المدى الطويل بأن الثقة في النقود الورقية (العملات النقدية والديون الحكومية) تتآكل بشكل منهجي. هذا التآكل يأتي نتيجة للتضخم المستمر ومستويات الدين الحكومي المرتفعة للغاية.
وفي هذا السياق التحليلي، صرح أليكس إيبكاريان، المدير التنفيذي للعمليات في “Allegiance Gold”، بأن الذهب يمر بسوق صاعدة طويلة الأمد (Secular Bull Market) قد تمتد للسنوات الخمس المقبلة. وشدد على أن المعدن الأصفر، الذي لا يدر عائداً تقليدياً، يعتبر الآن ملاذاً آمناً لا غنى عنه، خصوصاً في أوقات الغموض الاقتصادي والجيوسياسي التي تشهدها الساحة العالمية. وكان الذهب قد وصل إلى أعلى مستوى قياسي له على الإطلاق عند 4,059.05 دولار يوم الأربعاء الماضي، مما يبرر التوقعات المستقبلية الصاعدة.
محركات أسعار الذهب: الفيدرالي الأمريكي وقوة البنوك المركزية
تعززت أسعار الذهب بفعل مجموعة من العوامل المتشابكة، أبرزها المخاطر الجيوسياسية المتصاعدة التي تدفع المستثمرين نحو الأصول التي تحافظ على قيمتها. وتأتي في المقدمة عمليات الشراء القوية والمستمرة من قبل البنوك المركزية العالمية التي تسعى لتنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار الأمريكي، مما يضيف طلباً هيكلياً ضخماً للسوق. إضافة إلى ذلك، تدفقت الاستثمارات إلى صناديق المؤشرات المتداولة المدعومة بالذهب، مع ترقب الأسواق لخطوات بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
إن التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية تعتبر دافعاً رئيسياً للذهب، فكلما انخفضت أسعار الفائدة، انخفضت تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب الذي لا يدر عائداً، وفي الوقت ذاته يضعف الدولار الأمريكي، مما يجعل الذهب أرخص ثمناً لحاملي العملات الأخرى. وكشفت محاضر اجتماع الفيدرالي الأمريكي لشهر سبتمبر عن أن صانعي السياسة كانوا منفتحين على تخفيضات في أسعار الفائدة لمعالجة المخاطر المحتملة لسوق العمل، على الرغم من استمرار المخاوف المتعلقة بالتضخم. ولا يزال المستثمرون يتوقعون خفضين بمقدار 25 نقطة أساس لكل منهما في أكتوبر وديسمبر، وفقاً لبيانات (FEDWATCH)، مما يمنح الذهب دفعة قوية ومسبقة.
كما أن الإعلان عن مصادقة الحكومة الإسرائيلية على وقف إطلاق النار مع حماس قد أثر قليلاً على الطلب على الملاذات الآمنة، بما في ذلك الذهب، لكن التأثير ظل محدودًا أمام الدوافع الاقتصادية الأكبر والأكثر نظامية.
نظرة معمقة على الفضة: التراجع (Backwardation) ينذر بالتقلب
على صعيد المعادن الثمينة الأخرى، ارتفعت الفضة بنسبة 2.8% لتصل إلى 50.51 دولار للأونصة بعد أن لامست مستوى قياسيًا بلغ 51.22 دولار في الجلسة السابقة، لتسجل مكاسب سنوية هائلة فاقت 75% حتى الآن. ويعكس هذا الارتفاع الحاد الطبيعة المزدوجة للفضة كأصل صناعي وكمخزن للقيمة، مما يجعلها تتفاعل بقوة أكبر مع التحسن الاقتصادي أو نقص الإمدادات.
ويشير هذا الصعود الحاد إلى زيادة في التقلبات المتوقعة. وفي هذا الصدد، أشار هوغو باسكال، متداول المعادن الثمينة في “InProved”، إلى عوامل فنية مثل ارتفاع أسعار الإيجار وظهور منحنى “التراجع” (Backwardation)، حيث يصبح سعر التسليم الفوري للسلعة أعلى من سعرها المستقبلي. هذه الظاهرة عادة ما تنذر بنقص فوري في المعروض وتدل على ندرة السيولة أو الإمداد في سوق لندن خارج البورصة (OTC). ويضيف إيبكاريان أن عودة “الكونتانجو” (Contango) – وهو عكس التراجع، حيث يكون السعر المستقبلي أعلى – وتخفيف الضغط على السيولة، قد يخلق تراجعًا قصير المدى في أسعار الفضة، وهو ما قد يمثل “فرصة الشراء الكبرى التالية” في سوق المعادن الثمينة للمستثمرين الراغبين في الدخول.
وفي إطار المعادن الأخرى التي تخدم القطاع الصناعي، تراجع البلاتين بنسبة 0.8% إلى 1,606.20 دولار، بينما ارتفع البلاديوم بنسبة 0.3% إلى 1,415.25 دولار، وكلاهما يتجه نحو تسجيل مكاسب أسبوعية، وإن كانت بوتيرة أهدأ مقارنة بالذهب والفضة.
اقرأ أيضا…